دعا الخبير والاستشاري في التربية الخاصة ومدير مركز «معاً» للتربية الخاصة أسامة مدبولي لتصحيح كثير من المفاهيم الشائعة وغير الصحيحة حول الإعاقة، ما يعيق الدمج الكامل ويحدّ من قدرة الأفراد على المشاركة المتكافئة في المجتمع.
وأوضح أن النموذج الاجتماعي للإعاقة يؤكد أن المجتمع هو المسؤول الأول عن إزالة الحواجز التي تمنع المشاركة، سواء كانت حواجز في البيئة أو السلوك أو التشريعات، مشيراً إلى أن الانتقال من لغة الشفقة إلى لغة الحقوق بات ضرورة ملحّة لبناء مجتمع دمج شامل يحترم التنوع الإنساني.
وأضاف مدبولي أن المفاهيم الخاطئة حول الإعاقة تمتد إلى مجالات عديدة، منها الاعتقاد بأن الأشخاص ذوي الإعاقة لا يحق لهم التعبير عن الألم أو الإحباط، بينما الحقيقة أنهم يواجهون تحديات يومية تتعلق بالتمييز ونقص الوصول، ومن حقهم التعبير عنها مثل أي فرد في المجتمع. وأشار إلى أن التنوع الاقتصادي والتعليمي بينهم واسع، وأن اختزالهم في صورة نمطية واحدة يعكس جهلاً بحقيقة أنهم جزء من جميع طبقات المجتمع. كما أكد أن مشاركتهم في العمل التطوعي ليست فقط ممكنة بل قائمة فعلياً، وأن المجتمع مطالب بتوفير الترتيبات التيسيرية اللازمة لتمكينهم من ممارسة أدوارهم.
وبيّن أن الإعاقة السمعية، مثلاً، لا علاقة لها بمستوى الذكاء، وأن مستخدمي لغة الإشارة قادرون على التعلم والتواصل بكفاءة عالية. وأوضح أن الإعاقة ليست مشكلة فردية بل قضية حقوق إنسان تتطلب حلولاً شاملة ومعالجات نظامية. وأكد أن الإعاقات غير المرئية، مثل القلق والألم المزمن، تحتاج إلى تعديلات معقولة في بيئة العمل مثلما تحتاج الإعاقات الظاهرة، لأن تجاهلها يعرّض أصحابها لظروف تشغيل غير عادلة. ولفت إلى أن التفاعل مع من لديهم إعاقة ذهنية يجب أن يتم بشكل طبيعي ومحترم، وأن الخوف من الخطأ لا يجب أن يدفع إلى تجنب الحديث معهم.
وأشار مدبولي إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة يطالبون بالعيش المستقل والمشاركة الكاملة في المجتمع، وليس العيش في مؤسسات معزولة كما يعتقد البعض. وبين أن مستخدمي الكرسي المتحرك مستقلون في كثير من الحالات، وأن الكرسي أداة تمكين وليست رمزاً للعجز. وأكد أن الفنون والمسرح والتمثيل ليست حكراً على غير ذوي الإعاقة، وأن تجارب الأشخاص ذوي الإعاقة تضيف قيمة فنية وإنسانية عميقة.
وأوضح أن الهدف من التعليم الخاص ليس إعداد الطلاب للعيش في مؤسسات رعاية، بل تزويدهم بمهارات الحياة المستقلة والمشاركة الاجتماعية. ولفت إلى أهمية السماح للأطفال بطرح الأسئلة عن الإعاقة لأن الفضول الصحي يساهم في نشر الوعي. وأكد أن الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا ضحايا بطبيعتهم، فهم قادة ونشطاء يدافعون عن حقوقهم ويطالبون بالتغيير. وأضاف أن التكنولوجيا التكيفية جعلت العالم الرقمي أكثر سهولة، وأن الإعاقة ليست دائماً خلقية بل قد تكون مكتسبة، وأن الأشخاص ذوي الإعاقة يتمتعون بهوايات واهتمامات متنوعة شأنهم شأن الآخرين.
وأشار إلى أن التعديلات المكانية ليست مكلفة كما يُشاع، وأن اللوم الذي يوجه للوالدين بشأن إعاقة الطفل غير منطقي ويعمق الوصم. وبيّن أن الشلل الدماغي هو اضطراب حركي لا ينعكس بالضرورة على القدرات الذهنية، وأن التواصل مع الأشخاص الصم يجب أن يكون موجهاً لهم مباشرة لا إلى المترجم. وأضاف أن إعاقة التعلم ليست دليلاً على الكسل، وأن الأصم قادر على العمل في الوظائف التي تتطلب التواصل باستخدام مترجم أو وسائل بديلة. ودعا إلى التخلي عن التعامل مع ذوي الإعاقة بطريقة أبوية مبالغ فيها، لأنهم ينمون ويتطورون ويحتاجون إلى فرصة لتحمل المسؤولية.
وأكد أن السفر ليس مستحيلاً لذوي الإعاقة، وأن العصا البيضاء ليست مناسبة لكل درجات ضعف البصر، وأن مقدمي الرعاية يحتاجون أيضاً إلى دعم وراحة نفسية. وأوضح أن الإعاقة ليست نادرة كما يتخيل البعض، وأن أكثر من مليار شخص حول العالم يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة، وأن كفاءتهم في العمل قد تعادل أو تتجاوز غيرهم عند توفير التسهيلات. كما أكد أنهم قادرون على رعاية الحيوانات الأليفة، وأنهم لا يستهلكون إجازات مرضية أكثر من غيرهم، وأنهم لا يحتاجون معاملة مفرطة الحذر، بل معاملة محترمة وطبيعية.
وأشار إلى أن التصميم الشامل يخدم الجميع وليس ذوي الإعاقة فقط، وأن مشاركتهم الاقتصادية تسهم في النمو، وأن الهدف ليس شفاء الأطفال ذوي الإعاقة بل تمكينهم من حياة سعيدة وقابلة للتكيف. ولفت إلى أن الوصولية لا تقتصر على أماكن الوقوف بل يجب أن تشمل جميع تفاصيل المبنى والخدمات.