أمل محمد أمين

يُعد اليوم العالمي لذوي الهمم مناسبة مهمّة لتجديد الالتزام المجتمعي تجاه فئة تمتلك من القدرات والإبداعات ما يجعلها شريكاً كاملاً في بناء المجتمع، إذا ما توافرت لها البيئة الداعمة التي تتيح المشاركة والفرص المتكافئة. فالاحتفاء بهذه المناسبة لا يقتصر على كلمات تقدير، بل يمتد ليشمل ممارسات عملية في الأسرة، والمدرسة، والشارع، وسوق العمل، لضمان دمجهم بصورة فعّالة تراعي حقوقهم وكرامتهم الإنسانية.

- التعامل مع ذوي الهمم داخل الأسرة:

الأسرة هي اللبنة الأولى التي تُبنى عليها شخصية الفرد، ولذلك فإن تعاملها مع ذوي الهمم يحدد الكثير من مسارهم المستقبلي. ويقوم التعامل الأسري السليم على عدة أسس منها، أبرزها، تقبّل الطفل ودعمه نفسيًا، حيث يحتاج الطفل من ذوي الهمم إلى الشعور بأنه محبوب ومقبول دون مقارنة بغيره، وأن اختلافه ليس نقصًا، بل شكل آخر من أشكال التنوع البشري.

كما يجب تعزيز استقلاليتهم ومنحهم الفرص للقيام بمهام حياتية بسيطة تتطور تدريجياً، بما يناسب قدراتهم، مما يدعم ثقتهم بأنفسهم ويُعدّهم للحياة العامة.

وإن الكثير من ذوي الهمم يمتلكون مواهب في الفن أو التكنولوجيا أو الرياضة، ولا بد أن تدعم الأسرة هذا الجانب بتوفير الأنشطة المناسبة.

ولتعزيز مهاراتهم لا بد من التواصل الإيجابي، حيث يُفضّل استخدام لغة بسيطة وواضحة، ومراعاة الأسلوب الأنسب للتواصل حسب نوع الإعاقة، سواء كانت بصرية أو سمعية أو نمائية.

أما بالنسبة لدمج ذوي الهمم داخل المدرسة فعلينا أن نضع في الاعتبار أن المدرسة ليست مكاناً للتعليم فقط، بل مؤسسة تُسهم في تشكيل الهوية الاجتماعية. وهنا تظهر أهمية التعليم الدامج القائم على المساواة.

و لتوفير بيئة تعليمية مرنة ويتطلب ذلك وجود مناهج تتكيف مع احتياجاتهم..أدوات تعليمية مساعدة (مثل وسائل برايل أو مترجمي لغة الإشارة).. فصول مهيأة فيزيائيًا للحركة والتنقل. أما المعلم وهو محور العملية، وبالتالي يحتاج إلى مهارات خاصة في التعامل مع التحديات السلوكية والتعليمية، وكيفية تحفيز الطلاب من ذوي الهمم.

تشجيعهم على الاندماج مع أقرانهم و على المشاركة في الأنشطة الفنية والرياضية يخلق علاقة طبيعية بين الطلاب ويزيل الصور النمطية.

ومن الضروري أن تكون المدارس أماكن آمنة تتبنى سياسة واضحة لمواجهة التنمر اللفظي أو الجسدي والذي قد يتعرض له ذوو الهمم.

وإن نجاح دمج ذوي الهمم لا يتحقق إلا إذا أصبحت المؤسسات والبيئة العامة مهيأة للجميع دون استثناء.

ولا بد من تعزيز الوعي المجتمعي من خلال نشر ثقافة قبول الاختلاف، واعتبار الإعاقة مسألة تتعلق بالبيئة غير المهيأة، لا بالشخص ذاته.

وفي سبيل تمكينهم اقتصاديا يمكن العمل على تدريبهم مهنيا، وتوفير وظائف تناسب قدراتهم، ودعم مشروعاتهم الصغيرة، وهو ما يحقق لهم الاستقلال ويثري المجتمع.

كذلك تعديل البنية التحتية يجب أن تكون المباني، والطرقات، ووسائل النقل، والخدمات الحكومية مهيأة للوصول، بما يضمن حرية الحركة دون عوائق.

و دعم المشاركة في الأنشطة العامة مثل الفنون، والرياضة البارالمبية، والفعاليات الثقافية، لإبراز قدراتهم وإتاحة منصات للتعبير عن أنفسهم.

إن دمج ذوي الهمم ليس مسؤولية مؤسسة أو فئة بعينها، بل مسؤولية الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، وصناع القرار.

فكل خطوة نحو التمكين تُعد ربحًا للجميع؛ لأنها تفتح المجال لإسهامات فئة عظيمة أثبتت مرارًا قدرتها على الإبداع وتجاوز التحديات.

ولعل من أروع ما يضيء هذه المناسبة قصص النجاح التي أثبتت أن الإرادة أقوى من التحديات. فهناك نماذج ملهمة من ذوي الهمم استطاعوا تحقيق إنجازات بارزة في مختلف المجالات. من بينهم الرياضيون البارالمبيون الذين رفعوا اسم بلادهم عالياً في البطولات الدولية بفضل عزيمتهم وتدريبهم المستمر، رغم التحديات الجسدية. وهناك أيضاً مبدعون في مجالات الفن، مثل الرسامين والموسيقيين الذين حوّلوا إعاقتهم إلى مصدر قوة وإبداع، وأثبتوا أن الفن لغة قادرة على تجاوز كل الحدود. كما برز الكثير من الشباب في مجالات التكنولوجيا والبرمجة وريادة الأعمال، حيث استطاعوا تأسيس مشاريع ناجحة أو ابتكار حلول رقمية تخدم المجتمع، مستفيدين من قدراتهم الفريدة وطرق تفكيرهم المختلفة.

وتحمل هذه القصص رسالة مهمة مفادها أن ذوي الهمم لا يحتاجون إلى الشفقة بقدر احتياجهم إلى الفرص، وأن المجتمع القادر على اكتشاف قدراتهم وتقدير إسهاماتهم هو مجتمع يزدهر ويكبر. فالدمج مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة، وتستمر في المدرسة، وتكتمل في المجتمع بمؤسساته المختلفة، ليصبح ذوو الهمم جزءاً فاعلاً ومؤثراً في الحياة العامة.