تحتفل مملكة البحرين في 16 و17 من ديسمبر من كل عام بأعيادها الوطنية إحياء لذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح كدولة عربية مسلمة عام 1783 ميلادية، وذكرى تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم، في أجواء ينتظرها المواطنون والمقيمون للاحتفاء بتواريخ خالدة شكلت ولا تزال رمزا من رموز الهوية البحرينية، وحفرت في ذاكرة ووجدان شعب البحرين الكريم.

وتشكل الاحتفالات بالأعياد الوطنية، مناسبة لاستشعار قيمة العطاء والعمل الوطني الذي قدمه ولازال أبناء البحرين، كل في موقعه، لوطنهم، وتتويجا لما بذلوه من علم وخبرات ومهارات وعقول كان لها دور مهم في تحقيق الكثير من المنجزات والنجاح على مدار عقود، فمنذ تولي حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم تعيش المملكة حقبة ديمقراطية تاريخية نموذجية ورائدة في المنطقة، انطلقت بالتصويت الشعبي بأغلبية ساحقة على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98.4%، الذي أعاد صياغة الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مملكة البحرين، وتم على ضوء بنوده تنفيذ العديد من المكتسبات السياسية والاقتصادية ومنها عودة الحياة النيابية والتوسع في الحريات والترسيخ لقيم التعايش والأخوة الإنسانية، وتمكين المرأة والشباب ووضع خطط واستراتيجيات مرحلية تشمل مسارات متكاملة للمسيرة التنموية الشاملة بقيادة جلالة الملك المعظم.

وفي ظل الدعم الملكي السامي، واصلت المسيرة التنموية والديمقراطية في مملكة البحرين طريقها لترسم ملامح الحياة السياسية في البلاد، حيث بدأت أعمال الفصل التشريعي السادس بعد إتمام الانتخابات النيابية والبلدية وانتخاب أعضاء مجلس النواب وأعضاء المجالس البلدية، في استحقاق انتخابي تاريخي بلغت نسبة المشاركة الشعبية فيه 73.1 %، وشهد نسبة مشاركة كبيرة للمرأة البحرينية بلغت 48% سواء في الترشح والانتخاب أو الفوز بمقاعد نيابية وبلدية.

كما شهدت الانتخابات إقبالا لافتا من الشباب البحريني في التصويت وممارسة الحق الدستوري المكفول لهم، بنسبة مشاركة وصلت إلى 45%، وسط إشادات واسعة بنزاهة وشفافية العملية الانتخابية من قبل الجمعيات الأهلية المحلية لمراقبة الانتخابات، ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية والسياسية الدولية المتابعة للشأن البحريني.

تبع ذلك صدور الأمر الملكي بتعيين رئيس وأعضاء مجلس الشورى، ودعوة المجلس الوطني للانعقاد وعقد أولى جلساته الإجرائية، ليكتمل بذلك تشكيل المجلس الوطني بغرفتيه (النواب والشورى)، استعدادا لتدشين فصل تشريعي جديد يمارس دوره التشريعي والرقابي وفقا للدستور، عبر السنوات الأربع القادمة.

وبفضل سياستها الخارجية الناجحة ودبلوماسيتها الرصينة، حرصت مملكة البحرين على أن يستمر نهج الزيارات الرسمية المتبادلة بين قيادة المملكة وقيادات الدول الشقيقة والصديقة في إطار الانخراط الإيجابي والتفاعل المؤثر في محيطها الخليجي والعربي والإقليمي وشراكتها في المجتمع الدولي، الأمر الذي أثمر عن توقيع عشرات الاتفاقيات والبرامج التنفيذية ومذكرات التفاهم التي من شأنها الدفع بالتعاون المشترك بين المملكة وهذه الدول والمنظمات بما يحقق المصالح المتبادلة، ويصب في تعزيز الجهود الدبلوماسية على صعيد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

وفي سياق التعاون الدولي، تعمل المملكة على المساهمة في الجهود الدولية لتأمين وصول تدفق إمدادات سلاسل الغذاء، كما تواصل الجهود لتلبية متطلبات الأهداف الدولية للوصول إلى الحياد الصفري للكربون حفاظا على البيئة والحد من التأثيرات الكارثية لتغير المناخ.

ومع مضي مملكة البحرين بخطوات واثقة في تنفيذ رؤية البحرين الاقتصادية 2030 وفق الخطط التنموية والاستراتيجيات المرحلية وصولا لتحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة في شتى القطاعات المستهدفة، فقد تمكنت الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، ومن خلال الشراكات المثمرة مع القطاع الخاص من تنفيذ عدة مشروعات تنموية مستدامة في القطاع التجاري والاقتصادي لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات التمويل والتأمين والتطوير العقاري والسياحة والصناعات التحويلية، وتنويع مصادر الدخل غير النفطية، وتبني مبادرات الاستدامة وتوظيفها لخدمة الاقتصاد والتعليم والبيئة والتوسع العمراني.

واستطاعت مملكة البحرين بفضل السياسات المنهجية والتخطيط العلمي المواكب لمتطلبات العصر، من النجاح في تحقيق فائض في الموازنة العامة بمقدار 33 مليون دينار خلال النصف السنوي الأول من عام 2022، لأول مرة منذ عام 2008، ما يعكس حرص وإصرار الحكومة على عكس المسار التصاعدي للدين العام، وضبطه عند حدوده الآمنة، بالتوازي مع الالتزام ببرنامج التوازن المالي ومواصلة جهود تنويع مصادر الإيرادات العامة في إطار خطة التعافي الاقتصادي.

وشهد قطاع الاقتصاد الوطني نموا وريادة ملحوظة وقفزات سريعة سجلت نموا بنسبة 6.9 % في الربع الثاني من العام الجاري، محققا زيادة سنوية تعد الأعلى منذ العام 2011م بحسب تقرير وزارة المالية والاقتصاد الوطني، كما أعلنت هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية عن تجاوز حجم تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر 668 مليون دينار، بزيادة نسبتها 5.6%، بعد أن حققت أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر 12.59 مليار دينار في عام 2021.

وشهد القطاع السياحي في المملكة طفرة ملموسة، حيث أعلن مجلس الوزراء في ديسمبر الجاري أن إيرادات السياحة خلال الربع الثالث من عام 2022 حققت نموا قياسيا بمبلغ 1.2 مليار دينار بتجاوز إجمالي وصل إلى نسبة 110% وهي النسبة التي فاقت الهدف المحدد في الاستراتيجية السياحية الجديدة لمملكة البحرين 2022 – 2026.

إلى ذلك، حرصت الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على التركيز على القطاعات الحيوية الواعدة المعنية بالتحول الرقمي في الاقتصاد والإعلام والتجارة وتبني التكنولوجيا الحديثة في قطاع الاتصالات وتقديم الحلول الذكية في الخدمات الحكومية المتطورة المقدمة للمواطنين، واعتماد استخدام الطاقة النظيفة المتجددة إضافة إلى الدفع بالاستثمار في برامج التأهيل والتعليم والتدريب للكوادر البحرينية الشابة وتقديمها لسوق العمل بجودة ومهنية ومهارة تنافسية عالية، حتى باتت البحرين من بين أكثر الدول التي تتمتع بوجود كفاءات وطنية مؤهلة.

كما أولت الحكومة اهتماما كبيرا بالقطاع المالي والمصرفي والتكنولوجيا المالية بصفته أحد القطاعات النابضة في المملكة، وأكبر مساهم في الاقتصادي الوطني، حيث أسهمت السياسات الحكومية في إحداث تحسن كبير في التصنيف الائتماني للبحرين من قبل معظم وكالات التصنيف العالمية الكبرى، وجاء تعديل وكالة ستاندرد أند بورز نظرتها المستقبلية ‏للبحرين من مستقرة إلى إيجابية في أحدث تقاريرها للتصنيف الائتماني الصادرة في نوفمبر من العام الجاري.

وتصدرت مملكة البحرين الدول العربية ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المؤشرات التنافسية لقياس الحرية الاقتصادية في العالم لعام 2022 الصادر عن معهد فريزر، إضافة إلى تحسن أداء المملكة في مؤشرات الأداء الحكومي واستقرار السوق المالي وجذب الاستثمارات والعيش المشترك الآمن، وتطور البنية التحتية للاتصالات والأمن السيبراني، وهي جميعها عوامل مهمة تساعد على تعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في استدامة النمو وقوة الاقتصاد الوطني وثباته أمام ما يستجد من أزمات عالمية وتحديات متجددة.

وبالنظر إلى جهودها في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان، خطت مملكة البحرين بثبات في هذا المجال على كافة الأصعدة، بتعزيز الدعم من وزارة الخارجية لإبراز جهود البحرين سواء في الداخل أو الخارج، لاسيما بعد إقرار مجلس الوزراء الموقر في أغسطس من العام الحالي للخطة الوطنية لحقوق الإنسان 2022-2026، التي أعدتها وزارة الخارجية بالتعاون مع اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان.

وتضمنت الخطة الوطنية لحقوق الإنسان أربعة محاور رئيسية هي الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الفئات الأولى بالرعاية، وحقوق التضامن، في حين تم تصنيف 17 هدفا رئيسا، و34 هدفا فرعيا، و102 مشروع لتغطية ثلاث فئات رئيسة لتعزيز حقوق الإنسان وهي، (التشريعات، وبناء القدرات، وتطوير المؤسسات).

وعلى صعيد متصل وتعزيزا لمبادئ العهد الإصلاحي لجلالة الملك المعظم بما يسهم في تطوير منظومة العدالة الجنائية، جاء إنشاء وتشييد مجمع السجون المفتوحة لنزلاء العقوبات البديلة، وفق المعايير الحقوقية التي تضمن توفير كافة الحقوق والخدمات للنزلاء، وتطبيق معايير حقوقية مدروسة بدقة، إضافة إلى تزويده بأحدث النظم التقنية والتعليمية والمرافق المعيشية والخدمات الرياضية والترفيهية.

ويعتبر هذا المشروع الحضاري والإنساني، رافدا في تطوير منظومة العدالة الجنائية ومواصلة الجهود الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان، كما يأتي استكمالا للنجاحات التي تحققت في مشروع العقوبات البديلة، ويشكل إنجازا نوعيا ومشرفا في ملف حقوق الإنسان وتعزيز مكانة المملكة وسمعتها المرموقة إقليميا ودوليا.

وإيمانا منها بمبادئ احترام الحريات التي كفلها الدستور البحريني، أطلقت مملكة البحرين مبادرات دولية للعيش السلمي والتسامح التي تدعو إلى احترام الأديان وتقبل اختلاف الثقافات والمعتقدات والتعددية في سبيل تحقيق السلام والوئام بين مختلف الشعوب والمجتمعات، ونجحت في تحقيق ريادة غير مسبوقة في أن تصبح نموذجا حيا للتعددية، وواحة للسلام والتعايش الآمن.

وفي هذا النطاق، جاءت الزيارة التاريخية الأولى لقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان إلى البحرين بدعوة من جلالة الملك المعظم مطلع نوفمبر من العام الحالي، وانعقاد "ملتقى البحرين للحوار" بالتزامن، بمشاركة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين.

كما أعلنت مملكة البحرين عن إنشاء "جائزة الملك حمد الدولية للحوار والتعايش السلمي" بمناسبة زيارة بابا الفاتيكان واستضافة ملتقى الحوار، تتويجا للجهود الكبيرة التي تبذلها في مجال العيش المشترك، والحوار بين قادة الأديان والطوائف، وترسيخ قيم الإخوة الإنسانية، وانسجاما مع مبادئ إعلان مملكة البحرين للتعايش "، الذي تم تدشينه عام 2017م في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية.

مملكة البحرين استطاعت أن تثبت للعالم أجمع، أنها قادرة على تصدير قصص النجاح الملهمة، وأنها ماضية في تحقيق الإنجازات والسعي للريادة الإقليمية والدولية في العديد من المجالات، وحجز مكان لها في صفوف الدول المؤثرة، بفضل القيادة الحكيمة المستنيرة لقائد مسيرتها التنموية جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، والرؤية الواعية المتطلعة نحو المستقبل لصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وبسواعد الجهود الوطنية المخلصة لفريق البحرين، من جميع أبناء وبنات البحرين الذين قبلوا التحدي وحملوا الأمانة، وتحملوا المسؤولية وحققوا النجاح تلو الآخر من أجل نهضة وبناء الوطن ورفع رايته في مختلف المحافل بكل الفخر والاعتزاز.