نجوى عبداللطيف جناحي
سموها حافظت على الهوية البحرينية والعربية في أطروحاتها الجديدة
يٌعرف التطور الاجتماعي بأنه: المراحل التي تمر بها المجتمعات والتي تنتقل من البدائية التي تتسم بالبساطة وتقترب إلى المجتمعات الراقية التي تتسم بالتعقيد، وهذا التطور يحدث تغيرات مرغوبة في المجتمع. ويحدث التطوير الاجتماعي بسبب العديد من العوامل، ومن أبرز هذه العوامل ظهور مجددين ومطورين اجتماعيين يتمتعون بالقدرة على طرح متغيرات وأطروحات جديدة في المجتمع تنحى به نحو التطور والنضج، وهؤلاء المجددين الاجتماعين فئة نخبوية من المجتمع تتمتع هذه الفئة بالقدرة على التأثير في الناس وتغير أفكارهم وتوجهاتهم بمنهجيات وأساليب مختلفة، وعلى الرغم من أنهم قلائل فكونهم نخبة من أفراد المجتمع إلا أن تأثيرهم عميق في المجتمع، فهم يعتبرون أقطاب تتأثر بهم الناس ويقتدي بهم جميع فئات المجتمع.
وعلى مر التاريخ ظهر العديد من المجددين الاجتماعيين منهم رجال ومنهم نساء، وفي عصرنا الحالي برزت شخصية نسائية بحرينية كمجددة اجتماعية، وهي صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله، فهي شخصية مؤثرة اجتماعياً، وقادت التغيير الاجتماعي في مملكة البحرين وانتقل هذا التأثير إلى الخليج العربي بل والعالم العربي، واتسم أسلوبها في إحداث التجديد الاجتماعي بالتدرج في التغيير، كما اتسم بالاهتمام بالتغير الفكري لدى الناس، وهي تعمل بطريقة أفقية إذا تستهدف جميع طبقات المجتمع في نفس الوقت، فهي تستهدف فئة البسطاء في المجتمع، ومحدودي الدخل، وفي الوقت نفسه تستهدف طبقة المثقفين والمفكرين، وعلى الرغم من اهتمامها بالتغير الفكري والواقع الاجتماعي في مجال تمكين المرأة وتغير واقعها إلا أن المتتبع لتأثيرها الاجتماعي يلاحظ اهتمامها بالتغير الفكري لدى الرجال بدرجة لا تقل عن النساء.
كما يتضح اهتمامها بالتغيير الفكري والواقع الاجتماعي في مجالات متعددة، ويتضح للمتتبع لنشاط صاحبة السمو الملكي الاجتماعي بأنها تعتمد على نظرية التكامل الاجتماعي، حيث ينطلق المجدد الاجتماعي من ثقافة المجتمع نفسه ويظهر تمسكه بثوابته، وقد انتهجت المجددة الاجتماعية صاحبة السمو الملكي هذه النظرية فجعلت المجتمع يتقبل أطروحاتها الاجتماعية الجديدة ولا يرفضها أو يقاومها، فقد حافظت صاحبة السمو الملكي على الهوية البحرينية والعربية في أطروحاتها الاجتماعية الجديدة حيث انطلق نشاطها الاجتماعي من ثقافة المجتمع البحريني الأصيل، لذا تقبل الناس تلك الأطروحات ولم يعتبرونها خروجاً عن النظام الاجتماعي المألوف أو إن صح التعبير تمرد اجتماعي، وهي تقدم أطروحاتها الاجتماعية الجديدة من خلال عدة أساليب نذكر منها: أقوالها التي تطرحها وتنشر في المجتمع فيحفظها الناس ويتأثر به لتكون أقوال محفوظة، وأشهرها «قرأت وتعلمت وشاركت» تلك العبارة التي اتخذت شعاراً ليوم المرأة البحرينية، ومن خلال خطاباتها الموجهة لجميع فئات المجتمع على مختلف مستوياتهم والتي توجهها للناس في المناسبات المختلفة، ومن خلال المبادرات والمشاريع التي تطرحها والتي تستهدف جميع طبقات المجتمع البسطاء منهم والمثقفين، مما أهلها لتكون مجدده اجتماعية مقبولة من الجميع.
وهي تستهدف مختلف فئات المجتمع من خلال طرح برامج ومبادرات طويلة المدى، فيلاحظ المتتبع لنشاطها الاجتماعي العديد من التغيرات التي أحدثتها في المجتمع البحريني والخليجي والعربي، وعلى الرغم من أنها تحدث هذا التغيير على المدى الطويل حيث بدأت نشاطها في التغيير الاجتماعي منذ الثمانينيات واستمرت حتى يومنا هذا، إلا أن هذا التغير يتسم بالعمق ليكون جزء من ثقافة المجتمع ويصبح سمة من سماته، كما يلاحظ المتتبع لنشاطها الاجتماعي أنها تركز على تغير فكر الناس وقناعاتهم كما تسعى لتغير سلوكهم، ولعلنا في هذا المقام نستعرض أبرز أطروحاتها الاجتماعية التي أحدثت تغيراً اجتماعياً:
طرحت مبدأ رفع قدرات المرأة وتعزيز كفاءتها بهدف تمكينها في المجتمع، فتمكين المرأة اعتماداً على رفع كفاءتها يعزز استدامة فاعليتها في المجتمع، وبذلك قد استغنت عن الكوتا، وقد اتسم طرحها بالتوازن والاعتدال، عن طريق طرح مبدأ آخر وهو تكافؤ الفرص بين الجنسين فهي تشجع وتدعم تمكين الجنسين معتمدة على معيار الكفاءة، وقد طرحت هذا المبدأ من خلال العديد من المبادرات والمشاريع وعززته بأقوالها وخطاباتها التي توجهها للجمهور في جميع المناسبات.
واهتمت بتمكين المرأة في المناصب القيادية في القطاعات الثلاثة: الخاص والعام، والأهلي، وإدماجها في المجتمع كما حفزتها على الدخول في مجال النشاط الاستثماري، وعززت مشاركتها السياسية، وقد أحدثت أطروحاتها هذه تغيراً اجتماعياً يمكن رصدها من خلال عدة مظاهر منها بروز نساء في مناصب قيادية، ووصول عناصر نسائية إلى قبة البرلمان، وانحسار ظهور جمعيات نسائية وفي المقابل تعزز وجودهن في مجالس إدارة منظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات.
ومن أطروحاتها الاجتماعية الاهتمام بالارتقاء بالأسرة البحرينية ثقافياً، واقتصادياً، واجتماعياً، كما اهتمت بقضايا الاستقرار الأسري، ففي مجال تشجيع الابتكار والإبداع لدى الأسر محدودة الدخل لمساعدتها على الانتقال من العوز إلى الاكتفاء دون الاتكال على استلام التبرعات الخيرية، فقد ارتقت بمستوى الإنتاج المنزلي بعد أن كان نشاط الإنتاج المنزلي مقتصراً على الأسر البسيطة وكان غير مقبول من قبل غالبية الأسر لاسيما الأسر المثقفة، فقد عملت على تغير نظرة الناس للإنتاج المنزلي، حيث توجه صاحبة السمو الملكي منذ زواجها من حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، اهتمامها وتحيط برعايتها العديد من المبادرات المختلفة التي تهدف إلى تحسين أوجه حياة أفراد المجتمع البحريني من ذوي الدخل المحدود أو لضمان الاستقرار والأمن الاجتماعي.
وواصلت جهودها في هذا المجال حتى يومنا هذا. وكسيدة أولى، فصاحبة السمو الملكي تُركز على العديد من القضايا الهامة في البلاد كمشاركة المرأة في عملية التنمية وتطوير المشاريع التي تهدف إلى زيادة الدخل للأسرة البحرينية، وتنويع مصادره، وخاصة تلك التي تركز على إعادة إحياء الحرف التراثية القديمة لتمارس من قبل الأجيال الجديدة.
حيث حرصت على تطوير العمل المنزلي ليتحول إلى دعم الأسر المنتجة وصنعت منه قطاعاً جديداً حيث نظمت العمل مجال الأسر المنتجة بإصدار التشريعات، وتنظيم هذا القطاع وتطويره ليقترب أكثر من الاحترافية حتى أصبح مقبولاً من المجتمع واتسعت دائرة فئات المجتمع المشاركة فيه من أسر مثقفة، وشباب، وخريجي جامعات، وقد كان هذا الدعم في عدة صور فحرصت على دعم الأسر للحصول على رأس مال للبدء في مشاريع متناهية الصغر فشجعت إنشاء مصارف تمويل هذا النوع من المشاريع فهناك مصرفان ماليان مختصان بتمويل هذا النوع من المشاريع في مملكة البحرين، واهتمت بتعزيز قدرات أصحاب المشاريع المتناهية الصغر عن طريق اتخاذ التدابير المختلفة لرفع جودة منتجاتهم، وتنمية قدرتهم على التسويق، وقدرتهم على الإدارة المالية.
وقد نوعت في مبادراتها لدعم قطاع تنمية اقتصاد الأسرة بتشجيع الأسرة المنتجة لتطوير عملها لتحصل على سجل تجاري وبالتالي تتحول المرأة إلى سيدة أعمال واستمراراً لهذه الجهود كانت هي الداعم الرئيسي لجمعية سيدات الأعمال البحرينية فهي الرئيسة الفخرية للجمعية.
من أطروحتها الاجتماعية تغير ثقافة المجتمع وتشجيعه على الزراعة بعد أن تراجعت ثقافة الزراعة في المجتمع البحريني نتيجة ظهور النفط، فأطلقت المبادرات المختلفة كالمنافسات، وبرامج التثقيف الزراعي، وإنشاء البرامج الأكاديمية المختصة في الزراعة، وغيرها وذلك بهدف التشجيع على الزراعة، وحيث إن منهجيتها في التغيير الاجتماعي تعتمد على النظرية التكامل الاجتماعي، والوصول لجميع طبقات المجتمع لذا شجعت على هواية الزراعة عن طريق تشجيع الاهتمام بالحدائق المنزلية، وفي الوقت نفسه شجعت على الزراعة الاحترافية بتشجيع إنشاء المشاتل والشركات الزراعية.
لتصل بذلك لجميع فئات المجتمع المختصين في مجال الزراعة وهواة الزراعة وعامة الناس.
إن التجديد الاجتماعي يحتاج لقنوات تبت من خلالها الأطروحات الجديدة والمبادئ والقيم الاجتماعية التي تتطلع سموها لتعزيزها من هنا كان اهتمامها بدعم قطاع المجتمع المدني فقد ترأست سموها فخرياً العديد من الجمعيات الخيرية ومنها على سبيل المثال: دار يوكو لرعاية المسنين، وجمعية البحرين لمكافحة السرطان، حيث تحرص سموها منذ إن كانت حرم سمو ولي العهد آنذاك على متابعة فعالياتها ومساندة أعمالها وأنشطتها كي تسهم بشكل مباشر في تطوير نوعية الخدمات الموجهة إلى قطاعات المجتمع المختلفة.
فالمجددة الاجتماعية صاحبة السمو الملكي تسلك جميع السبل للوصول للناس لتعزز أطروحاتها الاجتماعية الجديدة، وتصل إلى غايتها في التجديد الاجتماعي، فمن خصائص المجددين الاجتماعيين التواصل مع الناس بمختلف الوسائل.
والجدير بالذكر أن جميع هذه المبادرات والأطروحات الاجتماعية امتدت من المجتمع البحريني لتصل إلى المجتمع الخليجي، ومن ثم إلى المجتمعات العربية، ومما سبق يمكننا القول إن صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله، تعتبر مجددة اجتماعية معاصرة استطاعت إحداث تغيرات اجتماعية واضحة، وفي الوقت نفسه تقبل المجتمع أطروحاتها ولم يقابلها بالرفض والمقاومة، وأعلل ذلك بأنها تعتمد على نظرية التكامل الاجتماعي في التغير، فهي تعلن تمسكها بثوابت ثقافة المجتمع المسلم العربي البحريني وتنطلق منه في إحداث التغيير الاجتماعي.