أكد الأكاديمي في القانون الدستوري والعلوم السياسية المستشار محمد بن أحمد آل بن علي أن اشتراط المؤهل الجامعي للنواب يهدف إلى انتقاء أفضل عناصر الأمة وأكفأها للقيام بمهمة التمثيل النيابي، وأوضح أن فشل تطور الديمقراطية في الوطن العربي يرجع إلى عمومية الاقتراع العام، مشيراً إلى أن التجربة العربية أفرزت ظاهرة شراء الأصوات وسهولة إيقاع الناخب الأميّ في شراك النزعات السياسية المتطرّفة. وقال المستشار إن دساتير الدول الديمقراطية العريقة لم يكن لها أن تتطور وتنمو وتصل إلى ما هي عليه في العصر الحديث إلا على أساس الأخذ بمبدأ حق المشاركة السياسية المقيدة، أي على أساس الاقتراع المقيد لهيئة الناخبين وأولهم المرشحون لعضوية المجالس النيابية. وبيّن أن قيد النصاب المالي كان المرحلة الأُولى لذلك التطور وقيد الكفاءة العلمية المرحلة الثانية وعمومية الاقتراع المرحلة الثالثة من مراحل التطور لمبدأ حق المشاركة في الحياة السياسية وتطور وتنمية النظم الديمقراطية في تلك الدول، ويعتبر قيد النصاب المالي، والكفاءة العلمية من سمات النظم الدستورية في العهد الماضي للدول الديمقراطية العريقة، وتمثل دساتير الثورة الفرنسية النموذج الواضح لمبدأ تقيد حق المشاركة السياسية منذ صدور دستورها عام 1971، إذ وضعت قيد النصاب المالي شرطاً للقيد في جدول الناخبين، وكذلك أخذت الأنظمة الدستورية الأوروبية الأخرى بقيد النصاب المالي كإنجلترا وسويسرا وإسبانيا والسويد والدنمارك. وقال المستشار إنه حتى عهد قريب طبقت أمريكا في بعض ولايات الجنوب قيد النصاب المالي كشرط لممارسة حق المشاركة السياسية بموجب قانون الانتخاب الصادر عام 1965، ومن الدول الآسيوية اليابان حتى 1928، وفي أفريقيا حتى وقت قريب كانت روديسيا، ومن الدول العربية مصر في دستور 1930. وأوضح أن من أهم مبررات اشتراط قيد النصاب المالي آنذاك هو أن الناخبين أصحاب النصاب المالي لديهم اهتمام أكثر في تحقيق مصالح قضايا الشأن العام، وأن هذا القيد يمنع شراء الأصوات حيث إن الناخب والمرشح متساويان في المراكز المالية وبالتالي يكون التصويت موضوعياً ويرتبط الاختيار بمعايير كيفية لا بالإغداقات المالية. وأشار المستشار إلى أن الدول الديمقراطية الناشئة أو الحديثة يجب أن تلائم أوضاعها السياسية في ممارسة حق المشاركة في الحياة السياسية مع أوضاعها الثقافية والسياسية والدينية والعقائدية... إلخ حتى تستطيع أن تضع نظاماً ديمقراطياً قادراً على النمو والتطور وتحقيق الاستقرار السياسي، وذلك من خلال تحديد إطار هيئة الناخبين ضيقاً أو اتساعاً حسب ظروف كل دولة لحصر هيئة الناخبين في مجموعة أفراد على كفاءة ومعرفة تأهلهم الوقوف على المصلحة العامة وعلى النزعات السياسية لرجالات الأحزاب والجمعيات وانتماءاتهم الوطنية. وأرجع آل بن علي فشل تطور الأنظمة الديمقراطية في الوطن العربي وعدم تطورها وتقدمها إلى صفوف الدول الديمقراطية المتقدمة إلى عمومية الاقتراع العام في حق المشاركة السياسية مما أفرز ظاهرة شراء الأصوات وسهولة إيقاع الناخب الأمي أو قليل التعليم في شراك نزعاتهم المتطرفة من خلال خداعهم بالشعارات والدعايات الانتخابية، وكذلك الدور الكبير للمؤثرات السياسية ذات الأبعاد الدينية والعقائدية والعرقية على صناديق الانتخابات ووصول ممثلين عنهم غير أكفاء في إدارة المصالح العليا وقضايا الشأن العام وأصحاب نزعات سياسية غير ديمقراطية أو ذات ولاءات خارجية وجعل وضع الحياة السياسية غير مستقر. وقال الخبير الدستوري إن الأفكار والمبادئ الفلسفية للأنظمة الديمقراطية التي استنسخت دساتيرها في إقرار عمومية الاقتراع العام دون قراءة تاريخية وفلسفية لتطورها، تعادل أو تزيد على أوضاع الوطن العربي اليوم ونص دساتيرها على تقيد ممارسة حق المشاركة في الحياة السياسية لضمان تطورها واستقرارها السياسي. وحول أهم ما طرحه النواب الرافضون للمؤهل الجامعي من آراء، أوضح المستشار أن فيه إخلالاً بمبدأ المساواة وقفزة على أسس الديمقراطيات العريقة وأن فيه تقييداً لحرية الناخب والمرشح، وقال المستشار، مع احترامه لتلك الآراء، ليس هناك إخلال بمبدأ المساواة فهيئة الناخبين التي يحق لها ممارسة حق المشاركة في الحياة السياسية تتكون من فئتين: فئة الناخبين، وفئة المرشحين، ولكل فئة شروط وقيود تختلف عن الأخرى فليس لكل مواطن حق الانتخاب أو حق الترشيح إلا بتوافر الشروط الخاصة فيه سواء كانت دستورية أو قانونية، ومبدأ المساواة هنا متوافر على أساس التقسيم السياسي للمشاركة في الحياة السياسية بين من يصلح ناخباً ومن يصلح مرشحاً لا على أساس المواطنة، فالناخب والمرشح مواطنان وإنما على أساس النضج والثقافة المفترضة في اختلاف شرط السن عن المرشح والناخب إلى جانب القراءة والكتابة للمرشح وهو افتراض غير منطقي للتميز في تحمل المسؤولية النيابية في وقتنا الحاضر، إلا أنه لا يعد إخلالاً بمبدأ المساواة وبالتالي من الأولى أن نقبل اشتراط المؤهل الجامعي لفئة المرشحين كمسألة سياسية تنظيمه تهدف إلى انتقاء أفضل عناصر الأمة وأكفأها للقيام بمهمة التمثيل النيابي الذي يخدم المصالح العامة على سند الدليل لا الافتراض للنضج والثقافة في النائب. وذكر أن شرط القراءة والكتابة لفئة المرشحين أو الشهادة الثانوية فيه إخلال بمبدأ المساواة، فالحياة النيابية مهنة من أكبر وظائف الدولة ومن يشغلها يفصل في أهم المسائل التي تتعلق بمصير البلاد ومستقبله في حين أن حياة المواطنين في المسائل الفنية والعملية كالمحاماة أو الطب أو الهندسة والوظائف القضائية والتدريس تشترط المؤهل الجامعي وهي مهن لا تقرر مصير البلاد السياسي ولا ترتقي مسؤولياتها مع مسؤولية النائب.. وهنا الإخلال الواضح لمبدأ المساواة والتمييز في تحمل المسؤوليات الوطنية لخدمة المصلحة العامة. فالنائب وأصحاب المهن الحرة والموظف العام جميعهم في خدمة الوطن والنائب الذي يجيد القراءة والكتابة يرسم السياسية التشريعية ويمارس الرقابة السياسية على الحياة العامة للأفراد، وهذا أمر يرفضه المنطق ولا يؤيده محب الديمقراطية الحقة... الجانب الثالث أن اشتراط الحد الأدنى لثقافة والمعرفة للنائب يوسع مظهر الاعتداء على مبدأ المساواة داخل ممارسة الحياة النيابية نفسها وتحت قبة البرلمان، فشخصية النواب تتفاوت من واحد لآخر في الكفاءة العلمية ومحل تباين بسبب الحد للثقافة، فهناك نائب شبه أمي وآخر جامعي، وهذا في حد ذاته إخلال بمبدأ المساواة في شغل المهمة النيابية التي تتطلب تكافئ الثقافة والمعرفة لتقرير مصير الشعب. والقول إن اشتراط المؤهل الجامعي قفزة على أسس الديمقراطية مردود عليه، فهو ليس شرطاً للناخب وإنما للنائب وهو شرط تفرضه أملاءات الديمقراطيات التقدمية خاصة العريقة قبل الناشئة، والدول الديمقراطية العريقة تطوره على شرط الكفاءة العلمية للناخب والنائب معاً. واشتراط المؤهل الجامعي يقيد الحريات في ممارسة حق المشاركة السياسية قول مردود عليه، فالديمقراطية وسيله وليست غاية في أنظمة الحكم فالحقوق والحريات التي ترد في النظم الديمقراطية في أغلبها ليست مطلقة بل مقيدة بقيود تستهدف تحقيق الأهداف التي وجدت الديمقراطية من أجلها. وأضاف المستشار أن آخر استطلاع حديث في إنجلترا ودول أوروبية أظهر أن جميع أعضاء المجالس النيابية من أصحاب الكفاءة العلمية رغم ترشيحهم الحزبي وذلك إيماناً من الأحزاب بالعمل الديمقراطي لخدمة مصالح شعوبها على أساس الكفاءة العلمية ووفق مبدأ سيادة الأمة التي لا تقبل التجزئة في مصالحها القومية ومبدأ سيادة الشعب الذي لا يستبعد مكوناً سياسياً أو اجتماعياً من المشاركة في الحياة السياسية أو في خدمته من الأحزاب الأخرى. وتمنى آل بن علي أن يتراجع النواب الرافضون لشرط المؤهل الجامعي عن موقفهم وطالبهم حتى بإلغاء شرط السن للمرشح مادام حاصلاً على شهادة جامعية معترف بها وأن يتم التقيد في ممارسة حق المشاركة في الحياة السياسية للناخب في الحد الأدنى من الثقافة والمعرفة وتقيد المرشح بالمؤهل الجامعي لنضع ديمقراطية ذات أوضاع تقدمية تحقق استقراراً سياسياً.