اثنان وعشرون عاماً مضت على صدور ميثاق العمل الوطني في 14 من فبراير عام 2001، والذي شكل انطلاقة لنهضة وطن قادها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، لتكون عنوانا لمسيرة تنموية شاملة ومستدامة شملت جميع القطاعات في مملكة البحرين، واستطاعت أن تكرس دعائم الديمقراطية الحديثة ضمن أطر دولة القانون والمؤسسات بدعم ومساندة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.
ومع الاحتفال بالذكرى السنوية لصدور ميثاق العمل الوطني، نستذكر قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه للمسيرة التنموية الوطنية بحكمة بالغة ورؤية ثاقبة استشرافية للمستقبل، أعادت صياغة الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمملكة البحرين، وحققت الريادة للمملكة في عملية الإصلاحات الشاملة التي أفرزتها بنود ميثاق العمل الوطني على النحو الذي حقق لها التميز على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
فقد شهدت مملكة البحرين منذ تدشين الميثاق أحد أبرز المكتسبات الديمقراطية، حيث جاء الميثاق كمرتكزٍ لتعزيز الحياة النيابية والعمل الوطني الديمقراطي بمشاركة كافة أطياف المجتمع عبر الانخراط في عملية ديمقراطية تحت مظلة المؤسسات الدستورية، ووفق أنظمة وأطر تتسم بالنزاهة والشفافية.
وقد أرسى ميثاق العمل الوطني الأسس الراسخة لمسيرة العمل الديمقراطي من خلال تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يضمن مزيداً من التوازن والتعاون فيما بينهما، وإرساء المجلس الوطني بغرفتيه: "مجلس النواب" و"مجلس الشورى" ليشكلا معاً مجلساً وطنياً يعبر عن تطلعات وطموحات شعب البحرين بمختلف مكوناته في إطار من التكامل الديمقراطي، الذي يؤكد على ريادة مملكة البحرين في المنطقة.
وقد تمكن المجلس الوطني بغرفتيه من تطوير منظومات القوانين والتشريعات عبر سن منظومة كبيرة من التشريعات وتعديلها وإعادة تنظيم القوانين إلى جانب مناقشة ملفات حيوية تتصل بمجالات عدة بالتعاون مع السلطة التنفيذية.
وبالتوازي مع مسيرة العمل النيابي، استطاعت المجالس البلدية في مختلف محافظات المملكة، إحداث نقلة نوعية في جودة الخدمات البلدية المقدمة للمواطنين بما يتناسب مع التطور العمراني والحضاري وآليات تطوير تلك الخدمات، وبما يستكمل ريادة التجربة البلدية لمملكة البحرين التي بدأت في عشرينيات القرن الماضي.
وقد شكلت التعديلات الدستورية الأولى التي صادق عليها جلالة الملك المعظم عام 2002، والتعديل الدستوري الثاني في عام 2012 ترجمة فعلية لما تضمنته بنود ميثاق العمل الوطني، حيث عكست تلك التعديلات إرادة مشتركة بين جلالة الملك المعظم وشعب البحرين الكريم على الانتقال بالوطن إلى حقبة دستورية لدولة عصرية، زادها قوة الإجماع التاريخي بنسبة 98,4 % في التصويت بنعم على الاستفتاء الشعبي على الميثاق في 14 فبراير 2001، وهو ما أفرز بطبيعة الحال سلسلة من الإصلاحات والمبادرات التي قادت لكثير من المنجزات في المسيرة التنموية لمملكة البحرين.
وكثمرة لتلك التعديلات الدستورية جاء إنشاء "المحكمة الدستورية العليا" بمقتضى المرسوم الملكي رقم 27 لسنة 2002 والمعنية بالفصل في القضايا والمخالفات المتعلقة بنص الدستور البحريني. كما صدر تباعاً قانون تنظيم السلطة القضائية في العام نفسه، واشتمل على مجموعة من المرئيات المتعلقة بتعزيز الاستقلالية المالية للسلطة القضائية، وهو ما أدى إلى إجراء تعديلات تالية تم إقرارها بموجب مرسوم بقانون رقم (44) أصدره جلالة الملك المعظم عام 2012 ، لضمان أقصى درجات الاستقلالية المالية والإدارية للقضاء وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث المنصوص عليه في الدستور.
كما تم إنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وتأسيس منظومة النيابة العامة، وتعزيز العمل بمبدأ سيادة القانون، وإنشاء محكمة الأسرة، وإصدار قانون الأسرة وقانون حماية الطفل وأخيراً إنشاء محكمة خاصة بالأطفال الحدث.
وتفعيلاً لمضامين ميثاق العمل الوطني، استطاعت مملكة البحرين أن ترسي مقومات حديثة لمبادئ حقوق الإنسان وتكريس الحريات الشخصية والعامة على نحو غير مسبوق، عبر حزمة من التشريعات، وإنشاء عدد من المؤسسات المدنية التي عززت من خلالها ترسيخ النهج الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان وحرياته، حيث نجحت المملكة في إنجاز تلك الخطط الطموحة على مدار السنوات الماضية ساعدها في ذلك الانضمام لأكثر من ثلاثين اتفاقية حقوقية إقليمية ودولية.
ولعل من أهم التشريعات الرائدة والمطبقة مؤخرًا بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، تطبيق العمل بقانون العقوبات والتدابير البديلة كحقوق مكفولة للسجناء، وأيضاً إنشاء مراكز الإصلاح والسجون المفتوحة والتي افتتحت مؤخرا في البحرين وصممت بمواصفات تلبي الاحتياجات النفسية والصحية والبدنية والترفيهية للنزلاء والمحكومين ووفقاً لأفضل المعايير الدولية لضمان الحفاظ على حقوق السجناء.
كما جاء إصدار قانون العدالة الإصلاحية للأطفال والأحداث وحمايتهم من سوء المعاملة، إلى جانب كفالة دستور مملكة البحرين وميثاق العمل الوطني لجميع المواطنين والمقيمين حق الحريات الدينية وممارسة العبادة، في إطار ممارسة المجتمع للمواطنة المسؤولة وأنماط العيش المشترك، والتسامح، والتعددية والحريات.
كما كانت مملكة البحرين أول دولة عضو بمجلس حقوق الإنسان بجنيف التي تخضع لعملية المراجعة الدورية الشاملة، عندما قدمت المملكة تقريرها الأول للمجلس عام 2008 حيث استطاعت إثبات التزامها بتعهداتها الدولية في هذا المجال على اعتبار انها من الأولويات الوطنية.
لقد نجح ميثاق العمل الوطني في رسم خارطة طريق استشرافية لمستقبل ينعم بالازدهار والاستقرار والرخاء والاستدامة، وها هي مملكة البحرين تجني ثمار هذا المشروع الديمقراطي الشامل عاماً تلو الآخر، تحقيقاً لمزيد من مكتسبات المسيرة التنموية الوطنية وفقاً لرؤية المملكة 2030 بمزيد من الثقة والإصرار على النجاح وتحقيق الريادة.