تطرقنا في مقالات سابقة للضمانات القانونية والقضائية للمتعاقد مع الإدارة وأوردنا عدة أمثلة عليها من الفقه والقضاء وسنعرض في هذا المقال والمقالات اللاحقة للضمانات الاتفاقية المقررة للمتعاقد مع الإدارة، حيث سنتطرق لبيان مبدأ سلطان الإرادة كركن أساسي لتكوين العقد ومن ثم سنعرض لمسألة إعمال مبدأ سلطان الإرادة في العقود الإدارية، وأخيراً نتطرق لبعض صور هذه الضمانات.
مبدأ سلطان الإرادة: يعرف مبدأ سلطان الإرادة بأنه « المبدأ الذي يسمح للإرادة بتكوين العقد وتحديد الآثار التي تترتب عليه، بل وفي جميع الروابط القانونية ولو كانت غير تعاقدية. وإن الإرادة هي عماد التصرفات القانونية وترتكز عليها أغلب الالتزامات، سواء تلك التي تستند إلى الإرادة بمفردها أو تستند إليها مقترنة بإرادة أخرى.
وفي الواقع فإن للإرادة سلطة أن تبرم عقداً معيناً أو لا تبرمه، والتعاقد لا يكون إلا بإرادة حرة مختارة من قبل الأطراف كأصل عام؛ فالشخص يحق له أن يبيع أو لا يبيع، كما يحق له أن يؤجر أو لا يؤجر، كما يحق له أن يعمل لدى شخص آخر أو لا يعمل لديه، ويحق له إذا ما قرر البيع أو الإيجار أو العمل «في الأمثلة السابقة» أن يحدد مضمون العملية القانونية بالتراضي والاتفاق مع المتعاقد الآخر.
ومن ناحية أخرى فإن مبدأ سلطان الإرادة هو تعبير عن جانب أخلاقي مؤثر، بالعقد وهو تعبير عن إرادة الأفراد لا بد أن يكون مطابقاً ومحققاً لمصالحهم، لأن الإنسان لا يسعى بحريته واختياره إلا إلى ما يحقق مصالحه، لأن العقد ظاهرة إرادية اختيارية كفيل بخلق التوازن بين مصالح المتعاقدين.
كما إن الحرية العقدية القائمة على سلطان الإرادة هي خير سبيل لتحقيق الانتعاش الاقتصادي، فهي المحرك والحافز الرئيسي للحياة الاقتصادية. وإن أي تدخل للدولة بفرض قيود أو حدود على النشاط الاقتصادي بعيداً عن حرية المبادرة الفردية، إنما هو عمل غير جيد حتماً سيؤدي إلى عرقلة النمو الاقتصادي.
وعليه، فإن مبدأ سلطان الإرادة يعني أن الإرادة وحدها قادرة على أحداث أثر قانوني دون حاجة إلى إجراء شكلي خاص، وهذا ما يعرف بمبدأ الرضائية وهو المبدأ السائد والقاعدة الأصلية في تكوين العقود في القانون الحديث.
كما يعني أيضاً أن الإرادة قادرة على تحديد نوعية الالتزامات والآثار المترتبة عليها، وبذلك تترتب العلاقات الناشئة بموجب العقد بين أطرافه، وتكون محل تقدير واحترام ومن ثم لا يجوز لأي من الأطراف نقضه أو تعديله إلا بموافقة الطرف الآخر.
وترتب على سيادة مبدأ سلطان الإرادة أن ظهرت له نتائج عديدة منها مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، إضافة إلى تقرير حرية التعاقد أو الإحجام عنه وإن الأصل كفاية التراضي لقيام العقد دون اتباع شكليات معينة، وإن مهمة القاضي تقتصر على تفسير نية الطرفين والكشف عنها ولا يجوز له أن يغلب إرادته هو، بل يمكن القول إنن تفسير العقد وتعيين مضمونه ما هو إلا مظهر من مظاهر مبدأ سلطان الإرادة، حيث يتقيد القاضي في ذلك بما قصدت إليه الإرادة المشتركة للطرفين، حتى صار مبدأ سلطان الإرادة من الأسس التي تقوم عليها النظريات القانونية، فكل ما ليس محظوراً مباح وكل ما ليس ممنوعاً جائز. ويعرف مبدأ سلطان الإرادة بأنه « المبدأ الذي يسمح للإرادة بتكوين العقد وتحديد الآثار التي تترتب عليه، بل وفي جميع الروابط القانونية ولو كانت غير تعاقدية».
ورغم ما تقدم فلا تستطيع الإرادة «إرادة الأطراف» أن ترتب التزامات إلا في حدود النظام العام والآداب العامة، كما إن علاقات القوى في المجتمع تؤثر على حرية الإرادة كما في حالة اختلال التوازن بين القوى الاقتصادية، فيتدخل القانون لحماية الطرف الضعيف كما في عقود الإذعان، كما جعل القانون الاستغلال في حالات معينة عيباً في الرضاء، وأعطى القاضي رقابة على عقود الإذعان وعلى الشرط الجزائي، كما قيد استعمال الحق بمبدأ المشروعية، بحيث يكون التعسف في استعمال الحق مقيماً للمسؤولية.
فالتشريع يفرض قواعد آمرة مستوحاة من اعتبارات أعلى من كل إرادة فردية، كما إن النظام العام والآداب يفرضان على الحرية التعاقدية حدوداً لا يمكن تجاوزها.....يتبع