الحمد لله الذي رزقنا الحياة، الحمد لله على نعمة الوجود، الحمد لله على فرصة الحياة الدنيا.
والحمد لله الذي جعلنا بشرًا، واختصنا بالأمانة، «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً». «سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 72».
نحمدُ الله على أثقل الأمانات، وعلى اختصاصنا نحنُ بني آدم بها، إلا أننا في واقع الأمر، حسب وصف الله سبحانه وتعالى، أننا «جهلاء»؛ لا نُدرك مقدار الأمانة التي وهبها الله تعالى إلينا. الجهل هو السمة الإنسانية الأولى فينا. خُلقنا بجهلنا. كيفَ لنا أن نحملَ هذه الأمانة الثقيلة إذاً؟بالعودة لأول آية نزلت في القرآن، وأول أمر إلهي نزل موجهاً إلى نبي الله مُحمد «صلى الله عليه وعلى آله وسلم»:«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ». «سُورَةُ الْعَلَقِ: 1».
لم يأتِ أمر القراءة الإلهي إلا لنفي جهالة الإنسان ثم الأخذ بها من خلال القراءة، هي المعرفة الّتي تبدأ باسم الله، حيث إن القراءة جاءت مقترنة «باسم ربك الذي خلق» في ذات الآية. وهذا إن دلّ، دلّ على أنهما مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً، لا تجزئة فيه.
الله من خلق الوجود كلِّه، لذا لا بُدّ من أن نبدأ القراءة باسمه؛ لأنّه من حباكَ بنعمة الوجود. إن الله يريدك أن تجعل القراءة أساساً للوصول إلى المعرفة الخيِّرة، الّتي تبني الحياة ولا تهدمها. أن تقترب من الله ولا تبتعد عنه، لتكون المعرفة منسجمةً مع خطّ وحيه، ومع الغاية الّتي خلق الخلق من أجلها، في الذّوبان في عمق المعنى الكونيِّ المنفتح على عبادة الله.
لذا متى ما قرأت دون توجيه نيتك نحو اسمه تعالى، ولم يكن هدف القراءة نفي الجهالة، والطاعة لأمر الله تعالى، كانت نتيجة قراءاتك «ضيزى»، و«علمك» لا يعدو أن يكون كالضريع: «لَّا یُسمِنُ وَلَا یُغنِی مِن جُوع»، «سُورَةُ الغَاشِیَةِ: 7». وما نعنيّه هنا تحديدًا هو أن المنفعة الحقيقية والبركة في العلم والقراءة تكمن في اقترانها بنية صادقة تبدأ باسم الله الأعظم. الدرب إلى الله سبحانه وتعالى ليس دربًا واحدًا، بل كل الدروب مؤدية له عزّ وجل.
لابد لنا من التأكيد على عدم حرفيّة معنى «اقرأ» في آياتِ الله. فنبي اللهُ محمدٍ «ص» كان أميًّا. القراءة المقصودة هي السعي للمعرفة والهداية. ولا يوجد لها شكلٌ واحد.
ما نحنُ إلا عبادك الجهلاء يا الله.. اللهم فامنن علينا وقِرَّ بنا.. وقرِّبنا.. فيا أيها الإنسان.. أقرّ بجهلك، واقرأ.. اسعَ بمعرفة أمانتك، وما مقدارها. فكيف ستحملها وتُحسن أداءها؟ وكيف ستُجيب عنها يوم الحساب ولسانك ويدك تشهدان عليك؟
«يا أَیُّهَا ٱلإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدحاً فَمُلَاقيه»، «سُورَةُ الانشِقَاقِ: 6». مثلما الجهل لصيقٌ بكَ منذ خلقك، فلصيقُك الثاني هو الفناء، وملاقاة الله تعالى. عليكَ أن تُذكّر نفسك دائمًا بلصيقيك. يوم البعث ينكشف الالتباس، ويعرف كل مخلوق ما جرّ إليه من عمله. لذا اسأل نفسك: هل تريد أن تُلاقي خالقك ولم تزد إلا من جهالتك؟ ولم تكدح للقائه؟ ومحمّلٌ بالأمانة التي أخذتها معك كما هي، لم تتحرك فيها أو تعمل بها؟