دعا المشاركون في مؤتمر حوار الحضارات والثقافات، إلى تجديد الخطاب الثقافي الإسلامي وتطويره ليتواءم مع روح العصر، لافتين إلى أن التعايش ضرورة للأمن وغيابه يعني الفوضى.وقال المشاركون بختام أعمال مؤتمرهم في البحرين أمس، والمنعقد تحت رعاية صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، إن الحوار خارطة طريق تتوزع عليها مساحات الثقافة التعددية، لافتين إلى أن تحويل التنوع الفكري والثقافي إلى هويات تجزيئية ينطوي على أثر سلبي. وأكدوا أن بعض الأفكار الدينية تغيرت مع صعود الديمقراطية ونشوء مفهوم الدولة الحديثة، داعين إلى ممارسات تعددية تستوعب جميع من يعيشون داخل سياق جغرافي معين.وأضافوا أن القانون هو الأداة النهائية لضبط الحوار الحضاري بكافة مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، محذرين من أن تنميط العالم بعيداً عن مبادئ الحق والعدل يختزل الإنسان ويحوله لمجرد رقم حسابي.واعتبر المشاركون ثقافة التسامح ركيزة للإصلاح السياسي في أي مجتمع، عادين البحرين مجتمعاً تعددياً يتسم بدرجة عالية من التعايش السلمي بين مكوناته.ووصفوا ميثاق الأمم المتحدة ما بعد الحرب العالمية الثانية بـ«مثالية العجز القانوني».الحضارة أوسع وحدة ثقافيةوتناول قاضي القضاة لأردن وزير الأوقاف الأردني الأسبق د.أحمد هليل، مفهوم التنوع الثقافي والفكري وأهميته في قيام نهضة أي حضارة من حضارات الأمم، ودور هذا التنوع في إحداث ثورة علمية ثقافية تبني المجتمع وتحفظ أمنه وتحمي قيمه.وعد هليل الحضارة أوسع وحدة ثقافية للإنسان، وأعلى تجمع ثقافي وأوسع مستوى للهوية الثقافية للأمة.وتطرق في ورقته المعنونة «الأثر السلبي لتحويل التنوع الثقافي والفكري إلى هويات تجزيئية»، إلى مفهوم التنوع الثقافي والفكري، وعرفه بأنه «عبارة عن وجود ثقافات وأفكار مختلفة في العالم أو في مجتمع أو مؤسسة معينة، فهو قصة الإنسان في كل ما أنجزه على اختلاف العصور وتقلب الدهور».وأكد أن التنوع عامل مهم من عوامل قيام النهضة التي بها تُصنع الحضارات، لافتاً إلى أن التنوع يسهم في بناء المجتمع، ويحفظ الأمن، ويحمي القيم، ويسمو بالفكر ويطهر المعتقد، ويؤلف بين الناس.وحذر هليل من الأثر السلبي لتحويل التنوع الفكري والثقافي إلى هويات تجزيئية بمظاهر متعددة، مستعرضاً جملة من الآثار السلبية المترتبة على تفكيك المجتمع. ودعا إلى إيجاد التدابير والفرص الإيجابية الساعية إلى الوحدة والاتفاق بين المجتمعات، وبناء الإنسان وتصحيح مفاهيم خاطئة أصابت الثقافة الإسلامية الأصيلة، منبهاً إلى أهمية تجديد الخطاب الثقافي الإسلامي وتطويره بحيث يتواءم مع روح العصر ويحفظ الأصالة والهوية.ترأس الجلسة الثامنة د.سيد مهاجراني، وعقب عليها ممثل كنيسة أنطاكية للروم الأرثوذكس في موسكو المطران نيفن صيقلي. ضرورة التعايشمن جانبه، لفت النائب الشيخ جواد بوحسين في ورقته المعنونة «التعددية الحضارية وواجبات المواطنة»، إلى أن التسامح لا يعني انصهار المكونات المختلفة في المجتمع ضمن مكون واحد، وإنما يعني احترام خصوصية كل هوية فرعية في إطار الهوية الجامعة بقواسم مشتركة بين هذه المكونات المتعددة بما يحقق التعايش السلمي. وأكد أن التعايش السلمي ضرورة من ضرورات استقرار الأمن في أي مجتمع، مشدداً على أن غياب التعايش ينتج عنه سيادة الفوضى وغياب الاستقرار وانعدام الأمن، لافتاً إلى أن المجتمعات التعددية يجب أن تحرص على احترام الحقوق والحريات الدينية.وتحدث بوحسين عن التعددية الحضارية وواجبات المواطنة، وعن التراث الحضاري وخصائصه الأساسية، مشيراً إلى أن النظرية الإسلامية تسمح بالتعددية وتنظم التعايش مع الآخر.ودعا الفرد المسلم إلى أن يثقف فكره إسلامياً ويهذبه ويروضه على المفاهيم المنفتحة في الحياة، كي تكون نظرته إلى الحياة نظرة انفتاح وتعايش وتسامح، وأن يدرب نفسه على ثقافة التعايش السلمي. وأضاف أن «الأصل هو الحوار والتواصل، فينتج الحوار خارطة طريق تتوزع عليها مساحات الثقافة التعددية تقسمها حدود الثوابت إلى مناطق محايدة وأخرى مشتركة، وأخرى متقاطعة يفصل بينها برزخ احترام خصوصية الآخر ورموزه وثوابته الحضارية».وفي سياق متصل استعرض بوحسين صوراً من مسيرة التعايش السلمي واحترام الحريات في البحرين تمتد إلى قرون طويلة، منوهاً بدور جلالة الملك في تأكيد تلك القيمة وترسيخها. وعرض إحدى مقولات جلالته في هذا الشأن «إن جوهر التعايش في البحرين هو احتفاظ كل منا بدينه وهويته وخصوصياته كاملاً من غير نقصان، على أساس من الثقة والاحترام المتبادل بين الجميع، ومنبثقاً من رغبة أهالي البحرين في التعاون لخير الإنسانية، وتعميق التفاهم بين أهل الأديان والمذاهب وإشاعة القيم الإنسانية، وإقامة جسور التقارب الإنساني والحضاري والثقافي، كما نص الميثاق الوطني والدستور بعد توافق وطني مرت عليه عقود من الزمان». واختتم بوحسين ورقته بعرض موجز لدور البحرين إقليمياً ودولياً في مسيرة حوار الحضارات. رأس الجلسة التاسعة من المؤتمر مها بحمدون، وعقبت عليها الأخت جيانتي مدير جامعة براهما كوماريس الروحية العالمية في بريطانيا. تعددية تستوعب الجميعوقال باتريس برودور عضو مجلس إدارة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في فيينا، إن مفهومي «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» تطورا على مدى أكثر من 200 عام.وتحــــدث بـــرودور في ورقتـــه بعنـــــوان «الديمقراطية وحقوق الإنسان في ظل حضارات متعددة» عن الصراعات الفكرية والدينية التي خاضتها البشرية على مر التاريخ، داعياً إلى إعادة قراءة هذا التاريخ المعقد.ولفت إلى أن بعض الأفكار الدينية تغيرت بشكل جذري مع صعود الديمقراطية ونشوء المفهوم الحديث للدولة، إذ اعتمدت في معظمها شكلاً من أشكال «الأيديولوجية العلمانية» لإدارة التنوع العرقي والثقافي والديني.وشدد برودور على أنه حان الوقت للتحرك نحو ممارسات تعددية تستوعب جميع البشر الذين يعيشون داخل سياق جغرافي معين، آملاً تحقيق ذلك على المستوى العالمي أيضاً. وبين أنه ينبغي تجاوز الفهم الاختزالي لحقوق الإنسان أنها حقوق فردية فقط، مؤكداً أنها ضُمنت أبعاداً جماعية أيضاً. رأس الجلسة العاشرة مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام في الخليج العربي نجيب فريجـــي، وعقـــب عليهـــا القاضـــي محمــد عبدالسلام المستشار التشريعي والقانوني للإمام الأكبر شيخ الأزهر. تنميط العالموأكد أستاذ القانون الدولي العام بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف د.محمـــد عبدالصمــــد مهنـــا، أن «القانون هو الأداة النهائية لضبط الحوار الحضاري بكافة مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، لافتاً إلى أن «حقوق الإنسان هي معيار عالمي تتمحور حوله قواعد القانون على المستوى الدولي».ونبه مهنا في ورقته المعنونة «القانون ودوره في تنظيم العلاقة بين أتباع الحضارات والثقافات المتنوعة» إلى أن «حقوق الإنسان هي الإطار القانوني والأخلاقي للعلاقات بين الأمم في هذا العصر»، مؤكداً أن «محاولة توحيد العالم في شكل نمطي بعيداً عن المبادئ العليا للحق والعدل والسلام استناداً إلى قيم إنسانية قابلة للتغيير والتبديل بحسب الزمان والمكان، لا يعدو أن يكون اختزالاً للإنسان ليتحول إلى مجرد رقم حسابي فقد عناصر مساهمته في الناموس الكوني، وبالتالي قيمته كإنسان».وانتقد مهنا ميثاق الأمم المتحدة، واعتبره «مثالية العجز القانوني»، عازياً ذلك إلى أن «عاصفة التطلعات التي اجتاحت عالم بعد الحرب الثانية من أجل إعادة التوازن في العلاقات الدولية لا تجد في ميثاق 1945 عناصر قانونية يمكن الارتكاز عليها لتحقيق هذه التطلعات».وخلص إلى أن «القانون الدولي الحالي لا يخدم مصالح أقلية من الأغنياء على حساب الفقراء فحسب، بل هو أيضاً لا يبالي بالصالح المشترك لمجموع الإنسانية، بما أنه لا ينتج إلا التبذير والفوضى والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية وفساد البيئة والتوزيع غير العادل للثروات الطبيعية».واختتم مهنا ورقته معرباً عن أن «خطورة الأمر تكمن في أن ازدواج المعاملة في القانون الدولي لا يرجع إلى واقع السلوك الدولي الذي تحكمه الاعتبارات السياسية والمصالح الآنية للدول، وإنما إلى القواعد القانونية الدولية ذاتها، سواء من حيث غموض النصوص، أو تعارضها». رأس الجلسة الحادية عشرة القاضي خالد عجاج، وعقب عليها سوامي أجفنيش عضو مجلس إدارة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في فيينا. التسامح ركيزة للإصلاحونوهت عضو مجلس الشورى نانسي خضوري، بحرص جلالة الملك الدائم على تجسيد روح التسامح وحرية الأديان السائدة في البلاد، مؤكدة أن البحرين تعتبر مثالاً نموذجياً يعكس قناعة جلالته وإيمانه بضرورة حفظ التسامح باعتباره عنصر قوة داخل المجتمع، وأن ثقافة التسامح تعتبر ركيزة للإصلاح السياسي في أي مجتمع.وذكرت في ورقة العمل بعنوان «البحرين ومسيرة التسامح والتعايش الحضاري»، أن ميثاق العمل الوطني أكد أهمية التعايش السلمي واحترام الحريات الدينية والمكونات العقدية، وأقر ذلك دستور البحرين المعدل في 2002. وأكدت أن ما يميز البحرين باعتبارها مجتمعاً تعددياً أنها تتسم بدرجة عالية من التعايش السلمي، ما يعكس التسامح السائد بين مكونات المجتمع، وكفالة الحريات الدينية، لافتة إلى أن هذه التعددية والتعايش السلمي في البلاد يعود لقرون طويلة. وتحدثت خضوري عن بعض الشواهد التاريخية والحضارية على الروح البحرينية المسالمة، مستعرضة جملة من النصوص القانونية للحفاظ على هذه الثقافة وحمايتها وتعزيزها. واختتمت ورقتها بعرض الصورة الحضارية لأهل البحرين في تسامحهم وتعايشهم مع مختلف الأديان، ما جنبهم صراعات عانت منها كثير من الدول الأخرى.رأست الجلسة الثانية عشرة والأخيرة عضو اللجنة العليا للمؤتمر د.فوزية الصالح، وعقب عليها نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90