شهد الفصل التشريعي الأخير لمجلس النواب رئاسة جديدة للمجلس بعد فوز معالي أحمد الملا بمنصب الرئيس، وطوال فترة رئاسته خلال 4 سنوات استطاع أن يمارس صلاحياته الرئاسية باقتدار ولم نشهد تعليقاً لجلسات المجلس أو تراجعاً في قراراته أو صراعاً سياسياً مع الحكومة أو عرقلةً للوظائف التشريعية أو الرقابية، وهو ما نسميه في العرف البرلماني النجاح في إدارة الجلسات أو فن إدارة الجلسات، باعتبارها الوظيفة الرئيسة لرئيس مجلس النواب.
وعلى الرغم مما شهدته جلسات المجلس من مهاترات ومشادات بين أعضائه وتصاعد وتيرة الخلافات الشخصية وتأثيرها على سير العملية التشريعية، إلا أن رئاسة الجلسة استطاعت الاستمرار في ممارسة أدوارها بما يخدم استمرارية عمل الجلسات بالصورة التي تحقق الاستدامة للعمل البرلماني.
ومن زاوية أخرى فإن نجاح الرئاسة في ممارسة صلاحياتها الإدارية حسب ما يمنحه الدستور والتشريعات المنظمة من حقوق وواجبات، لا يجعلها في معزل عن مسؤولية الرئاسة في الإشراف العام على الأمانة العامة لمجلس النواب، وهي مسؤولية مشتركة تقع على رئاسة المجلس ورئاسة الأمانة العامة والمسؤولين فيها، فهل نجحت رئاسة النواب في إدارة الأمانة العامة لمجلس النواب بالصورة التي مكنت من نشر الثقافة البرلمانية وتعزيز المشاركة السياسية؟
عندما نتحدث عن النجاح في عمل الأمانة العامة باعتبارها الجهاز التنفيذي لمجلس النواب، فإننا نقصد قياس النجاح من خلال دراسة الأثر، فمجلس النواب والأمانة العامة نفذت العديد من المبادرات التي رصدناها خلال 4 سنوات مضت، وأبرزها إنشاء مركز التدريب البرلماني وفتح مكتب التواصل مع المواطنين وتطوير عمل لجنة التواصل المجتمعي وإصدار مجلة دراسات قانونية وما تبعه من الاهتمام بصقل مهارات منتسبي الأمانة العامة في مجالات الدراسات والأبحاث القانونية والتشريعية، فضلاً عما حققه مجلس النواب من الفوز بعضويات دولية في المحافل البرلمانية على المستويات الخليجية والعربية والآسيوية والدولية، وكلها جهود يمكن ملاحظتها.
إلا أننا لا يمكننا الجزم بنجاح عمل الأمانة العامة بدون النظر إلى تأثير هذه المبادرات ونجاحها في نشر الثقافة البرلمانية وتعزيز المشاركة السياسية لدى المواطنين والناخبين على حد السواء، فهل استطاعت هذه المبادرات وغيرها في إحداث التغيير الإيجابي وتعزيز الثقافة البرلمانية والمشاركة السياسية؟ وللإجابة على هذا السؤال علينا الخروج من مجلس النواب والرجوع إلى المجتمع البحريني ورصد آراء المواطنين تجاه مجلس النواب، لنجد أن المواطن تنقصه الثقة في مجلس النواب!
إن غياب ثقة المواطنين في مجلس النواب، معضلة تتحملها رئاسة النواب ورئاسة الأمانة العامة، وبكل تأكيد لا نستبعد تأثير الأعضاء "40 ممثلاً عن شعب البحرين" فهم جميعاً يؤثرون في قناعات المواطنين من خلال ما قدموه طوال 4 سنوات من تشريعات ورقابة على عمل الحكومة، فهذه جميعها حصيلة الأداء البرلماني الذي يجعل من المواطنين إما مؤيدين لمجلسهم المنتخب أو معارضين له.
فلا يمكن للأمانة العامة أن تكون مؤثرة إلا إذا نجحت في تطوير أدوارها بالصورة التي تحقق التأثير في توجهات المواطنين والناخبين، بحيث تؤثر في نشر الثقافة البرلمانية وتعزيز المشاركة السياسية، ونحن نؤكد على هذه الأدوار باعتبارها المؤشر الرئيس لقياس ثقة المواطنين في مجلس النواب، فمتى ما أصبح المواطن غير مهتم بالمشاركة السياسية فإن ذلك يعود لقناعاته المكتسبة من ضعف تأثير البرلمان في تحقيق تطلعاته، وهنا تكمن المشكلة التي يجب إيجاد الحلول لها.
وبطبيعة الحال فإن الكثير من المؤسسات والجهات يشتركون في نشر الثقافة البرلمانية وتعزيز المشاركة السياسية إلا أننا نؤكد على واجب الأمانة العامة في الاضطلاع بهذه المسؤولية الوطنية، عبر تعيين الكوادر البشرية القادرة على التعاطي الإيجابي مع كافة مكونات المجتمع البحريني، وتأهيلها بطريقة تخدم المشروع الإصلاحي والتجربة الانتخابية والمسيرة البرلمانية لمملكة البحرين، فعندما نلوم المسؤولين في الأمانة العامة بعدم الرد على استفساراتنا أو عدم تطوير مخرجات التقارير السنوية أو تكاسلها في التواصل الإيجابي مع مؤسسات المجتمع المدني، فإننا نسعى إلى ضمان تقديم تجربة برلمانية ناجحة لمملكة البحرين، ونحن نمارس دورنا أيضاً كمواطنين في الدفاع عن مكتسباتنا الحضارية والمطالبة بتقديم الأفضل والأكثر تأثيراً وليس الوقوف على أرقام وإحصائيات لا تشكل فارقاً في مستويات التأثير المطلوب.