على الرغم من تبرئة المتسبب في الحادث المروري، إلا أن محكمة الاستئناف العليا المدنية قضت بتعويض المصاب في الحادث بمبلغ 5000 دينار، وألغت حكم المحكمة الكبرى المدنية التي قضت برفض الدعوى، وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إن المحكمة الجنائية لم تفصل في الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وأن الأساس المدني هو الخطأ المفترض في حق حارس السيارة ومسؤوليته.

وتتحصل وقائع الدعوى فيما ذكره المحامي محمود ربيع وكيل المستأنف، بأن موكله كان يحاول عبور الشارع واصطدم به سائق السيارة المستأنف ضده، وأحيل الأخير للمحكمة الجنائية والتي برأته من التسبب بخطئه في الواقعة، لأن المجني عليه حاول عبور الشارع من منطقة غير مخصصة لعبور المشاة، وعندما تم رفع دعوى مدنية للمطالبة بتعويض عن الإصابة التي حدثت جراء الحادث المروري، رفضت المحكمة المدنية الدعوى، فتم الطعن عليها بالاستئناف.

وأشار ربيع إلى أن الحكم الجنائي الصادر بالبراءة قد تأسس على الشك والريبة الذي اختلج في ضمير المحكمة، وليس على أساس استغراق خطأ المجني عليه لخطأ المتهم وليس على أساس نفي علاقة السببية بين الفعل والنتيجة لقيام السبب الأجنبي، وبالتالي هذا الحكم لا يمتد إلى نفي الخطأ المفترض في حق حارس السيارة افتراضاً لا يقبل إثبات العكس، والمستأنف المصاب في الحادث أسس دعواه الماثلة على المسؤولية المفترضة التي لا تنتفي إلا إذا أثبت الحارس أن سبباً أجنبياً هو الذي أدى إلى وقوع الحادث وهو ما خلت منه الأوراق ومدونات الحكم الجنائي.

وأضاف وكيل المصاب: «يحق للمستأنف مطالبة المتسبب في الحادث وشركة التأمين بالتضامم بالتعويض على الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به على أساس المسؤولية المفترضة -حراسة الأشياء- وعلى أساس الدعوى المباشرة الناشئة قِبل المؤمن بموجب عقد التأمين وقانون التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات».

واختتم ربيع بالقول إن المسؤولية المقررة في القانون المدني تقوم على أساس خطأ مفترض وقوعه من حارس الشيء افتراضاً لا يقبل إثبات العكس وترتفع عنه هذه المسؤولية إذا أثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه وهذا السبب لا يكون إلا قوة قاهرة أو خطأ المضرور أو خطأ الغير، ولا يعتبر الفعل سبباً أجنبياً إلا إذا كان خارجاً عن الشيء فلا يتصل بتكوينه ولا يمكن توقعه أو دفعه أو درء نتائجه ويؤدي مباشرة إلى وقوع الحادث وإنه وإن كان لمحكمة الموضوع تقدير ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر سبباً أجنبياً ينقضي به الالتزام وتنتفي به المسؤولية إلا أن ذلك مشروط بأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.

وقالت المحكمة في أسباب الحكم إن الثابت من مطالعة الحكم الجنائي ببراءة المتسبب في الحادث والذي أضحى باتاً قد استند على التشكك في ارتكابه الواقعة ووقف الحكم عند هذا الحد دون أن يُثبت ويُصرح بأن الحادث وقع نتيجة السبب الأجنبي، مما مؤداه أن المحكمة الجنائية لم تفصل في الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية الراهنة لأن قوام الأولى خطأ جنائي واجب الإثبات ومنسوب إلى مرتكب الحادث في حين أن قوام الثانية خطأ مفترض في حق الحارس ومسؤوليته التحقق ولو لم يقع منه أن من تابعه خطأ شخصي لأنها مسؤولية ناشئة عن حراسة الشيء وليست ناشئة عن الجريمة بما لا يمنع المحكمة المدنية الراهنة من بحث تلك المسؤولية المفترضة والقضاء بالتعويض حال ثبوتها.

وأضافت المحكمة أن المتسبب في الحادث لا يُنازع في أن السيارة كانت تحت قيادته وسيطرته الفعلية وقت الحادث وهو ما يوجب عليه بذل عناية خاصة لمنع وقوع أي ضرر بسببها يلحق الغير وأن الدعوى قد أقيمت تأسيساً على المسؤولية الشيئية ومن ثم يعد الخطأ مفترضاً لا يقبل إثبات العكس بحسبانه الحارس على السيارة التي تتطلب عناية خاصة لدرء الخطر على الآخرين، ولما كانت الدعوى قد أُقيمت بطلب التعويض عن الأضرار نتيجة خطأ قائد السيارة المؤمنة لدى شركة التأمين بعدم اتخاذه العناية وعدم الالتزام بالحيطة والحذر أثناء قيادة السيارة فاصطدم بالمستأنف المصاب مما نتج عنه إصابته إصابات بليغة حسب ما انتهى إليه تقرير اللجان الطبية التي تطمئن إليه المحكمة، الأمر التي تخلص معه المحكمة إلى مسؤولية المتسبب في الحادث بصفته حارس السيارة مرتكبة الحادث والمؤمن عليها لدى شركة التأمين ومن ثم فيكونان ملزمين بالتضامم فيما بينهم بتعويض المصاب تعويضاً مادياً وأدبياً.