حمدي عبدالعزيز
العاهل أول رئيس دولة خليجي يستقبله الملك تشارلز في 5 مايو 2023
- الزيارات المتبادلة للعائلتين الملكيتين تميّزت بالودّية لتقارب الاهتمامات
- 500 مليون دولار التبادل التجاري بين البلدين خلال الأعوام الماضية
- توقيع اتفاقية التجارة الحرة الخليجية البريطانية سيخلق فرصاً واعدة للاستثمار
- العلاقات الثنائية تؤكد دائماً أن الأمن والسلام ركيزتان أساسيتان للتنمية
- العلاقات المشتركة تأخذ منحى تاريخياً ثقافياً قبل كونها سياسية تجارية
تمتد العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة، لأكثر من 200 عام، وتستند إلى أسس متينة من الصداقة والاحترام المتبادل، حيث تعتبر المملكة المتحدة حليفاً استراتيجياً مهماً لمملكة البحرين، وقد تميزت هذه العلاقات في مضامينها ومساراتها خلال العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، حيث يعتبر جلالته أول رئيس دولة خليجي يستقبله الملك تشارلز الثالث يوم 5 مايو 2023 في قصر باكينجهام بمناسبة تتويجه.
وتؤكد المحطات التاريخية المتميزة والمؤطّرة بالزيارات المتبادلة واتفاقات التعاون ما وصلت إليه العلاقات الثنائية من تقدم وتطور مستمر يدفع بها نحو آفاق أوسع، حيث بدأت مع توقيع المعاهدة العامة للسلام عام 1820، وتوطّدت عبر معاهدات 1861، 1880، و1892، ما عزز الاستقرار والأمن في المنطقة، وشهدت زيارات متبادلة بين العائلتين الملكيتين اللتين ترتبطان بعلاقات وثيقة وغاية في التميز، أبرزها زيارة الملكة إليزابيث الثانية للبحرين «فبراير 1979».
وطوال هذه المحطات، حرصت البحرين على تعزيز التعاون المشترك بين البلدين الصديقين في المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية بما يعود بالخير والازدهار على البلدين والشعبين الصديقين، وفي هذا الإطار نقلت المملكة المتحدة قاعدتها البحرية الرئيسة في الخليج إلى البحرين عام 1935، ما عزز التعاون الدفاعي بين البلدين، وتم توقيع اتفاقيات لتعزيز وحماية الاستثمارات في عام 2006، واتفاقيات تعاون بين بورصتي البلدين في عام 2007، ما ساهم في تعزيز العلاقات على المستويات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والثقافية والتعليمية.
ومنذ تولي جلالة الملك تشارلز الثالث العرش، تشهد تلك العلاقات مزيداً من التفاهم والتنسيق بين البلدين استناداً إلى علاقات قوية مع البحرين وزيارات مستمرة، بدأت بزيارة رسمية عندما كان الملك تشارلز ولياً للعهد البريطاني بصحبة الملكة الراحلة للبحرين في فبراير 1979، ثم زيارة ثانية عام 1986 في إطار جولة خليجية، أما الزيارة الثالثة فكانت في 26 فبراير 2007 في إطار جولة خليجية أخرى استمرت عشرة أيام.
وامتزجت الزيارات المتبادلة بين العائلتين الملكيتين بالطابع الرسمي والودي معاً، حيث ساهم التقارب في الاهتمامات والهوايات الرياضية التي جمعت بين جلالة الملك المعظم وجلالة الملكة الراحلة إليزابيث في توطيد العلاقات في مختلف المجالات، وقام جلالة الملك المعظم بعدة زيارات لبريطانيا منها حضور جلالته لمهرجان وندسور الملكي للفروسية في مايو 2022 بدعوة من الملكة إليزابيث الثانية، ثم حضور جلالته تتويج الملك تشارلز في باكينجهام، في إطار زيارات لا تنقطع كونها انعكاس لعمق ومتانة العلاقات التي تربط العائلتين المالكتين والمملكتين الصديقتين.
وشيّدت هذه العلاقات التاريخية والاستراتيجية، لعلاقات ثنائية قوية تخدم التنمية المستمرة والتعاون على أصعدة متعددة، ويتجلى ذلك في متوسط حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي يبلغ نحو 500 مليون دولار سنوياً خلال الأعوام الـ3 الماضية، ومن المتوقع أن يشهد ارتفاعاً متواصلاً حيث تسعى بريطانيا منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي عام 2016، إلى البحث عن شركاء اقتصاديين جدد.
وكان وزير الدولة البريطاني للسياسات التجارية غريغ هاندز، أشار يوم 28 فبراير الماضي، على هامش الاجتماع الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية في أبوظبي، إلى أن التجارة الحرة مع دول الخليج تمثل أهمية بالغة لبلاده، حيث يصل حجم التبادل التجاري بين بريطانيا ودول الخليج إلى 59 مليار جنيه إسترليني سنوياً «74.64 مليار دولار»، مشيراً إلى أن إنشاء منطقة تجارية حرة بينهما قد يؤدي إلى زيادة حجم التجارة بنسبة تقدر بنحو 16%، مما يبرز أهمية هذه الاتفاقية.
ويعتبر مجلس التعاون الخليجي الشريك التجاري السابع للملكة المتحدة، وتتيح اتفاقية التجارة الحرة المرتقبة بينه وبين المملكة المتحدة الارتقاء بحجم التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات بين الجانبين، كما تخلق فرصاً واعدة لزيادة التبادل التجاري والاستثماري وتوسيع أفق التعاون الخليجي البريطاني عموماً، وبين مملكة البحرين والمملكة المتحدة على وجه الخصوص.
وتشمل الاتفاقية المرتقبة 3 مجالات وهي: السلع والخدمات والاستثمارات، وفيما يتعلق بالخدمات، فالخدمات المالية يمكن أن تكون قوية جداً، حيث يملك الطرفان قطاعات قوية للخدمات المالية، ويمكن أن توفر المملكة المتحدة الكثير من الخدمات الأخرى.
أما السلع والاستثمارات، فقد أنشأت العديد من الشركات البريطانية الرائدة وجوداً مهماً لأعمالها في البحرين، مثل: «يونيليفر»، و«ديلويت»، و«إرنست أند يونغ»، و«ستاندرد تشارترد»، و»إتش إس بي سي»، و«ريكيت بنكيزر»، و«موت ماكدونالد»، و«بي دبليو سي»، كما أطلقت «بي دبليو سي ميدل إيست» مركزاً إقليمياً للخدمات في البحرين.
وفيما يتعلق بالجوانب الأمنية والاستراتيجية، تقوم القوات البريطانية بمشاركة دول المنطقة والدول الصديقة بدور كبير في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وفتح وحماية حرية الملاحة البحرية في الممرات الدولية، ومنع التصعيد العسكري.
ومن المتوقع أن تؤكد زيارة جلالة الملك المعظم ومباحثات جلالته مع الملك تشارلز الثالث على أن الأمن والسلام ركيزتان أساسيتان للتنمية، إلى جانب مناقشة القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، واستعراض سُبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين بما يحقق التطلعات المشتركة.
إن العلاقات البحرينية البريطانية تأخذ منحى تاريخياً ثقافياً، قبل كونه سياسياً تجارياً؛ وهو ما سينعكس بشكل أكثر إيجابية على العلاقات الثنائية بين المملكتين، وتعزيز التنمية المستدامة وحفظ خطوط التجارة الدولية ونزع فتيل الأزمات والحروب.