فادي الشيخ

قد يجهل البعض ماهية السياحة العقارية ومدى تأثيرها على اقتصاد الدول ونمائها. فبادئ ذي بدء لابد من تعريفها: هي توجّه السائح لشراء عقار خارج موطنه والاستثمار به بعدة طرق، إما من خلال تأجيره خلال السنة، أو الانتفاع به بقضاء عدة أيام أو أشهر فيه بدلاً من اللجوء إلى فنادق أو شقق مفروشة للتسوح، أو استثماره تجارياً.

السياحة العقارية ماتزال للأسف غائبة عن الساحة البحرينية وخارج حسابات المملكة حتى اللحظة، فلم نسمع قط هذا المصطلح متداولاً في القطاع العقاري، الذي لطالما كان أحد المحركات النشطة للاقتصاد الوطني، وله أكبر البصمات في دفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام.



بزغ فجر السياحة العقارية في بادئ الأمر على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ومن ثم انتقل إلى دول أوروبا الغنية بحضاراتها التاريخية ومدنها السياحية الأشهر على مستوى العالم، ومن المحزن أن نرى بأن من جعل قارتي أمريكا الجنوبية وأوروبا تنتعشان سياحياً وعقارياً هم سواح الخليج والعرب، الذين ضخوا أموالهم ومدخراتهم لاقتناء العقارات هناك، ولتنتقل هذه الموجة مؤخراً إلى تركيا التي تحولت إلى قبلة السياحة العقارية الأبرز لعشرات الآلاف من السواح الخليجيين والعرب والأجانب على السواء.

تجارب كل من دبي وتركيا وسنغافورة والصين تقف في الوقت الراهن خير برهان على مدى نجاعة السياحة العقارية في انتشال أي اقتصاد من كبوته وتحقيق توازن مربح في معادلة العرض والطلب في مشاريع التطوير العقاري السكنية والتجارية، حيث تلجأ شركات التطوير العقاري إلى التعاون مع مكاتب سياحة وسفريات لتنظيم جولات وزيارات لمجموعات من السواح الراغبين بشراء عقارات، يتم خلالها إطلاعهم على أبرز المشاريع العقارية وانواعها وتفقدها بأنفسهم، يتخللها برامج سياحية جاذبة تجعلهم يرغبون في البقاء فترة أطول لمشاهدة أبرز المقومات السياحية والعقارية في أي دولة.

يتم احتساب تكاليف الرحلات السياحية للمشاريع العقارية في بادئ الأمر على نفقة السواح المهتمين باقتناء العقارات، وإذا تم الاتفاق على شراء العقار، فإن تكاليف الجولة السياحية يتم خصمها من إجمالي قيمة العقار الذي تم شراؤه.

مثل هذه الأفكار لم نسمع عنها قط في البحرين، رغم ما تزخر به المملكة من مشاريع ومدن عقارية واعدة على غرار ديار المحرق ومراسي البحرين وخليج البحرين.

ودون أدنى شك تمتاز المملكة بطقسها الصيفي وأجوائها الحارة على مدار العام، مما يجعلها الخيار الأمثل للسواح الأوروبيين الذين يتوقون لأي أجواء مشمسة وممن يرغبون بشراء مصايف لهم في موسم الشتاء.

دبي كعادتها تملك الريادة الإقليمية في السياحة العقارية وما تقدمه للعالم من مفاجآت سنوية بمشاريعها النوعية ومتنزهاتها ومهرجاناتها، مدعومة ببنية تحتية تلبي احتياجات كل تطوير عقاري، بتسهيلات ومرافق قريبة من موقع المشروع ومرتبطة بأحدث شبكات مواصلات ووسائل نقل عام متطورة.

تركيا سحبت البساط من أوروبا مؤخراً في السياحة العقارية، بفضل رخص قيمة العقارات وامتلاكها لأفضل المقومات السياحية وتميزها بكافة أنواع السياحة العلاجية والتاريخية والطبيعية، إضافة إلى امتلاكها لمدن ومناطق مخصّصة لاستثمار السواح الأجانب على غرار "بومونتي شيلشي"، "آتا شهير"، "إكسبرس إسطنبول" و"بهجيشهر".

سنغافورة مثال حي آخر على تميّزها في السياحة العقارية لتصبح مارداً اقتصادياً آسيوياً، جاذبةً أكثر من 10 ملايين زائر سنوياً، فما إن تطأ قدمك مطار "شانغي" حتى تدرك مدى تقدم هذه الدولة ورغبتك في العيش فيها بفضل مقومات الدولة الحديثة وتحفيز القطاع العام للتنمية الاقتصادية وتهيئة البيئة الأمثل للابتكار والإبداع، جاعلًا القطاع الخاص صاحب الريادة في كافة نواحي الحياة وبالأخص التطوير العقاري، وإقامة أبرز المنتجعات وأماكن الجذب السياحي على مستوى العالم.

الصين.. تنين آسيا يسعى على الدوام للتغريد خارج السرب في السياحة العقارية، ولعل أبرز مثال على ذلك تجربة مدينة تشنغدو وجهود التسويق اللافتة لهيئة السياحة هناك التي جعلت السواح يتوقون إلى زيارتها أكثر من مرة، حتى أصبح الكثيرون يلقبونها بـ "عاصمة الرفاهية" في الصين لما تملكه من مقومات سياحية وحضارية واقتصادية تجعلها جاذبة لمشاريع التطوير العقاري وتوفير أرقى نماذج الحياة.

توأمة التطوير العقاري بالسياحة يجب أن تكون الآن أولوية قصوى في برنامج عمل الجهات ذات العلاقة في المملكة، تترجمها شراكة أكثر متانة بين القطاعين الحكومي والخاص لجعل مملكة البحرين وجهة تفضيلية في السياحة العقارية. مجلس التنمية الاقتصادية وهيئة البحرين للسياحة والمعارض والكيانات العقارية الأبرز في المملكة مطالبة بالجلوس معاً لبلورة أفكار نيّرة، تقود إلى جعل السياحة العقارية عنصراً حيوياً في الانتعاش الاقتصادي، مع إمكانية الاستفادة من تجارب من سبقنا إقليمياً وعالمياً.