في كل موسم سفر، تتكرر الحكاية ذاتها، وإن اختلفت الوجوه والوجهات. عائلات بحرينية تُخطّط لإجازة قصيرة، تُرتّب تفاصيلها بعناية، وتسلّم ثقتها لمكاتب سفر يُفترض أنها تعرف الطريق، وتدرك المخاطر، وتعي قبل كل شيء معنى المسؤولية. غير أن بعض هذه الرحلات، للأسف، لا تنتهي بصورة تذكارية جميلة أو ذكريات دافئة، بل بمشهد قاسٍ من القلق والخذلان، حين يجد المسافر نفسه في بلد غريب، في طقس قاسٍ، بلا دعم، وبلا تواصل، وبلا جهة تتحمل تبعات ما حدث.
هذه ليست قصة فردية ولا حالة نادرة، بل واقع يتكرر، ويتداوله الناس في المجالس، وتُلمّح إليه تجارب تُنشر على منصات التواصل، بصيغة واحدة تقريباً: انتهى الدور الحقيقي لبعض مكاتب السفر عند أول عقبة. وهنا لا يكون الخلل في السفر ذاته، ولا في رغبة الناس بالراحة، بل في مفهوم الخدمة الذي يُقدَّم على الورق، ويغيب عند أول اختبار عملي.
السفر، خاصة إلى الدول الباردة أو الجبلية، ليس مغامرة بسيطة. فالطقس القاسي، وصعوبة التنقل، واختلاف اللغة، وأحياناً العزلة الجغرافية، تجعل المسافر معتمداً اعتماداً شبه كامل على الجهة التي نظّمت الرحلة. وحين يتخلى مكتب السفر عن دوره، أو يُنهي خدمات المرافقة والمرشدين السياحيين دون مبرر، فإن الأمر لا يتوقف عند إخلال بالخدمة المتفق عليها، بل يتجاوز ذلك إلى تعريض سلامة الناس، نفسياً وجسدياً، للخطر. والمشكلة هنا لا تكمن في وقوع الخطأ بحد ذاته، فالأخطاء واردة في أي تجربة إنسانية، بل تبدأ حين يغيب تحمّل المسؤولية، ويغيب الحل، ويغيب حتى الاعتذار الذي يخفف من وطأة القلق الذي تعيشه العائلات في لحظات ضعفها.
الأخطر أن تكرار مثل هذه الحالات يخلق حالة من فقدان الثقة، لا في مكتب بعينه، بل في قطاع كامل، يفترض أن يكون واجهة حضارية وخدمية تعكس احترافية السوق وحماية المستهلك. ومع ذلك، لا يمكن تعميم هذا الخلل على الجميع، فهناك مكاتب سفر ملتزمة وقدّمت نماذج مشرّفة في التنظيم والمتابعة والوقوف مع المسافر في الظروف الطارئة، وهو ما يؤكد أن الإشكالية لا تكمن في القطاع ذاته، بل في غياب الالتزام لدى بعض الجهات، وفي الحاجة إلى لوائح أوضح، ومسؤولية ممتدة، ومساءلة تضمن ألا تتحول الإجازة إلى تجربة قلق وخوف.
ومن هنا، لا يبدو الحديث عن التنظيم والمحاسبة ترفاً، بل ضرورة. فوجود لوائح واضحة، ومسؤولية تمتد طوال مدة الرحلة، وآليات متابعة حقيقية، هو ما يحمي المسافر ويعيد التوازن بين مقدم الخدمة والمستهلك. كما أن تعزيز الوعي الاستهلاكي لا يقل أهمية، فالمسافر اليوم مطالب بأن يسأل، ويتحقق، ويطلب وضوحًا في التفاصيل، لأن الثقة وحدها لم تعد كافية في زمن كثرت فيه العروض، وتفاوت فيه الالتزام.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية ألا تنتهي القصة عند عودة المسافر إلى أرض الوطن، بل أن تبدأ مرحلة أخرى لا تقل أهمية، وهي أخذ شكاوى المسافرين بجدية من الجهات المختصة، والنظر فيها بوصفها حقاً مشروعاً لا تفضلاً. فالمسافر الذي يتعرض للإهمال أو التخلي عن الخدمة، خاصة في الرحلات المنظمة التي تشمل مرشدين سياحيين ومرافقة ميدانية، لا يشتكي طلباً للتعويض فقط، بل حماية لغيره من تكرار التجربة نفسها، وتصحيحاً لمسار الخدمة السياحية.
وجود مرشد سياحي ضمن البرنامج لا يعني مجرد شخص يشرح المعالم، بل يفترض أن يكون عنصر أمان، ودعم، وتواصل، وحلّ عند الطوارئ. وعندما يُغيب هذا الدور، أو يُسحب دون مبرر، فإن الأمر يُعد إخلالاً صريحاً بالخدمة المتفق عليها، ويستوجب المساءلة واسترداد الحقوق، حماية للمواطن قبل أي اعتبار آخر.
وبصراحة..
السفر حق، والراحة حاجة، والإجازة مساحة إنسانية لا يجب أن تتحول إلى اختبار قاسٍ للثقة. وحماية المسافر لا تكون بعد وقوع الضرر، بل قبل أن يُترك وحيداً في البرد، ينتظر من باع له الرحلة ثم غاب عن المشهد. فالمحاسبة لا تضعف قطاع السفر، بل تحميه، وتعزّز مصداقيته، وتؤكد أن كرامة الناس وسلامتهم ليست بنداً ثانوياً في أي برنامج سياحي.