بين واجهات خارجية متواضعة.. وتقسيم داخلي للغرف والفناء (الحوش).. وتصميم يراعي خصوصية البيوت؛ تميزت بيوت المحرق بجمالها الخاص، فعلى الرغم من بساطة الطراز إلا أن انعكاس الثقافة الإسلامية في بعض التفاصيل يدلل على وجود عمران فريد من نوعه، كان ولا يزال، يمثل نمطا حضاريا تشكل في مدينة المحرق.
وفي جولة خاصة لوكالة أبناء البحرين (بنا) بمناسبة مرور عشر سنوات على إدراج مسار اللؤلؤ على قائمة التراث العالمي في عام 2012، تحدثت بتول عبدالعزيز الشيخ، المهندسة معمارية بهيئة البحرين للثقافة والآثار، حول تفاصيل المشاريع التي انقسمت بين بيوت جاهزة للافتتاح وبيوت لا تزال في طور الترميم والتجهيز، ليرى هذا المشروع، حيث تم انجاز 75% منه بالمئة حتى الآن، النور خلال الربع الأول من العام القادم بصورته النهائية.
ويضم مسار اللؤلؤ 16 محطة مختلفة، وهو موقع متسلسل يشهد على آخر حقبة من تاريخ اقتصاد صيد اللؤلؤ في الخليج العربي الممتد لحوالي سبعة آلاف سنة.
بيوت قديمة وأبواب خشبية مزخرفة وأزقة متعرجة؛ هي تفاصيل شكلت الصورة الكاملة لأحياء المحرق القديمة، وعنها قالت المهندسة بتول الشيخ: "مسار اللؤلؤ مشروع فريد من نوعه، يتيح فرصة أمام الزائر لمعايشة حياة الغوص واللؤلؤ ابتداء من البحر وصولاً إلى آخر نقطة في المسار والتي تتمثل بمجلس سيادي ومحطاته عبارة عن مجموعة بيوت أثرية موجودة يمثل كل واحد منها جزء جميل من تفاصيل الصورة الكلية".
يبدأ المسار من قلعة وساحل بوماهر، ثم يمر الزائر بمحطات عديدة منها (بيت الغوص) وهو أول بيت وثاني محطة على المسار، وكان قد بني خلال العقد الأول من القرن العشرين، وكان يسكنه ويستخدمه الغواصون العاملون لدى النوخذة أو الصانع، وعنه أوضحت الشيخ: "يقع بيت الغوص عادة بالقرب من ساحل البحر، والبيت الذي يوجد هنا هو أقصى بيت في جهة الجنوب بجزيرة الحالة، وكان مطلاً على القناة التي يستخدمها البحارة للوصول إلى قلعة بوماهر أثناء فترة الجزر، ويقال أن هذا البيت قد سكن واستخدم من قبل العديد من الغواصين، وكان مطلاً على القناة التي يستخدمها البحارة للوصول إلى قلعة بوماهر".
ويأتي مجلس أحد النواخذة (قبطان السفينة) جاسم عجاج، الذي شيد خلال العشرينيات كمحطة أخرى في مسار اللؤلؤ، تتحدث عن قصته المهندسة بتول قائلة: "كان نجاح نوخذة السفينة مرتبطاً بقدرته على إيجاد وإبقاء شبكة ناجحة من العلاقات الاجتماعية، وحرصه الدائم على جذب أفضل الغواصين للعمل على متن سفنه، إضافة إلى قدرته على توطيد علاقاته مع تجار اللؤلؤ (الطواويش) وصداقته مع طاقم العاملين معه، ويحتوي المجلس على غرف الضيوف لاستقبال الغواصين القادمين إلى البحرين خلال موسم الغوص الرئيسي (الغوص الكبير)، ويقع قريباً من منزل عائلته، على مسافة أمتار قليلة يحددها ممر صغير. وكما هي العادة آنذاك، فإن مبنى المنزل منفصل عن المجلس لضمان خصوصية نساء العائلة".
رابع محطة على خط المسار المضاء بمصابيح تشبه اللؤلؤ هو بيت بدر غلوم، وعنه قالت المهندسة بتول الشيخ: "كان بدر غلوم حلاقاً ومعالجاً بالطب الشعبي، بدأ مزاولة عمله في المحرق سنة 1912، وفي غياب الخدمات الطبية في المحرق آنذاك أصبح بيت بدر غلوم شيئاً فشيئاً يتخذ دور مصحة أو مستوصف صغير، وكان الغواصون من الفئات الأكثر ارتياداً لهذه العيادة الصغيرة بحثاً عن ما يخفف الألم والمعاناة التي كانوا يقاسونها جراء الأمراض الناجمة عن الغطس والغوص المطول تحت الماء، مثل أمراض الرئة والعين والجلد".
وأضافت: "يجسد بيت بدر غلوم توضيحاً لسيرة المكان، وهو يضم غرفة العلاج المشيدة باستخدام الأحجار البحرية، والصيدلية التي يتم الاحتفاظ فيها بالمواد العشبية والمعدنية والسوائل العلاجية التي تستخدم في تحضير الأدوية والمواد الطبية".
أما المحطة الخامسة فكانت بيت الجلاهمة، حيث كانت عائلة الجلاهمة تشغل العديد من المهن والحرف الرئيسية المتعلقة باقتصاد اللؤلؤ، وعلى متن السفينة والتي تتراوح ما بين الغواص ومساعد الغواص (السيب) إلى تاجر اللؤلؤ (التاجر) وتاجر اللؤلؤ الكبير (طواش). وتحدثت عنه المهندسة الشيخ قائلة: "شيد بيت عائلة الجلاهمة في أقصى الطرف الشمالي للمحرق عند مدخل جزيرة الحالة، وذلك قبل أعمال الردم والتغيير التي طالت الجزيرة، ويمثل نموذجاً واقعياً للبيوت السكنية الكبيرة المركبة ويعطي البيت فرصة فريدة لاستكشاف الوضع المميز للنساء ضمن المجتمع المعتمد على تجارة اللؤلؤ".
وأضافت: "تتضح القيمة الاستثنائية لهذا البيت عبر تركيبته وخرائطه التي كانت تحتفظ بخصوصية نساء العائلة، والتي انعكست أيضاً في عمارته وتصميمه الفريد، وتم تحقيق تلك الخصوصية من خلال التصميم والتنسيق المعقد للأروقة، والسلالم، والشرفات والأفنية".
بيت العلوي، هو بيت آخر يراه الزائر، حيث يتكون من بناء مربع الشكل يحيط بفناء داخلي صغير، فيما يقع برج الهواء (البادكير) في إحدى زواياه، وعنه قالت المهندسة بتول الشيخ: "هو البيت الوحيد الذي احتفظ ببرج الهواء ودوره الوظيفي، إلى جانب قصر حاكم البحرين المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن علي آل خليفة".
وأضافت الشيخ: "كان محمود محمد العلوي، باني البيت، تاجراً كوالده، يزود تجارة واقتصاد اللؤلؤ بالمواد المختلفة من متجره الواقع بالقرب من سوق المحرق الرئيسي، حيث يتاجر بالتبغ، والحبال، والمراسي، وأقمشة الأشرعة للسفن، وزيت السمك الذي يدخل في صناعة السفن، والجبس والمواد العازلة لأعمال البناء، وأدوات الصيد مثل ملاقط الغواصين (الفطام)، وسلال جمع محصول اللؤلؤ (الديين)، وأغطية الأصابع الجلدية (الخبط)، كما يقوم بتموين مراكب المياه العذبة لتزويد سفن صيد اللؤلؤ بمياه الشرب اللازمة"
وأشارت أن عروض البيت ستركز أيضا على طرق التهوية وتبريد الهواء في عمارة البحرين التقليدية.
المحطة السادسة هي بيت فخرو، الذي كان محل إقامة يوسف عبدالرحمن فخرو، تاجر الخشب ومواد بناء وصناعة السفن، وتحدثت المهندسة بتول عن هذا البيت: "يشكل بيت فخرو بحجمه وتفاصيله الغنية والدقيقة مثالاً جميلاً واستثنائيا لبيوت تجار اللؤلؤ، كما يقدم بنموذجه سكناً عائلياً فريداً تمت توسعته تدريجيا مع بدء أعمال الردم في المنطقة باتجاه البحر نظرا للحاجة إلى التمدد العمراني".
وأضافت "كان السيد يوسف بن عبدالرحمن فخرو مالكاً لأسطول يضم زهاء 50 سفينةً، وضم البيت الواسع رصيفاً خاصاً مجاوراً للبيت، ليتسنى له مراقبة عملية إبحار وعودة أسطوله من نافذة حجرته الخاصة أو من مجلسه الواقع بجوار الشاطئ، وتصل المساحة الإجمالية لبيت فخرو 3000 متر مربع، تم بناء نصفها. كما كان يملك مستودعه الخاص (عمارة يوسف عبدالرحمن فخرو) وكان يستخدم لأغراض التخزين وبناء السفن، ويقع بالقرب من المركز التجاري بمدينة المحرق القديمة.
سابع محطة؛ بيت مراد ومجلس مراد، وهما معماران متقابلان بنيا باستخدام الأحجار البحرية، وقالت الشيخ: هذا الموقع يقدم نموذجاً فريداً لسكن عائلة ومجلس ضيوف الطواش، وتعد أجيال عائلة مراد من أهم تجار اللؤلؤ (الطواويش) حتى الآن. ويتسم البيت بوجود فناء داخلي كلاسيكي يتوسطه، وتحيط به غرف في الدور الأرضي، كما تتواجد في الطابق الثاني شرفات على السطح تمنح ساكني المنزل إطلالة على البحر، وسوف يتم تحويله إلى نزل صغير بسبع غرف.
وعن تفاصيل الموقع، قالت الشيخ: "تحوي الغرفة الرئيسية المخصصة لكبير العائلة على الخزينة (التجوري) الذي يحفظ مقتنيات العائلة الثمينة، بما في ذلك اللآلئ، أما مجلس مراد فهو مبنى مستقل يتم استقبال الضيوف الرجال فيه لبيع اللؤلؤ وعقد صفقات الشراء، كما كان يبيت فيه الزوار القادمون مساء".
وأضافت أن مجلس مراد يتسم بتفاصيله المعمارية والزخرفية البسيطة، مقارنة بغرف استقبال الضيوف الراقية لكبار تجار اللؤلؤ، وهو ما يجعله نموذجاً شاهداً ومؤرخاً لمكانة الطواش في مجتمع اللؤلؤ.