لقد اجتاحت الثورة التقنية جميع مجالات الحياة، حتى أصبح الفرد لا يستغني عن التقنية في حياته اليومية، ولقد جعلت التكنولوجيا التعليم أكثر سهولة من أي وقت مضى، فمجرد امتلاك جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت يمنح إمكانية الوصول إلى كميات لا حصر لها من المعلومات ومصادر التعلم، ويمكن استخدام البرامج التعليمية عبر الإنترنت ومقاطع الفيديو والتطبيقات التعليمية، كما أصبح الطالب في الهند يأخذ دروساً خصوصية من شخص يقطن في الولايات المتحدة.

حتى إن المدارس والجامعات أصبحت تبني نفسها حول التكنولوجيا، يستخدم معظمهم بوابات عبر الإنترنت لمنح الطلاب الوصول إلى كل ما يحتاجونه، لقد اخترقت التقنية حتى الفصل الدراسي حيث تم استبدال السبورات بألواح ذكية ويتم نشر نتائج الطلاب عبر الإنترنت للآباء الذين لديهم تسجيل دخول آمن.

وأدركت البحرين أهمية مواكبة هذه التطورات المتسارعة عن طريق الارتقاء المستمر بنظام التعليم وفقاً للتطورات العلمية والتكنولوجية الجديدة، ومن هذا المنطلق أتى مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل في عام 2005، يهدف إلى تطوير الاستخدام الشامل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات "ICT" في التعليم في البحرين، بما في ذلك ربط جميع المدارس بشبكة الإنترنت، وإدخال مفهوم التعلم الإلكتروني.

وقد تم إطلاق البوابة التعليمية أيضاً بعد إطلاق البرنامج، والتي تقدم العديد من الخدمات التعليمية عبر الإنترنت لجميع طلاب المدارس، وتتيح التواصل بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب وأولياء الأمور.

تستخدم البوابة التعليمية أنواعاً مختلفة من البرمجيات لتسهيل التعلم، وتتضمن مجموعة متنوعة من المحتوى الرقمي، بما في ذلك الكتب المدرسية والكتب التفاعلية على الإنترنت، وقد أنشأت وزارة التربية والتعليم مختبرات افتراضية في المدارس تستخدم أنظمة محاكاة تساعد الطلاب على محاكاة مشاريع العلوم والرياضيات.

ومن أجل دعم تطوير استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم في جميع أنحاء العالم، أطلقت البحرين أيضاً جائزة اليونسكو - الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال التعليم، التي تشجع على تطوير الابتكارات والتكنولوجيات التي تدعم تطوير التعليم. كما قامت وزارة التربية والتعليم بعدد من المشاريع في مجال التمكين الرقمي في التعليم مثل بناء قدرات المعلمين وموظفي المدارس من خلال التقييم والرصد والدعم والتدريب، بما في ذلك التدريب عبر الإنترنت لأعضاء هيئة التدريس.

وستستمر الثورة التقنية في تغيير حياتنا، وعلى نظامنا التعليمي أن يستمر في مواكبة هذه التغييرات، حيث ستستحوذ هذه التقنيات على المزيد من الاهتمام في المستقبل، وسينفق الناس المزيد من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصالات والمعلومات، وهذا يعني أمرين:

أولاً، سيقضي الناس عموماً وقتاً أقل معاً في بيئة اجتماعية ملموسة، وسوف يعتمد التفاعل الاجتماعي على استخدام الشبكات الاجتماعية وغيرها من الأدوات المستقبلية التي تعتمد على الحلول التكنولوجية.

ثانياً، سيتعلم الناس المزيد عن العالم وغيره من خلال وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات، وستخلق وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات مصدراً جديداً بالكامل للتعلم من الأشخاص الآخرين الذين لديهم اهتمامات مشتركة. افتراضياً، ستزيد هذه الأدوات الاجتماعية الجديدة من فرص الإبداع، حيث يمكن للناس أن يتعاونوا مع آخرين في هذه الشبكات لبناء مشاريعهم الخاصة.

في ظل هذه التغييرات، أصبح اليوم دور المدرسة لا يقتصر فقط على توفير أساسيات المعرفة والمهارات، فالمدارس بحاجة إلى التأكد من أن جميع الطلاب يجيدون مهارات القراءة والرياضيات والعلوم، ولكن بنفس القدر من الأهمية، يجب على المدارس أن توفر للطلاب المهارات والسلوكيات التي يحتاجونها لاستخدام المعلومات والفرص المتاحة عبر هذه التقنيات.

سيحتاج الطلاب أيضاً إلى تطوير مهارات أفضل للتفاعل الاجتماعي في المنصات الافتراضية وجهاً لوجه. ويجب عليهم تعلم كيفية التعاون مع أشخاص مختلفين عنهم، وتعلم كيفية التعامل في الشبكات الاجتماعية المعقدة.

ما سيحتاجه معظم الطلاب في المستقبل هو مهارة حل المشكلات بالتعاون مع أشخاص آخرين. ومن غير المحتمل أن يتعلموا هذا في أي مكان آخر غير المدرسة، وسيصبح هذا من الوظائف الأساسية للمدارس في المستقبل: تعلم التواصل والتعاون، وحل المشكلات بإبداع.

* محلل في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات"