هدى عبدالحميد

أكد مؤسس ورئيس شركة طلال أبوغزالة، د.طلال أبو غزالة، ثقته الكبيرة باقتصادي البحرين ومصر ومستقبلهما، بناء على دراسات دقيقة، مستشهداً برؤية البحرين الاقتصادية 2030.

وأضاف في حوار مع "الوطن"، أن مكاتب المجموعة في كل من البحرين ومصر تعمل باستقرار، مع وجود بيئة العمل المميزة والتشريعات المناسبة.



وأوضح أن المجموعة لم تقرر ذلك على أسس عاطفية بل اعتمدت على دراسات دقيقة، ويكفي الاستشهاد برؤية البحرين 2030، وما ترتقي به مصر يوماً بعد يوم، ما يؤكد التفكير السليم والفريد في الدول العربية عامة، والبحرين ومصر خصوصاً، من حيث الاهتمام بالتنمية المستدامة، وليس الاعتماد على الطّفرات الاقتصادية.

وشدد على أهمية تكامل رؤى الاقتصاد لدى الوطن العربي، لمواجهة الأزمات المالية العالمية باتحاد اقتصادنا العربي وعلى العرب تأسيس مجلس للمعايير الدولية؛ يحقق الآمال ويكون بلا جنسية؛ لأنه لكل العرب..وفيما يلي نص اللقاء:

"الوطن": هل تتوقع أن ينحسر التوتر بين أمريكا والصين بعد فوز الرئيس بايدن؟

لا أتوقع ذلك؛ لأن رئيس أمريكا ينفذ سياسات عامة. تتهم أمريكا الصّين بسرقة حقوق الملكية الفكرية بترليونات، وأنها أساءت لها في الحرب التجارية، وأنها تهدد الأمن القومي الأمريكي ومستقبل بقاء أمريكا كدولة عظمى.

وتطالب أمريكا بتعديلات جوهرية في نظام التجارة العالمي، وتعديل صفة الصّين المسجلة دولة نامية وهذا شرط انضمامها للمنظمة، إضافة إلى شرط استقلال عملتها عن الدولار.

ولما اتضح للعالم أن الصين أصبحت القوة العظمى المنافسة لأمريكا ويتوقع الاقتصاديون في أمريكا أن اقتصاد الصين سيكون 3 أضعاف حجم اقتصادهم قبل نهاية هذا القرن! وأحس الأمريكان بالفجوة فلن يمر هذا الأمر بسلام. وهذا شعور طبيعي لأن أمريكا لن تتنازل عن حكمها وسيطرتها على العالم بسهولة، وستحتجّ بأمنها القومي المهدد مما سيولد مناوشات استفزازية تجاه الصّين ومما يجرّ الطرفين لتكوين نظام عالمي جديد، وهذا ما ترفضه الصين إلا إذا خرج عن سيطرة أمريكا الأحادية.

وصرّحت الصّين أنه يجب أن تغيّر أمريكا نظامها الدكتاتوري والاستبدادي والمتسلط، وأن هناك أدوات كثيرة يجب أن تستعمل دون أن ندخل في صراع عسكري واستخدام للأسلحة. ولهذه الأسباب سيبقى التوتر بين أمريكا والصين.

"الوطن": الأمن المائي والغذائي مشكلة عربية - خليجية، هل ترى أن فرص حدوث حروب بسبب الماء تزداد في المنطقة بعد السدود التي تبنيها تركيا؟ وسد النهضة وتعنت أثيوبيا في حقوق مصر والسودان؟

إنه حديث عن صراع الحضارات.

نحن أمام صراع على الموارد الشحيحة، كما أن هنالك توجهات قومية أو عرقية نتيجة للوضع الاقتصادي حيث أصبح كل بلد يفكر بنفسه وبمواطنيه ولا يهتم لأي بلد آخر، وهذا شعور الشعبوية الذي قد يظلم الآخر ويتخذ قرارات أحادية الجانب.

نحن في صراعات أمام كل شيء، وهذه الصراعات ليست سهلة مع أن الصراع في عصر الاقتصاد الصناعي مختلف عن الصراع في عصر ثورة المعرفة وتقنية المعلومات التي تغير كل ما حولنا بسرعة، وهي ثورة عظيمة ستقضي على الحضارة الحالية لقدرتها على الانتشار والتغير بسرعة والتأثير بكل مجال فهي أداة وليست هدفاً وتساعد في كل شيء.

إن الحضارات لا تتقاطع، ولا حوار بينها، ولكنها مصالح تحكمها مصالح وتجرها مصالح أيضاً، وأي حضارة تتطوّر حتى تصل إلى القمة ثم تنهار. وتواجه تحدّيات كثيرة منها شحّ الموارد نتيجة لاستنزافها كما يحصل مع السدود، أو الموارد البحرية والحيوانية التي لا ندرس حجم استهلاكنا منها، ما سيؤدي إلى هلاكها!

تقول دراسة "إن 50% من الموارد الحيوانية على الكرة الأرضية قد انقرضت خلال الخمسين سنة الماضية"، وهذا ليس مزاحاً فأنت تتكلم عن عالم كامل استنفذنا منه ما نسبته 50% من ثروته الحيوانية ويتوقع في الخمسين سنة القادمة أن نكون قد استنفذنا كل شيء موجود، فهذا تحدّ كبير يواجه البشرية وليس الأمر يتعلق بالماء أو السدود.

أما التلوث فلا يشغل العالم إلا قليلاً رغم أهميته، مع أنه على علاقة مباشرة بالحضارة الصناعية وما جرته على العالم من مشكلات.

وعلى العالم أن يفكر في التلوث كمصيرٍ عالمي وليس مقتصراً على محيط قريتي أو بلدتي فما يؤثر على القرية المجاورة سيؤثر عليّ، ولو بعد حين.

وأخيراً، فعلى دول العالم التفكير معاً؛ لإنقاذ نفسها معاً، وإلا ستغرق معاً، وقيل "إنه خلال العشر سنوات القادمة ستواجه البشرية تحدياً وجودياً نتيجة الاحتباس الحراري والتلوث البيئي"، ونحن الآن نشاهد مظاهره ولكننا نغمض أعيننا فمل يحصل من فيضانات وانهيارات طبيعية وتغير في المناخ هو من آثاره، فلم يعد هنالك أربع فصول في السنة ومظاهر الطبيعة بأكملها تغيّرت وكلّنا نعرف أن سبب هذا هو التّلوث ومع ذلك لا يشغلنا! ولا ينفصل هذا الموضوع عن أي موضوع يتدخل في مجريات الطبيعة والسدود جزء من هذا الموضوع.

"الوطن": طالبت منذ قرون بعدالة التعاطي مع الشبكة العنكبوتية التي تبنيها الصين ومقدر لها أن تنطلق مع شبكة الجيل السادس؟ هل تعتقد أن أمريكا ستذعن لإطلاق هذه الشبكة؟ أم أنها ستكون الحرب التي توقعتها؟

أشكر أمريكا، وأدعوها إلى مأسسة طرق استخدام الشبكة العنكبوتية، ومهننة مرتاديها.

كنت في مؤتمر مع بيل جيتس وكان الحديث عن ثورة المعرفة وهذه الثورة العظيمة التي يحركها الذكاء الاصطناعي هذا الشيء الأقوى والمحرك الأقوى فيها الآن ولكن محتواه الأخلاقي والإنساني ليس موجوداً.

فمثلاً نحن نفكر كيف لنا أن نجعل حياتنا أفضل، وتحسين وضعي المالي ليصبح أفضل، وكيف أصبح كدولة أقوى وأكثر نفوذاً، وكان السؤال المطروح من قبلي: كم نحتاج من الوقت للانتقال من ثورة المعرفة إلى الثورة التالية والتي أسميها "ثورة الحكمة"؟

فعندما يصبح الهدف من التقدم والتطور والابتكار والإبداع والقوة هو تحقيق العدالة والمصلحة الحقيقية لكل إنسان وليس لإنساني أنا أو دولتي أنا أو مجموعتي أنا أو فئتي الدينية، وهذا يلخص مفهوم الحرب بين الصين وأمريكا، أعني الحرب المعرفية التقنية التي لن تنتهي بإطلاق أحدهما للجيل التقني السادس تطوّراً، ولا بإذعان أحدهما لتفوق الآخر.. بل سيمتد الأمر إلى ما لا نهاية.

هذا الكلام يدل على أننا في نهاية هذا القرن، سيكتشف البشر أنهم كانوا يسيرون على الطريق الخاطئ لأنهم لم يهتموا في البعد الإنساني، وبالتالي ستصبح هناك حضارة تتكلم عن كيفية إنتاج واختراع وتحقيق ثروات لمصلحة البشر والإنسان وليس لمصلحتي أنا؛ لأن السياسة الدارجة الآن هي "سياسة الأنا" دولتي أولاً، أنا أولاً، مؤسستي أولاً.

فعند الانتقال إلى ثورة الحكمة، من المتوقع أن تصبح هنالك ثقافة وحضارة جديدة، تقول إن كل إنسان في هذه الدنيا أنا المسؤول عنه، وأن عدم المساواة يؤدي إلى الانقراض، فمن أحد أسباب انهيار هذه الحضارة هو أننا قمنا ببيع المستقبل لأجل الحاضر فلم نفكر ماذا بعد، وماذا سنفعل عند انتهاء النفط؟ أو بعد انتهاء وانقراض الثروات الحيوانية؟.

فكل تفكيرنا اليوم هو كيف أقوم بتوسعة وتطوير إنتاجي وتقدمي في ثروتي الحالية على حساب المستقبل، فهذا موضوع في الحقيقة يجب أن ننظر له باهتمام فالحضارة ليس فقط أن تكون قوة.

فلنأخذ الإمبراطورية الرومانية فهي لم تنهار بسبب أنها ليست الدولة العظمى أو أنها الدولة الأكبر اقتصاداً في العالم، حيث ركزت كثيراً في نهاية حياتها على القوة العسكرية والسلطة التي تملكها وتمكنها من السيطرة على العالم، ولكنها نسيت كيف تدير المساواة بين المواطنين والمبادئ الأخلاقية والمعنوية ما أدى لانهيارها، فلا تنهار الحضارات لأنها لم تعد القوة الأعظم اقتصادياً أو عسكرياً فالقوة العسكرية تنتج عن مبادئ الحضارة الجديدة التي تختلف عن الحضارة التي قبلها.

"الوطن":هل الطاقة المتجددة ستكون سبباً في عدم عودة أسعار النفط إلى سابق عهدها؟

إن استثمار الطاقة المتجددة حلّ جذري لمشكلات اقتصادية كبرى، فإذا كانت أمريكا تستخدم الضغط بنظام العملات، ليس فقط على لبنان وسوريا بل ضد روسيا والصين وهما أكبر اقتصادين في العالم، فمع هذا يجب عدم الاستسلام؛ لأن كل شيء له بديل، فالنفط مثلاً يمكن استبداله بالطاقة الشّمسيّة، ولا حجة لنا، لأن أفقر الدول في العالم أقامت صناعة الألواح الشمسية.

ونحن نملك محطة طاقة شمسية هبة من الله، وهو أنعم علينا بالعقل لاستعماله، وهناك بدائل كثيرة لذلك يجب أن لا نريح عقلنا حتى لا تموت خلاياه، وأنا أتكلم عن جميع القطاعات ليس فقط الحكومية بل أيضاً القطاع الخاص، فماذا يمنع عالمنا العربي من وجود مصنع للألواح وبالتالي الاستغناء عن النفط، وعدم الخوض في ارتفاع سعره أو انخفاضه!.

"الوطن": كيف ترى الوضع الاقتصادي في البحرين وفي مصر حالياً ومستقبلاً؟

أثق ثقة كبيرة باقتصاد البحرين ومصر ومستقبلهما، ولدي ثقة كبيرة باقتصاد البحرين ومصر، ومستقبلهما، ولذلك تنعم مقرات مكاتب مجموعتنا في العمل والاستقرار هناك؛ بما يوفره البلدان من بيئة عمل، وتشريعات، وبيئة ضرائبية مناسبة.

نحن مؤسسة دراسات وبحث، ولم نقرر هذا القرار على أسس عاطفية بل اعتمدنا على دراسات دقيقة، ويكفي الاستشهاد برؤية البحرين 2030، وما ترتقي به مصر يوماً بعد يوم. وهذا إن نم على شيء فإنما ينم على تفكير سليم، وفريد في بلدان عالمنا العربي عامة، والبحرين ومصر على وجه الخصوص من حيث النظر والاهتمام بالتنمية المستدامة، وليس الاعتماد على الطّفرات الاقتصادية التي تحدث من سنة لأخرى.

هذه الرؤية تشجع أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال للاستثمار في البحرين ومصر لأنهما يؤمنان استقراراً اقتصاديّاً ولفترات طويلة، البلدان يصنعان مستقبلهما بيديهما ويضعان القرار البناء لمستقبلهما المشجّع على الاستثمار جداً.

"الوطن": كيف يمكن للدول العربية تحقيق التكامل الاقتصادي؟

هناك أهمية لتكامل رؤى الاقتصاد لدى الوطن العربي. ومع أن لكل دولة خصوصيتها وأن على الدول جميعاً والدول العربية منها حماية الملكية الفكرية، ورفع مستوى الوعي والتفوق على الأنداد، ومع الحذر من الأزمات المالية المتعاقبة.

كما أن الأزمات المالية العالمية ستصبح أزمات اقتصادية وستمتد معنا فترة غير بسيطة، إلا أن اتحاد اقتصادنا العربي هو الحل لنا جميعاً.

إن على جميع العرب الاستفادة من الأزمات المالية، من خلال عدم إضاعة الفرص التي يمكن استثمارها، والتعلم من الأخطاء التي أدت إلى تلك الأزمات، ودراسة آلية حماية مؤسساتنا الوطنية من الأزمات العالمية.

وعلى العرب تأسيس مجلس للمعايير الدولية؛ يحقق الآمال ويكون بلا جنسية؛ لأنه لكل العرب. ويمثل هذا المجلس دور إرساء المعايير الدولية وتطبيقها وليس البحث عن محتوى معين.

فعدم الرغبة الدولية في وجود مجلس أوجهة عربية تساعد على نشر الوعي التجاري والاقتصادي بين العرب كلهم، عرقل أي مشروع لإتمامه "دعم مجلس الوحدة الاقتصادية". إذن، يبقى علينا تصحيح المسار والتطبيق.

"الوطن": ما مدى تأثير دخول العالم فضاءات الثورة الرقمية على اقتصاد الدول وعلى الشعوب؟

ثمة عامل نفسي يؤثر كثيراً في الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمالية.

اعتمدت التجارة كما اعتمد الاقتصاد في السابق على ما يسمى أدوات إنتاج المواد الأولية ورأس المال والعمالة، واليوم نحن في الثورة الصناعية الرابعة التي يعتمد الاقتصاد فيها على إنتاجك للثورة المعرفية الرقمية التي هي مادة لإنتاج الإبداع والاختراع دون الحاجة إلى مواد أولية أو شركات صناعية كبرى بل نحتاج شركات معرفية وأناساً معرفيين وسنخترع ما يفيدنا ويجرّ علينا اقتصاداً مزدهراً.

"الوطن": فلماذا لا نتوجه إلى استثمار قدرات ثورتنا الرقمية من أجل اقتصاد رقمي مزدهر لدينا؟

إن ميزة الثورة الرقمية هي التعامل من خلالها مع الفضاء الذي لا يخضع إلى حدود ولا لأي سيادة، وما يجب أن نتذكره أن هذه الأمة العربية العظيمة هي أساس للاختراع في كل المجالات فلا للإحباط ولا للشعور بالفشل.

أنا لا أؤمن بأسلوب المناطحة، بل باستخدام العقل والتفكير؛ للتعامل مع المفروض، فإذا تغيّرت الدّنيا وأصبحت من مصلحة طرف فعليك التّعامل معه، ولا يوجد بالتاريخ خصم دائم، ولا أصدقاء دائمين، وكل ما هو موجود المصالح الدائمة.

"الوطن": ما هي رؤيتكم للمرحلة الاقتصادية والسياسية التي يمر بها العالم حاليّاً؟

السياسة والاقتصاد لا ينفصلان. إن الحضارة الحالية حضارة معرفية رقمية، وتحتاج إلى وقت كي نقطف ثمارها، أما الحضارة التي ما زلنا نتعايشها فهي الحضارة الصناعية التي نقلت العالم واقتصاده من ركن إلى آخر.

وإن أهم عناصر الانتقال إلى الحضارة الصناعية تلك هو التّحوّل الصّناعي المستند إلى استثمار الموارد الطبيعية والأولية لتطوير حياتنا وأساليب معيشتنا.

والحضارة الصّناعية بطبيعتها حضارة رأسمالية وعند التّكلّم عنها فإننا نتكلم عن أهمية تواجد رأس المال أي أن هنالك فئة تستعمل الموارد كافة لمصالحها وهذا شيء طبيعي وليس انتقاداً، وإن كان هنالك دراسة تقول: "إن نصف سكان العالم يعيشون على دخل يومي بسقف 3 دولار في اليوم"، فيجب أن ندرك أن في هذا العالم الذي نسمع فيه عن الترليونات من الأموال والمليارات أصبح شيئاً عاديّاً فهنالك 50% من البشر دخلهم اليومي 3 دولارات.

أما الدول العربية فلا يعوّل عليها كثيراً؛ لأنها تعيش حالة انفرادية وحرباً على الوحدة فيما بينها، وكل دولة تحوال تطبيق الاتفاقيات الدولية المنصوص عليها بموجب اتفاقية التجارة العالمية، فتضمن مستوى تشريعيّاً جاذباً للاستثمار، وتقدّم مستوى مرضياً ووعياً تجاه متطلباتها وحاجياتها.

وبقيت مشكلتنا الاقتصادية في جانبين هما: التّطبيق والقضاء؛ وهذان يحتاجان إلى تدرب ومعرفة، ثم تعديل ما يتناسب مع آليات العمل الجديدة استعداداً للانتقال إلى الحضارة المعرفية الرقمية التي لا تستند إلى الموارد بل إلى التدرب على المعرفة الرقمية الجديدة واستثمار العقل وما ينتجه من برامج حلول إلكترونية بدلاً من رأس المال.. وهذا هو مستقبل اقتصاد العالم القادم.

"الوطن": إلى أي مدى كشفت جائحة كورونا كفاءات الدول في إدارة الأزمات ومكانتها الاقتصادية؟

ما يقلقني ليس الضرر المادي ولا الانهيار الاقتصادي فقط، بل التحوّل الأخلاقي.

لقد كشفت جائحة فيروس كورونا بشاعة النظام العالمي الحالي وأنانية كل دولة، ولعله ليس من المبالغة إذا قلنا بأننا ننتظر خروج إنسان جديد بعد جائحة كورونا إنه إنسان يكره الكل. وإنسان انقطع عن التعليم، وستظهر أرقام مهولة من العاطلين عن العمل، وبعد جائحة كورونا سنخرج إلى أزمة بطالة تصل إلى 20%، والبطالة بخلاف كل المعايير الأخرى هي المعيار المؤشر لوجود أزمة حقيقية وكارثة، ولا حلّ إلا بطمر الفجوة الرقمية بين الناس، أي بناء الإنسان الذي يتناسب مع العصر الرقمي؛ كي لا تزيد الفروقات بين المجتمعات في العالم، وكي لا تتولد ثورات واضطرابات اجتماعية لعدم الرضا مما يحصل.

في نظري أن أهم المؤسسات الدولية في الوقت الراهن هي منظمة العمل الدولية.

إن أمامنا عالماً صعباً بعد فيروس كورونا، إذا لم نستطع أن نصل فيه إلى لقاء استراتيجي بين العمالقة ونظام جديد، وبناء خطة وسياسات جديدة؛ لتأسيس عملية إعمار ونهضة اقتصادية.. فسيقودنا هذا إلى مشاكل ولفترات طويلة.

"الوطن": بعد جائحة فيروس كورونا سحبت اليابان وبعض دول أوروبا مصانعها من الصين وتأسيس مصانع في وطنها؟ ولم تتجه إلى إفريقيا لماذا؟

العالم الآن في مرحلة انتقال وحيرة وستشهد المرحلة المقبلة تغيرات جيو اقتصادية شاملة في العالم، وسنتوجه إلى عالم متعدد الأقطاب لن تعود أمريكا هي القطب الرئيس هي التي تقرر في كل الوضع الاقتصادي والعسكري والسياسي بل ستتعدد الأقطاب لأن القوة الحقيقية هي قوة اقتصادية وليس هنالك قوى عسكرية بدون قوة اقتصادية، وستظهر قوى جديدة مستفيدة مما حصل وتنشأ تكتلات وستتفكك أخرى والاقتصاديات الكبرى في العالم إما سينحصر نموها أو سيكون نموها سلبيّاً وذلك بدرجات متفاوتة أولها في أمريكا وتليها بريطانيا ثم الدول الأخرى.

وستنتعش الصين ما يساعد على انتعاش أمريكا حيث ستمثل الصين السوق البديل والسوق المورد لأمريكا للاستثمارات مما يساهم في وجود مخارج للأزمة .

الصين هي المستفيد الأول وهي أعلى قوى متصاعدة في العالم يليها دول أخرى هامة مثل الهند وروسيا والبرازيل، على مستوى العالم لن تحل محل أمريكا ولكنها ستكون لاعباً رئيساً.

"الوطن": لماذا لا يرى الغرب فرص إنشاء مصانع للتكنولوجيا في الوطن العربي وإفريقيا؟

أكدت في أكثر من مناسبة بأن الأزمة الاقتصادية العالمية بدأت الآن وستستمر لفترة طويلة.

لا بد أن نميز بين الاقتصاد الأساسي الذي يمثل الاقتصاد المنتج من صناعة وتجارة وخدمات ويدعم الدخل القومي والاقتصاد الموازي وهو سوق المال والأسهم وسوق العقار الذي لا يشكل إضافة للدخل القومي، وإن مؤشرات السوق الموازي هي التي انتعشت فقط وما سينقذ المنطقة العربية فقط ارتفاع سعر برميل النفط ليصل إلى 100 دولار مما يجعل المنطقة قادرة على تحمل نتائج الأزمة الاقتصادية وتوجيه أموال النفط لبناء الاقتصاد وبناء المستقبل.

أما أولويات النهوض بالاقتصاد في الوطن العربي وإفريقيا، أقول إن الوطن العربي ينقصه البنى التحتية ولا بد للبدء بالنهوض ببناء منطقتنا من القاع، فالوطن العربي ليس بلد نفط فائض، فالنفط العربي كله لا يكفي للبنى التحتية المطلوبة ولا بد أن نعمل على التعليم والتطوير، وأن نستثمر رأس المال الموجود تحت الأرض في بناء أنفسنا.

كذلك إن الخير يأتي من الشرق فنحن نستثمر في الغرب عشر أضعاف ما نستثمره في الشرق، ونحن لسنا بحاجة للاستثمارات الغربية بل نحن بحاجة للاستثمارات الوطنية وعودة الاستثمارات المهاجرة.

إن هذا الازدهار في الخليج سيمتد إلى دول الجوار وسيمتد بيننا وبين الشرق ونحن نعمل مع الصين ونعمل على استعادة طريق الحرير فنحن لا ننسى التاريخ والجغرافيا، لن نجد أسواقاً في الغرب بل سنجد في المرحلة المقبلة أسواقاً مفتوحة في الشرق والجنوب.

ومع تطور الوقت أي بحلول منتصف هذا القرن حوالي 2050، ستصبح إفريقيا القارة الأهم في العالم؛ لأن فيها ثروات كبيرة، وهذا سبب توجه الصّين إليها للاستثمار في مصادر المواد الأساسية، القارة الأفريقية ليس محكوماً عليها بالبقاء كما هي إنها قارة الثروات وهي أوروبا المستقبل.

"الوطن": تتجه أغلب جامعات العالم للدراسة باللغة الإنجليزية، فلماذا تمسكت بالتدريس في جامعاتكم باللغة العربية؟

اللغة العربية من اللغات المهمة في العالم.

لقد انتصرنا إلى اللغة العربية في غير مجال، من ذلك أننا أنشأنا الموسوعة العربية الإلكترونية الأولى من نوعها، تلك التي أطلقنا عليها اسم "تاجيبيديا" وهي تعالج أكثر من مليون مقالة علمية موثقة؛ كي تكون مرجعاً أميناً للباحثين.

كما أنهينا مشروع "طلاقة في اللغة العربية" الذي يعنى بامتحانات المستوى للراغبين في دراسة اللغة العربية، وإخضاعهم إلى البرنامج الذي يشمل البرنامج المبتدئ، والبرنامج المتقدم.

أما اهتمامنا بالتدريس في اللغة الإنجليزية فهذا اهتمام عالمي الطابع، ونحن لم نغفل عروبيتنا، ولم نغفل عالمية مؤسساتنا التي تتطلب اللغة الأكثر تداولاً على الصعيد التجاري العالمي.

"الوطن": حدثنا عن أهم تكريم حصلتم عليه؟

إن السُّمعة الطّيّبة والثقة المتبادلة هما أهم تكريم لديّ.

فعلى الرغم من كثرة ما كُرّمت في حياتي إلا أنني أجد في التّفاني، والتضحية، والنّجاح لذّة لا تساويها لذّة، ولذلك يجب على كلّ منا التّفاني من أجل الطموح وتحقيق النّجاح، وإن أغلى محطات التكريم في حياتي تلك المحطة التي منحني فيها والدي ثقته بتحمّل مسؤولية العائلة نيابة عنه، وأنا في عمر 15 عاماً. وهو أغلى تكريم لي وإنني أشعر بالرّضا، والقناعة عمّا أنجزته في حياتي، كما أتهيّأ إلى مواصلة الكفاح؛ فالحياة لا تتوقف عند تحقيق هدف ما بل تسير إلى تحقيق هدف آخر!

"الوطن": هل نجاح الشخص مرتبط بذكائه أم الإمكانات المتوفرة له؟

للنجاح أسرار وكثيراً ما أرددها.

وقد قلت في غير موقف: "أول شرط للنجاح هو أن تؤمن بأنك ستنجح، فإذا بدأتَ وأنت متردّد، أو محبَط، أو مصابٌ بالشكّ، فلا تبدأ.. لا تبدأ إلّا إذا كنتَ قد حسمتَ أمرك".

وعددتُ عشر وصفات للنّجاح هي: أن اجعل من الصعوبات نعمة، وحوّل الفشل إلى نجاح، وكما أن قلبك لا يتوقف عن النبض، لا تتوقف عن العمل، فالراحة مضرة للصحة، وعليك بالتفاؤل لأنه يجلب الحظ، فكن متفائلاً يأتكِ الحظ، وإن السعادة قرار، فقرّر أن تكون سعيداً تكن كذلك، كُن بطبيعتك تلميذاً دائماً: لا تتوقف أبداً عن التعلُّم، وإن كلمة متقاعد تعني. "مُت" وأنت" قاعِد": فلا تتقاعد أبداً، واغفر لخصومك، ولكن لا تنسهم، وابحث عن التميز والأسبقية في الريادة، وقاوم غريزة السير وراء الجموع، وإننا إذ نتعلم في المدرسة الدروس ونُمتَحن، فإننا في العمل نواجه الامتحانات، التي كنّا قد تعلّمنا دروسها.

وأخيراً عليك أن تحقق النّجاح من خلال كلمتين هما: القرارات الصحيحة، وعليك أن تتخذ القرارات الصحيحة من خلال كلمة واحدة هي: الخبرة، وعليك أن تحصل على الخبرة من خلال كلمتين هما: القرارات الخاطئة، وقبل كل ذلك: عليك باستثمار المحبة التي هي السلاح الأقوى في الدنيا.