القى معالي الشيخ خالد بن احمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية في الجلسة العامة الأولى لمنتدى حوار المنامة العاشر كلمة تحت عنوان الاولويات الاستراتيجية في الشرق الأوسط :
أصحاب المعالي والسعادة،
الضيوف الكرام،
أنه لمن دواعي سروري أن أنضم الى أصدقائي وزملائي و أصحاب السعادة السيد سامح شكري والسيد فيليب هاموند في هذه الجلسة العامة.
نحتفل هذا العام بالذكرى السنوية العاشرة لحوار المنامة وهو دليل على مكانة المنتدى بوصفه الحدث الأمني الأهم في الشرق الأوسط وهو إنجاز لم يكن ممكنا من دون دعم والتزام أصدقائي الأعزاء الدكتور جون شيبمان، المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والأستاذ رئيس المعهد البروفيسور فرانسوا هايسبورغ؛ وبقية أعضاء المعهد..
لا انوي في هذا الصباح ذكر جميع المشاكل التي نواجهها في المنطقة ولن اسعى الى محاولة تقديم الحلول لجميع مشاكل المنطقة و بدلا من ذلك سأتحدث عن اثنين من التحديات التي أعتقد انها تستحق أكبر قدر من الاهتمام حالياً والأولويات الإقليمية بهذا الشأن.
(الإرهاب)
في العام السابق تطورت الجماعات الإرهابية التي كانت سابقاً كيانات عابره للحدود وخلايا منتشرة في اماكن مختلفة حتى غدت اليوم منظمات تتحكم في مساحات شاسعة وموارد مالية ضخمة بالإضافة الى امتلاكها للأسلحة المتطورة.
ومع ذلك فالجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وداعش ليست التهديد الإرهابي الوحيد الذي نواجهه ، فهناك الإرهاب الذي ترعاه الدول وخير مثال على هذا هو حزب الله التي تعتبر منظمة إرهابية تتلقى دعما كبيرا من بعض الدول وتوسعت في الآونة الأخيرة حتى وصلت إلى سوريا.
مثال آخر هو خلق ايران لما يمكن وصفه بأنه جيش مساوي في حجمه تقريبا الى جيش النظام السوري.
يجب ألا ننسى أيضا أن الدول نفسها قد تشارك بصورة مباشرة في الأنشطة الإرهابية ونرى هذا بشكل أكثر وضوحا مع التفجير الرهيب للبراميل الذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء.
ونظرا لانتشار هذه الجماعات فإننا ندرك أنه لا توجد حلول سهلة ونعرف أن الأمر سيستغرق سنوات عده لتحقيق النتائج المرجوة ولكن ليس لدينا أي خيار سوى مواجهة هذه المشكلة بأفضل ما بوسعنا.
وندرك جميعنا أن العمل العسكري لا يمكن أن يكون خط الكفاح الوحيد في وجه هذه الجماعات، فبنفس القدر من الأهمية وهي مسألة قطع شريان الحياة المالي الذي يسمح لهذه الجماعات الاستفادة من التوسع المادي من خلال بيع النفط في الأسواق السوداء والابتزاز ونهب القطع الأثرية التاريخية وفرض الضرائب الثقيلة ولذلك استضافت البحرين اجتماعا للخبراء من أكثر من 30 بلدا بتاريخ 9 نوفمبر لوضع خطة عمل لمكافحة تمويل الإرهاب وأصدر الاجتماع إعلان المنامة حول مكافحة تمويل الإرهاب الذي قدم مخططا للاستجابة الفاعلة لمنع تمويل الإرهاب.
لكن هذا لا يعالج الجانب الأكثر أهمية في المعركة، فالجماعات الإرهابية التي ذكرتها تعتمد على رجال الدين الذين يشوهون الدين لتبرير جرائمهم ولذلك فالواجب تدمير الإيديولوجية التي تعتمد عليها تلك الجماعات في نهجها والقضاء على قدرتها على جذب شبابنا وهو التحدي الأساسي الذي نواجهه.
من المهم أن ندرك أن النجاح في هذا الأمر لن يتم إلا من قبل دول المنطقة فالعلماء والمفكرين في منطقتنا لديهم الشرعية والنفوذ اللازم في نظر شعوبنا لنزع الشرعية عن رجال الدين المتطرفين وإيقاف التشويهات الخطيرة التي ينسبونها الى ديننا الاسلامي الحنيف.
نحن بحاجة إلى معالجة المشكلة الأيديولوجية بثلاث طرق.
الأولى هي نزع التطرف: لا توجد أبدا ذريعة للسماح للأفكار المتطرفة والعنيفة بالتكاثر ، نحن بحاجة إلى مواجهة التطرف في كل منعطف ومشكلتنا تكمن في اننا لا نبدي نفس الحماس في نشر الحقيقة ومواجهة التطرف كما هو حال المتطرفين في نشر الأكاذيب الخاصة بهم وهذا الأمر بحاجة الى تغيير جذري في نظرتنا للأمور وتفاعلنا مع الاحداث.
والثانية هي مكافحة التقسيم الطائفي في الشرق الأوسط، فنحن نشهد توجه مثير للقلق حيث يجري تقسيم الأحياء والمدن حرفيا على أساس خطوط طائفية وعلينا أن نسعى لوضع حد لهذا التطور من خلال تعزيز التعايش بين مختلف الطوائف والأديان داخل البلدان محليا وإقليميا ووطنيا.
والثالثة هي التعليم فيجب ان نتأكد من أن انظمة التعليم لدينا خالية من الأفكار التي قد تعزز التعصب تجاه الطوائف الأخرى والجماعات الدينية كما نحن بحاجة إلى انظمة تعليمية تشجع التفكير النقدي والقيم الإسلامية الحقيقية وبحاجة إلى المفكرين الذين من شأنهم أن يعيدوا ترسيخ التراث الإسلامي الحنيف الذي أسس التقدم السياسي والاجتماعي والعلمي وساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في بناء الحضارات الكبرى في جميع أنحاء العالم ، اننا بحاجة إلى إحياء هذا التراث واستخدامه مرة أخرى لبناء مستقبلنا.
(انعدام الثقة بين الجهات الإقليمية الفاعلة)
ويتمثل التحدي الرئيسي الآخر الذي نواجهه كدول في المنطقة في أزمة عدم الثقة القائمة بين الجهات والإقليمية الفاعلة وانعدام الثقة كان في كثير من الأحيان بمثابة حاجز أمام التعاون الهادف وعائق في وجه تبادل المنفعة ما يخالف الحس السليم في التعامل في منطقتنا وهناك عدة أسباب لانعدام الثقة، من أهمها هو أن بعض دول المنطقة لديها طموحات للهيمنة على المنطقة بأكملها أو أكبر مساحة ممكنة منها وتسعى الى التعاون مع الدول الأخرى عندما يساعدها ذلك في تحقيق أهدافها المتعلقة بالهيمنة وهذا بدوره يؤدي إلى انعدام الثقة وعدم التعاون ومنع تبادل المعلومات بين دول المنطقة ومن ثم خلق فراغ معلوماتي يؤدي حتما إلى انتشار المعلومات الخاطئة ويكرس انعدام الثقة.
ونظرا لهذه التحديات، ما هي الأولويات الإقليمية الرئيسية؟
الأولوية الإقليمية الأكثر إلحاحا في رأيي هي أن دول المنطقة يجب ان تتخذ دوراً قياديا في ضمان الأمن الإقليمي، فقد حان الوقت لنعترف بأن الامن الاقليمي لن يحقق الا على يد بلدان هذه المنطقة وبالشراكة مع حلفائنا الدوليين.
و احد الأسباب الرئيسية التي تدفعني لهذا القول هو أن إطار أمني إقليمي تتمحور حول قيادة دول المنطقة يوفر الخيار الأفضل لبنية أمنية دائمة ومستدامة.
فمن حين الى آخر، يسمع المرء أسئلة أو تذمرا بشأن التزام دولة كبرى أو غيرها بأمن منطقة الشرق الأوسط كما لو أن أمن المنطقة يتوقف على ضمانة من هذه القوة العظمى أو تلك.
هذا النوع من التكهنات غالبا ما يؤدي إلى آثار سلبية على الحسابات الإقليمية والمؤشرات الاقتصادية كالذي يحدث من عدم استقرار لأسعار النفط، ومع ذلك فإن الواقع هو أن الأمن الإقليمي يعتمد في المقام الأول على دول المنطقة نفسها وقراراتهم بشأن التعاون والصراع مع بعضهم البعض. لقد حان الوقت ان تعكس بنيتنا الأمنية الإقليمية هذا الواقع.
وعلاوة على ذلك فإن اتخاذ الدول الإقليمية دورا قياديا في العمليات الأمنية سيشجع الدول على العمل من أجل هدف مشترك بغض النظر عن أي اختلافات قد تكون لديها مع بعضها البعض. ونحن نرى هذا بوضوح في دول مجلس التعاون الخليجي.
نعم.. تنشأ الخلافات من وقت لآخر ولكننا لم نسمح لتلك الخلافات بالتداخل مع الهدف الاستراتيجي للتعاون من أجل الأمن المشترك. وبالإضافة إلى ذلك فمن خلال التعاون مع بعضها البعض فان دول المنطقة تحصل على فرصة معرفة المزيد عن بعضها البعض وعن قدرات ونوايا بعضها البعض ، ما من شأنه ان يقلل من فرص حدوث سوء الفهم وعدم الثقة بين الجيران.
إذا كيف نتصرف من اجل تحقيق ما نطمح اليه؟
نحن بحاجة إلى زيادة مشاركة الدولة الإقليمية في الجهود الدولية وخير مثال على ذلك هو التحالف الحالي ضد داعش و اوضحت دول الخليج قدراتها في هذا الصدد وما تزال تتعلم بناء مسؤوليات جديدة كل يوم. هذا النوع من الخبرة يعتبر أمر حاسم لتطوير القدرات التشغيلية لدينا وأعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي قد اثبتت نفسها بأوضح العبارات باعتبارها دعامة أساسية للأمن الإقليمي.
وعلاوة على ذلك، فالمشاركة الإقليمية في المهمات الأمنية وعمليات حفظ السلام الدولية يجب ألا تقتصر على الشرق الأوسط ولكن ينبغي أيضا أن تشمل تقاسم العبء مع شركائنا الدوليين في مناطق أخرى من العالم حسب ما تقتضيه الضرورة.
وأود أن أغتنم هذه الفرصة للتأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار في مصر، فمصر كانت دائما ركنا اساسيا و ركيزة لا غنى عنها بالنسبة للأمن الإقليمي ويجب أن نتحد معا لدعم حكومة قوية يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا الوقت الحاسم.
الآن عندما أقول دول المنطقة هل أعني بذلك جميع دول المنطقة؟
نعم.
لماذا يعتبر من غير المعقول أن تتعاون كل دول المنطقة بما فيها إيران لضمان المنفعة المشتركة للجميع؟ في الواقع يجب أن يكون هذا هدف على المدى الطويل لكل بلد إقليمي بالرغم من الخلافات الجدية الحالية.
لقد قلت دائما أنه من المؤسف أنه لا توجد سفن ايرانية إلى جانب البحرين والسعودية والإمارات وبريطانيا وأمريكا ودول اخرى في مياه الخليج كي تساعد بقية جيرانها والمجتمع الدولي في تأمين هذا الممر المائي الاستراتيجي والحيوي وهو ما يعود بالفائدة علينا جميعا. وتلقت هذه الجهود دفعة كبيرة يوم أمس حيث قامت مملكة البحرين والمملكة المتحدة بانهاء تطوير منشأة تقدم تسهيلات عسكرية للبحرية الملكية البريطانية في قاعدة قوة دفاع البحرين والذي يسمح لمزيد من التعاون بين المملكة المتحدة والقوات البحرية الإقليمية. في الواقع فإنه لا يمكن وجود اطار أمني إقليمي من دون تعاون الجميع.
ومع ذلك، لا تزال هناك خلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وهي لا تقتصر على الملف النووي فقط فهنا خلافات خطيرة بشأن التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية للدول الإقليمية وما زلنا نسمع البيانات الصادرة من ايران بمزاعم السيطرة على هذه العاصمة أو تلك أو ادعاء إحياء الثورة في بلد أو آخر. ان اي بنية أمنية إقليمية تضم جميع دول المنطقة لن تنجح أبدا ما دامت ايران تتبع نهجها الحالي.
وبدلا من ذلك ينبغي على الدول التي على استعداد وقدرة على الاضطلاع بدور قيادي في جهود الأمن الإقليمي أن تقوم بذلك مع العمل على حل الخلافات الإقليمية وضم جميع الدول في إطار الأمن الإقليمي.
الأولوية الإقليمية الأخرى هي التعامل مع ما أسميه أزمة الهوية في المنطقة. خلال ما يقرب من مائة سنة وشعوب الشرق الأوسط لم تصل بعد الى تفاهم على ما يجب أن يكون عليه مستقبل المنطقة والأفكار التي ينبغي أن نستفيد منها لنبني مجتمعاتنا.
لقد رأينا الأيديولوجيات ترتفع لتصل الى الهيمنة إلا أنها فقدت مصداقيتها وتلاشت سواء تلك التي نادت بالقومية العربية أو الإسلام السياسي وانحسار وتدفق هذه الأيديولوجيات هو من أعراض منطقة لا تزال في حالة تغير مستمر وهي المنطقة التي بدأت تتوصل الى تفاهم مع واقع فرض عليها قبل مائة عام.
ولهذا اثر مباشر على الأمن الإقليمي لأنه يخلق مساحة لظهور الايدولوجيا المتطرفة والجماعات العنيفة. وأسفر أيضا عن الانقسام الطائفي المتزايد في المنطقة فبينما كان افراد شعوب المنطقه يناضلون من اجل اعادة المنطقة لإعادة التعريف بهوياتهم بينما قامت الجهات الحكومية وغير الحكومية بترويج وتعزيز رؤية طائفية مضلله على نحو متزايد وعلى الناس قبولها طوعا او كراهية .
أنا لن اقترح الحلول لهذه المشكلة اليوم فهذه مشكلة تتناقلها الأجيال ولكن سأقول فقط ان أبناء وبنات الشرق الأوسط يمكنهم حل هذه المشكلة من خلال التعليم والتفكر والحوار يمكن لمنطقتنا استعادة التوازن وإيجاد طريقها إلى الازدهار.
أصحاب المعالي والسعادة،
الضيوف الكرام،
المشاكل التي نشأت في العام الماضي لن تختفي في وقت قريب ، فهي متجذرة في التاريخ الحديث والفريد من نوعه الخاص بهذه المنطقة. ما إذا كان صعود داعش أو الاضطرابات في سوريا والعراق واليمن هي التي سمحت لداعش والجماعات الإرهابية الأخرى بالظهور فإن الطائفية والتطرف والمنافسة بين دول المنطقة هي خطوط تعريفية واضحة ولذلك فإننا سوف نحتاج إلى التفكير في حلول طويلة الأمد للتعامل مع عواقب هذه المشاكل على المدى القصير.
ومع ذلك فقد كشفت هذه المشاكل أيضا أننا في المنطقة قادرون وعلى استعداد لتولي السيطرة على زمام أمننا الإقليمي الخاص بنا وذلك في شراكة مع أصدقائنا بالمجتمع الدولي.
ونأمل أن تشهد السنوات المقبلة المزيد من التعاون من قبل الدول الإقليمية ومزيدا من الشعور المتجدد بالمسؤولية لنتحمل نصيبنا من العبء ونساهم بشكل فعال في الأمن الإقليمي والدولي.