^ بقدر ما كان الجهاز الأمني العسكري - المخابراتي يستخدم كافة أشكال العنف والترهيب في سوريا أداة سياسية عادية من أدوات السيطرة على المجتمع السوري، أو حتى على الجوار اللبناني لعقود عديدة، بقدر ما تحول هذا الجهاز بضخامته وتشعباته وتداخل مصالحه إلى عائق حقيقي أمام حدوث أي تطور سياسي أو تحول ديمقراطي حقيقي، يستجيب لطموحات الشعب، فحجم المصالح المكدسة، وحجم الإخضاع للمجتمع عبر هذا الجهاز الضخم، وحجم التخويف طوال عقود من الزمن أصبح منبعاً للخوف في المجتمع الذي أصبح مخترقاً، كما أصبح مسيراً لمؤسسات الدولة بالخلايا الأمنية والمخبرين -على نمط حكم البعث في العراق في المرحلة السابقة- بحيث لا يستطيع أحد أن يعبّر عن رأي مخالف للسلطة -فما بالك بالخروج عليها في الداخل والخارج- دون أن يكون الثمن المدفوع ضخماً وبلا رحمة أو هوادة، يطول الشخص وأهله وأصدقاءه، مما يجعل البنية الاجتماعية السياسية مشتبكة مع البنية الأمنية المرتبطة بدورها على صعيد الإقليم بدوائر من الأفكار الجاهزة للتخوين، خاصة لأولئك الذين يختلفون مع النظام، فهم خونة وصهيونيون وعملاء وضد المقاومة وأعداء الممانعة..إلخ تلك القصة المحفوظة عن ظهر قلب. وفي هذا السياق فإن الأزمة السورية الحالية، بعد الثورة العارمة التي شهدها هذا القطر العربي، قد أدت لأول مرة إلى تهافت دور البنية الأمنية وتدهورها في التأثير على مجريات الحياة السياسية، فبالرغم من الظواهر فإن دور عنف الدولة وقوتها الغاشمة إلى زوال في الحياة السياسية، وإن بعد حين، فنحن عندما نتحدث عن عنف منفلت في سوريا فلأنه لم ينضبط يوماً بضوابط قانونية أو بأصول أخلاقية، فوق كونه مفرطاً مقارنة بالهدف المتصوّر من ممارسته، حيث بلغ مستويات مهولة، انحفرت في بنية النظام كاستعداد مستمر لتكرار الشيء ذاته أيّ وقت وبدون أي ضوابط، كدك مدن وأحياء وقرى بالكامل بما فيها وبمن فيها دون أي اعتبار لأي جانب أخلاقي أو إنساني، وهذا ما جعل حجم النقمة الداخلية تتزايد، وحجم الغضب الخارجي يتضاعف، وحجم الحرج بين أوساط حلفاء النظام القلائل أصلاً يتضخم.. وبالنسبة للذين فاجأهم حجم عنف النظام في سوريا فيحيلهم ببساطة إلى تاريخ تعامل النظام مع المعارضة السياسية العادية، ومع حرية الإعلام ومع من ثاروا عليه، فقد كان دائماً رد الفعل عنيفاً وغير متوازن وغير موازٍ لحجم الفعل، بل إنه كان الأعنف عربياً، فقد كان هنالك حجم غير مسبوق وغير معقول وغير محتمل من عنف الدولة ضد مواطنيها، كأنما العنف مخزون وجاهز دوماً للاستخدام بمجرد أن تستشعر السلطة أي خطر، صغيراً كان أو كبيراً، بما دعا بعض المحللين إلى القول بأن سوريا كانت دائماً تعيش حرباً أهلية باردة طوال عقود حكم عائلة الأسد، وأن المسألة السورية احتمال كامن في بنية النظام، يتحول إلى واقع محقق حين يواجهه تحدٍ من طرف المواطنين في المقابل، لم يكن الانفتاح الديمقراطي من بين احتمالات هذه البنية في أي يوم من الأيام، ولعل البنية الأمنية وعلوية مكانتها ودورها قد زاد من عمق هذا التوجه وأدخل النظام في حلقة مفرغة هي اليوم أساس بلائه لأنه لا يقوى على التقدم كما لا يقوى على التراجع في ذات الوقت، ولذلك يفضل التحصن بأدواته المضمونة والتي سبق لها تجربتها في فترات متعددة: العنف غير المحدود وغير المنضبط بأي قيم، والاستناد إلى حلفاء، مثل روسيا وإيران و«حزب الله”، واللجوء إلى التوتير الطائفي واستنفار الحساسيات الطائفية ومخاوف الأقليات، وهي ترسانة النظام القديمة الجديدة المتأصلة في بنيته، ولكنه لن تفيده هذه المرة ولن تنقضه أبداً، وليس أمامه إلا أن يجدد نفسه بأن يتجاوز نفسه وبنيته ويعيد اكتشاف الديمقراطية الحقيقية، ولكن من الواضح أن بنيته الحالية غير قابلة إلا إلى الانكسار. ^ همسة.. أشاد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالطريقة التي اتبعتها القيادة السورية في التعامل مع الانتفاضة التي بدأت قبل عام وقتل فيها أكثر من 9 آلاف من أبناء الشعب السوري الشقيق، معرباً أثناء محادثات مع فيصل المقداد مبعوث الأسد عن سعادته البالغة بتعامل المسؤولين السوريين مع الأوضاع في بلادهم، وأضاف نجاد -حسب وكالة “رويترز”- لوسائل إعلام إيرانية أن طهران ستبذل كل ما في وسعها لدعم أوثق حليف عربي لها.