محمد الرشيدات
البحرين تستورد «مبشور المطّاط» فقط لأرضيات الملاعب
بات التلوث البلاستيكي يمثل تحدياً من التحديات الكبيرة التي تواجه دول العالم كافّة، فالجهود الدولية التي تُبذلُ برعاية من قبل الأمم المتحدة توضع في مقام إنهاء التلوث البلاستيكي بما في ذلك تلوث البيئة البحرية وغيرها من البيئات، حفاظاً على عافية الأرض وانتشائِها.
مقابل ذلك، تتبنى البحرين رزمةً من المبادرات الهادفة الموجّهة للحد من الأضرار البيئية الناتجة عن المخلّفات البلاستيكية، والمنسجمة مع التوجهات الأممية وأهداف التنمية المستدامة، ومع الاستراتيجية الوطنية لإدارة المخلفات كذلك، حيث تدأب الحكومة ممثّلةً بوزارة النفط والبيئة، بالتعاون مع المجلس الأعلى للبيئة، وبالتنسيق مع جميع الوزارات والجهات الحكومية والقطاع الخاص لاتخاذ الخطوات اللازمة للتقليل من استخدام العبوات والأكياس البلاستيكية المخصّصة للاستخدام مرة واحدة، غير القابلة للتحلل داخل المنازل والمجمّعات والأسواق التجارية ومنع استيرادها،إذ أصدر المجلس الأعلى للبيئة دليلَ ترخيصٍ للمنتجات البلاستيكية للمصنّعين والمورّدين حتى تكون الإجراءات سلسة، وغير مؤثرة عليهم ولا على المستهلكين، ناهيك عن وضع تشريعات نافذة معززة لمبدأ الاستثمار في تدوير المخلّفات البلاستيكية لتقليل كمّياتها، إذ وبالتفاهم مع القطاع الخاص تمّ وضع حاويات فرزٍ للمخلفات البلاستيكية وغيرها من المخلفات القابلة لإعادة التدوير في المباني والمنشآت الحكومية والخاصة أيضاً، وذلك في إطار حماية البيئة.
إلى جانب ذلك، وفي جزئيّتي التصدير والاستيراد، تكتفي البحرين باستيراد مادّة «مبشور المطّاط» المكوِّن للنجيل الصناعي الذي يُستخدم لأرضيات الملاعب ولمراكز اللياقة البدنية، وتلتزم البحرين بتنفيذ القوانين والتشريعات وحتى الاتفاقيات البيئية الدولية.
استطراداً على ما سبق، ووفق نتائج دراسة كان قد أجراها موقع «Our World in data» البريطاني الذي يتناول أبرز القضايا العالمية الكبرى مثل الفقر والمرض والجوع وتغير المناخ وغيرها، بيّنت، أن أكبر حصة من البلاستيك التي تدخل المحيطات تأتي من الأنهار المتواجدة في قارّة آسيا بنسبة 80%، و 20% منها تأتي من الأنهار عبر أوروبا وأمريكا الشمالية، وهذا يشير إلى أن أغنى دول العالم لا تساهم كثيراً في مشكلة التلوث البلاستيكي.
وفي خضمّ التوجّه العالمي الذي يُداري رقّة البيئة وينأى بطبيعتها عن كل المخاطر التي قد تستوطن بَرّها وبحرها وجوّها، تطفو على السطح سياسات وبرامج تُحاكي كيفية التعامل مع مكامن المشاكل البيئية العالقة ضمن سماء الأرض وما تحتها.
ولعل لتلك السياسات وجهان، أحدهما نافع، والآخر قد يراوح مكان الخطر، خصوصاً إذا ما تمّ الاستثمار فيها والاستفادة منها بأسلوب علمي ومدروس يعي أهمية العائد من النفايات البلاستيكية على وجه التحديد، ويعلم حجم مساهمتها في اقتصاد أي دولة بعد تدويرها وتجزئتها ووضعها في مسار خطٍّ، لاضَرر من الإنسان يُحدثه بالبيئة فينقصها حقّها، ولا ضِرار بمجازاتها بأقلّ ما تستحق.
على ذات الصعيد ما يتم التطرّق إليه، تتوجّه أغلب دول العالم إلى توظيف المواد البلاستيكية التي يتم استهلاك منتجاتها بعد رميها من قبل الساكنين داخل مجتمعاتها في أماكن مخصصة لذلك، هادفةً إلى إعادة تدويرها وإحلال صياغة جديدة عليها لاستخدامها في سلع أخرى، أو عبر تصديرها، ومن الممكن جدّاً استيرادها لتنشيط الصناعات التحويلية إذا اكتشفت نقصاً في مخزونها، بما يضمن تحقيق فوائد اقتصادية للبلدان التي تبرع في كيفية التعامل مع أهمية مادة البلاستيك، وهذا غالباً ما يكون أرخص من شراء أو تصنيع المواد البلاستيكية الخام من الصفر.
إن استغلال البلاستيك وتخصيصَ رقم صعب له في حسابات الاقتصادات النشطة، يُنظر إليه على أنّه مدعاةٌ حقيقية لتحويله من مصدر تلوث يهدد التوازن البيئي، إلى حجم فائدة بيئية وتجارية تكون نتاج اتباع أفضل الأنظمة في إدارة النفايات التي يختلف مكان منبعها، وحتى الوجهة التي ستؤول إليها، فمنها من تدخل المحيطات والبحار مستهدفةً الحياة البحرية المتنوعة، ومنها من ينتهي المطاف بها لتتخذ مكاناً من الشوارع الرئيسية والفرعية المتواجدة داخل كبرى الدول المكتظة بالسكّان، الأمر الذي ينبؤ بحدوث مكارهَ صحيّة وتفاعلات كيميائية تستهدف حياة الكائنات الحيّة بالدرجة الأولى.
وعليه، يجب أن تتم معالجة معظم النفايات في العالم محلياً، وذلك يتطلب توسيع نطاق أنظمة إدارة النفايات في البلدان الغنية، والأهم من هذا، تحسين البِنية التحتية، واستحداث ممارسات ذات جدوى بين طُرُقِ إدارة المخلّفات البلاستيكية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث ينشأ معظم التلوث البلاستيكي، خصوصاً بعد استيرادها للنفايات من هذا النوع بكميات كبيرة دون تحديد آلية محددة لتصريفها وكيفية استغلالها الاستغلال الأمثل، فمنها من يتم رميه بنسبة 5%، والبعض الآخر يُستفاد منه تجارياً.
وفي أفضل السيناريوهات، فإن حوالي مليون طن من النفايات التي تتم إدارتها بشكل سيئ ينتهي بها الأمر في المحيطات سنوياً، وهذا ما دفع بعض البلدان إلى التقليل أو حظر واردات البلاستيك من الدول المصدّرة، لتنخفض كميات تداولها بين الدول بمقدار الثلثين،في سبيل إنقاذ المحيطات ومعالجة التلوث الحاصل فيها.
وأشارت الدراسة أيضاً، إلى أن العالم يولّد حوالي 350 مليون طن من المخلّفات البلاستيكية سنوياً على مستوى العالم في حدود عام 2022، وأن 7 ملايين طن من النفايات البلاستيكية تم «تداولها»، أي بنسبة 2%، أما الـ98% المتبقية فتتم معالجتها محلياً بعد أن يتم إرسالها إلى مكب النفايات لتدويرها أو حرقها في البلد الذي تم توليد النفايات فيه، وهذا ما يشير إلى أن بعضاً من دول المعمورة تصدّر جزءاً قليلاً من مخلّفاتها البلاستيكية، والبعض الآخر يُعتبر أكبر مُصَدّرٍ لها وعبر جميع وسائل النقل، كمثل هولندا التي قامت بتصدير ما يزيد على 676 ألف طن في العام 2022، لتليها اليابان في المرتبة الثانية عالمياً بكميّة تصديرٍ للنفايات وصلت إلى 563 ألف طن.
أمّا عربياً، فجاءت تونس بالمرتبة الأولى بمقدار 39 ألف طن، وبعدها لبنان بـ16 ألف طن، ومن ثَمَّ موريتانيا، والمغرب، والإمارات، والأردن، وغيرها من الدول العربية.
إحصائيات أخرى ضمّتها الدراسة سلّطت الضوء على أبرز الدول المستوردة للنفايات البلاستيكية، والتي أظهرت أن هولندا إلى جانب احتلالها المرتبة الأولى عالمياً في تصدير هذا النوع من النفايات، أيضاً هي في مقدّمة الدول المستوردة لها بما يصل إلى 974 ألف طن سنوياً، أي بنسبة 18.4% من مجموع ما يتم تداوله من النفايات دولياً، لتأتي الهند الأولى آسيوياً بـ 80 ألف طن سنوياً.
وبلغت كمّيّة ما تستورده مصر حوالي 10578 ألف طن، ومن ثَمَّ المغرب بـ9271 ألف طن، والإمارات بـ2500 ألف طن، لتليها باقي الدول التي تفاوتت كميات استيرادها من النفايات البلاستيكية في 2022.