ناقشت الباحثة والكاتبة الصحافية بثينة خليفة قاسم رسالة ماجستير بعنوان «أثر الإصلاح السياسي على تمكين المرأة البحرينية في العقد الأول من عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة في الفترة الواقعة من 1999-2009»، وذلك في أمسية بحرينية شهدها معهد البحوث والدراسات العربية المنبثق عن جامعة الدول العربية في القاهرة يوم 24 مارس الماضي. وتأتي هذه الدراسة، ذات الصلة بمكانة المرأة البحرينية، ضمن سياسات المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في وقت تتنامى فيه صيحات خفافيش الظلام في الخارج، لتؤكد مساعي القيادة الجادة نحو الإصلاح السياسي بكافة الميادين، ولما كانت قضايا المرأة نضالية بطبيعتها، نتيجة ارتباط أهدافها بحدوث تغيير جذري في بنية المجتمعات، فإن العمل من أجلها يستلزم أن يكون جماعياً على مستوى الدولة والمنظمات الأهلية، وهذا ما انعكس على الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، وتأتي في مقدمتها مملكة البحرين التي شهدت تفاعلاً لدور المرأة في كافة مناحي الحياة وعلى كافة الأصعدة. وبطبيعة الحال لم تأتِ هذه الإنجازات والمكتسبات التي حظيت بها المرأة البحرينية من فراغ، فقد كان التحرك لتعزيز دور ومكانة المرأة في المجتمع البحريني يسير بخطى ثابتة، حيث تمارس الدولة سلطتها في العمل على دفع حركة المرأة إلى الأمام من خلال رزمة من البرامج والتشريعات والإجراءات، وهذا ما يتضح من خلال الإنجازات التي تحققت للمرأة في الفترة الزمنية الواقعة بين 1999-2009، كما تشير لها الدراسة. وتحتل قضايا المرأة مكانة هامة على صعيد برامج الإصلاح السياسي، حيث العلاقة الوثيقة التي تربط الإصلاح السياسي بتمكين المرأة من منطلق احترام حقوق الإنسان، باعتبار المرأة إنساناً كامل الأهلية في الحقوق والواجبات، فضلاً عن احترام مبدأ المواطنة وما ينطوي عليها من مبدأ المساواة والكرامة الإنسانية التي أقرتها الشريعة الإسلامية، لقوله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم»، ولما تمتلكه المرأة من قدرات يمكنها أن تكون مصدراً هاماً من مصادر التنمية، بل هي أيضاً هدف من أهداف التنمية، ولا يمكن للمجتمعات أن ترتقي أو تنهض دونما إفساح المجال لنصفها الآخر. إن تمكين المرأة يقع على رأس أولويات الإصلاح في مملكة البحرين وتبدي القيادة السياسية لجلالة الملك اهتماماً بالغاً في هذا الاتجاه تمثل في جوانب متعددة، فمنذ تولي عاهل البلاد المفدى زمام الحكم، صدرت العديد من التشريعات الخاصة بالمرأة، فضلاً عما تضمنه دستور مملكة البحرين من نصوص ذات صلة بالمساواة بين المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، حيث تضمن الدستور البحريني المعدل لعام 2002 نصوصاً تقر بمبدأ المساواة بين المواطنين، وذلك في مادته الرابعة من حيث إن «الحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة». إضافة لما تضمنته المادة (5) الفقرة (ب) من المساواة الصريحة بين الرجال والنساء في جميع المجالات، من حيث «تكفل الدولة للمرأة مساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». كما تنص المادة (18) من دستور 2002 على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة». وتأتي المادة (1) الفقرة (هـ) لتؤكد على أحقية المرأة في المشاركة السياسية من حيث: «للمواطنين، رجالاً ونساء، حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشح»، مما كان له انعكاس -بشكل إيجابي- على المستوى السياسي فقد حققت المرأة البحرينية الكثير من الإنجازات السياسية وأهمها تصويتها في الاستفتاء العام على ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، إضافةً إلى مشاركتها في الانتخابات البلدية والنيابية عام 2002، فضلاً عن حصولها على ستة مقاعد بمجلس الشورى العام 2002 عن طريق التعيين، تشجيعاً لها لإكمال المسيرة التي بدأتها، وما حظيت به من زيادة في مقاعدها في مجلس الشورى لعام 2006، حيث بلغ عدد الشوريات عشر عضوات، من أصل أربعين عضو ما نسبته 25% من مجموع المقاعد، فضلاً عن فوز سيدة واحدة (لطيفة القعود) بالتزكية للمجلس النيابي، ليأتي عام 2010 مؤكداً قدرة المرأة البحرينية على الفوز بالاقتراع الحر المباشر دون اللجوء إلى كوتا، وذلك بفوز السيدة (فاطمة سلمان) للمجلس البلدي بنسبة 52.59% مقابل 47.41%، أما تجربة الانتخابات التكميلية لعام 2011 فقد عاشت المرأة البحرينية حدثاً استثنائياً بفوز ثلاث نساء في الانتخابات النيابية، واحدة منهن بالتزكية واثنتان بالاقتراع الحر المباشر. ولم تكتفِ القيادة بذلك وإنما أنشأت المجلس الأعلى للمرأة في عام 2001 كمؤسسة رسمية ذات طبيعة استشارية، ليختص بكل ما يتعلق بشؤون المرأة وتترأسه صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك، كما لعبت مؤسسات وطنية عديدة دوراً بارزاً في تمكين ونهوض المرأة البحرينية كالاتحاد النسائي الذي أنشئ عام 2006، والمحكمة الدستورية عام 2002، ولجنة شؤون المرأة والطفل بمجلس الشورى والعديد من الجمعيات النسائية. واستهدفت الدراسة الوقوف على أثر الإصلاح السياسي على تمكين المرأة البحرينية في العقد الأول من عهد الملك حمد بن عيسى، فالمرأة تمثل نصف المجتمع، وتعد مشاركتها في شؤون الحياة بكافة الميادين، ضرورة منطقية، ومن هنا وُجب البحث في أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما آلت إليه من تطورات، فضلاً عن أن موضوع تمكين المرأة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصلاح السياسي، فلا يـُتصور حدوث إصلاح سياسي في مجتمع يتجاهل نصفه المحرك. كما تتمثل أهمية الدراسة بأن موضوع تمكين المرأة أصبح من الموضوعات بالغة الأهمية للمجتمعات عامة، وبالأخص منذ الربع الأخير للقرن العشرين، حيث زيادة بؤرة الاهتمام الدولي بحقوق المرأة من جهة، وبروز إصلاحات سياسية للمنطقة العربية من جهة أخرى رافقتها جدلية الاعتراف بها كونها متأتية من الخارج، أم وليدة قناعات داخلية؟. وفي سبيل ذلك حرصت الباحثة على القيام بمسح ميداني حول أثر الإصلاح السياسي على تمكين المرأة البحرينية في العقد الأول لعهد جلالة الملك، وذلك باختيار عينات من المؤسسات والقطاعات المختلفة بمملكة البحرين، وتم اختيارهم بالطريقة العشوائية الطبقية، تحرياً للمصداقية والحيادية، وذلك باستخدام وسيلة «الاستبانة»، التي تضمنت ما هو مجموعه 34 سؤالاً، وزعت على عينة تقدر بـ297 فرداً، 110 منهم ذكور بنسبة 37%، و187 إناثاً بنسبة 63%. وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج يمكن أن نوجز منها: * تبين النتائج أن 66.4% من الذكور حددوا مفهوم الإصلاح السياسي في الديمقراطية، و51.8% منهم حددوه في الحريات والحقوق الأساسية، ثم 49.1% في المساءلة والرقابة، وأخيراً 31.8% حددوه في استقلال القضاء. أما الإناث فإن 63.6% منهن حددن مفهوم الإصلاح السياسي في الديمقراطية، و52.2%حددته في الحريات والحقوق الأساسية، ثم 38.1% في المساءلة والرقابة، وأخيراً 23.9% في استقلال القضاء. * يرى جميع أفراد العينة سواءً الذكور أو الإناث أن أهم ملمح من ملامح الإصلاح السياسي في البحرين هو حرية الرأي والتعبير، يليه المشاركة السياسية، ثم دولة الرفاهية، وأخيراً تمكين المرأة، وهذه النتيجة تعني أن تمكين المرأة لم يأخذ حظه من الإصلاح السياسي حتى الآن كما ينبغي. * يرى 61.6% من الذكور أن أهم سبب للإصلاح السياسي في البحرين هو راجع لضرورة ديمقراطية، بينما يرى 20.2% منهم أن السبب يتمثل في الضغوط الخارجية، و15.2% منهم يرون أنه راجع للضغوط الداخلية. أما الإناث فإن 63.1% منهن يرين أن أهم سبب للإصلاح السياسي في البحرين هو راجع لضرورة ديمقراطية، بينما ترى 16.7% منهن أن السبب يتمثل في الضغوط الخارجية، و16.1% منهن ترى أنه راجع للضغوط الداخلية. * يختلف معنى تمكين المرأة عند الذكور عن الإناث، فبينما يرى الذكور من أفراد العينة أن تمكين المرأة يتمثل أساساً في مساواة المرأة بالرجل في فرص العمل، نجد أن المرأة ترى أنه يتمثل في تمكينها على مستوى الوظائف القيادية، في حين يأتي هذا المعنى من تمكين المرأة ومساواتها بالرجل في الوظائف القيادية في الترتيب الرابع من الأهمية عند الذكور، الأمر الذي يعني إنكار الرجال لأحقية المرأة من توليها الوظائف القيادية في المجتمع البحريني. كما نلاحظ أن المرأة ترى أن بناء قدراتها ومهاراتها الاقتصادية أهم من مشاركتها السياسية. * يوافق 57.9% من الذكور على تمكين المرأة، في مقابل 74.9% من الإناث اللاتي يؤيدن تمكين المرأة، وهذا الأمر متوقع في ما يتعلق بالموافقة على تمكين المرأة، حيث إنه من المتوقع أن ترتفع النسبة عند الإناث أكثر من الذكور. * يرى 43.1% من الذكور أن المرأة نالت مكانتها من خلال القناعة الداخلية، بينما نجد أن 40.0% من الإناث اللاتي يرين أن المرأة نالت مكانتها من خلال التمييز الإيجابي. * في ما يتعلق بمدى تماشي التشريعات البحرينية مع الاتفاقات الدولية ذات الصلة بالمرأة فيتضح أن نسبة تأييد الذكور تبلغ 77.5%، بينما تبلغ هذه النسبة لدى الإناث 70.7%. * في ما يختص بمدى إنصاف التشريعات البحرينية للمرأة، فتبلغ نسبة موافقة الذكور على ذلك 79.9%، وعند الإناث 71.2%. وهذا يوضح أن المرأة مازالت ترى أن التشريعات البحرينية لم تنصفها بدرجة كبيرة. * أما بالنسبة للموافقة على وجود تشريع موحد للأحوال الشخصية في مملكة البحرين فتبلغ نسبة موافقة الذكور على ذلك 68.2%، وعند الإناث 71.9%. وهذا يوضح أن المرأة تحتاج هذا التشريع بدرجة أعلى من الذكور. * يرى 34.0% من الذكور أنه يمكن للإصلاح السياسي أن يساعد على تمكين المرأة من خلال ضمان حقوق المواطنة الكاملة للنساء، و30.9% يرون أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال نهوض المرأة والتنمية الإنسانية، بينما في الإناث نجد أن 42.9% منهن يرين أنه يمكن للإصلاح السياسي أن يساعد على تمكين المرأة من خلال ضمان حقوق المواطنة الكاملة للنساء، و26.7% يرين أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال نهوض المرأة والتنمية الإنسانية. * هناك 78.0% من الذكور يعتقدون أن القيادة السياسية في البحرين جادة في تمكين المرأة البحرينية، في مقابل 72.8% من الإناث. * ترى الإناث أن مستقبل المرأة البحرينية في عهد جلالة الملك أفضل مما يراه الذكور، حيث ترى 52.0% منهن أن المستقبل ممتاز، في مقابل 41.9% من الذكور. * يرى الذكور أن أهم عقبة تعترض مسيرة تمكين المرأة البحرينية هي الفكر الطائفي، وترى الإناث أن أهم عقبة تعترض تمكينهن تتمثل في الثقافة الذكورية السائدة. * اتفق الذكور والإناث من أفراد العينة على أن أهم طريق لتخطي العقبات التي تواجه تمكين المرأة البحرينية هو سن المزيد من التشريعات والقوانين المساندة، كذلك تغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام وفي المناهج الدراسية. وفي ضوء النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ومن منطلق تصحيح ما يمكن تصحيحه رغبةً في إعلاء شأن المرأة البحرينية وإفساح المجال لها أكثر للمشاركة في تسيير الشؤون الخاصة والعامة للبلاد، فقد أظهرت الدراسة وجود إمكانات للحد من أوجه القصور والقيام بجملة من التدابير الوقائية العلاجية لتسويتها ومعالجة ما قد ينشأ في المستقبل، وذلك من خلال الأخذ ببعض التدابير ومنها: + عدم اجتزاء النصوص الشرعية، وتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها -في ما يتعلق بحقوق المرأة وواجباتها- وذلك من خلال مساندة ووقوف الخطاب الديني إلى جانب المرأة، وتغيير صورتها لدى أولئك المتشنجين إزاء قضية الاعتراف بأحقية المرأة ككائن منتج وفعال. + تعزيز صورة المساواة والتكامل بين الجنسين، والعمل على مختلف الأصعدة سواء التربية الأسرية أو التربية الرسمية أو وسائل الإعلام أو المضامين الدعائية لإزالة كل ما من شأنه الإيحاء بتفوق جنس على آخر. + الاهتمام وتسليط الضوء إعلامياً بالنساء اللواتي يشغلن مسؤوليات حكومية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية لإبراز أن النساء يستطعن ممارسة نشاطات عامة ممارسة مسؤوله. + إزالة جميع أشكال التمييز في المؤسسات والدوائر الحكومية، وذلك بمنح المرأة مزيداً من الأدوار القيادية، بهدف تكريس قيمة المرأة كفرد قادر على المساهمة في صنع القرار لدى الموظفين الجدد. + الاستمرار في تغيير الصورة النمطية للمرأة البحرينية من خلال المضامين المستخدمة في الخطاب الإعلامي وفي المناهج التربوية، والعمل على إعداد برامج تدريبية وتربوية في ما يتعلق بثقافة النوع وحقوق المرأة وتكافؤ الفرص. + أن تضع الحكومة ضمن أولوياتها إطلاع الجمهور على مجمل التدابير القانونية التي تكرس مبدأ المساواة بين الرجال والنساء وتضمن احترامه في المؤسسات الحكومية، كما يجدر بها -أي الحكومة- أن تنشر بصورة دورية بيانات عددية حول النساء في الوظائف العامة وفي المؤسسات والدوائر الحكومية. + مكافحة كل أشكال الطائفية في المجتمع البحريني، لأن ذلك من شأنه إبعاد المرأة عن بؤرة اهتمام اللاعبين الأساسيين للعملية السياسية في مملكة البحرين، بسبب تفرغهم لتصفية حسابات الآخر على حساب وضع المرأة ضمن أولوياتهم أو ضمن قوائمهم الانتخابية. الجدير بالذكر أن الخبير في الدراسات الاستراتيجية الدولية، وقضايا منطقة الخليج العربي، والمستشار السياسي بوزارة الخارجية المصرية السفير د.محمد نعمان جلال، وأستاذ العلوم السياسية وأمين عام منظمة المرأة العربية د.ودودة بدران، وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس د.خلف الميري أشرفوا على الرسالة التي أعدتها بثينة خليفة. وحضر المناقشة سفير البحرين لدى القاهرة الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة، والمستشار الثقافي بالسفارة د.فاطمة البوعينين، ورئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية السفير د.عمر الحسن، والمستشار القانوني مجدي متولي، وأكاديميو معهد البحوث والدراسات وباحثون وإعلاميون، ولفيف من كبار الشخصيات والمهتمين بواقع المرأة في منطقة الخليج العربي.