نظم مجلس الدوي بالمحرق أمس ندوة تاريخية حول فلسفة الحياة السياسية والإنسانية في الفكر الرافديني القديم، من خلال ملحمة ﮔلـﮔـامش وعلاقتها بدلمون، تحدث فيها البروفسور قصي منصور التركي وسط حضور كبير تفاعل مع موضوع الندوة ووقف على الكثير من المعلومات الجديدة بالأسئلة والاستفسارات.وقال البروفسور قصي منصور التركي "إن أسطورة جلجامش تمثل واحدة من أعظم الملاحم البطولية، التي احتوت على مواضيع ذات صلة بالحياة السياسية والإنسانية للبشرية، وهي تضرب مثلاً تاريخياً يحتذى به عن طبيعة السلوك الإنساني وكيف هي الحياة التي كان يعيشها الإنسان القديم في أقدم حضارة ناضجة عرفتها البشرية وهي الحضارة السومرية والتي ترتبط بحضارة أخرى توازيها ولا تقل عنها شيئاً، إنها حضارة مملكة دلمون والتي تمثل اليوم مملكة البحرين".وأشار المحاضر إلى أهمية الملحمة مؤكداً بقوله "من خلال دراسة الملحمة فإننا نجد أنها أولى البطولات الملحمية لأقوى شخصية بطلة متمثلة بشخص "جلجامش"، إذ إن حب هذا البطل للإنسان يقوده إلى البحث عن سر تجديد الشباب الذي اعتقد أنه موجود في أرض "دلمون" "البحرين" المباركة عند نقطة التقاء النهرين، حيث يعيش شخص يدعى "زيوسدرا" "Ziusudra" وهو يمثل "نوح الطوفان" الذي أسبغت عليه الآلهة الحياة الأبدية من بين البشر".وأضاف "من المعروف أن هذا الشخص"زيوسدرا" في الأصل كان ملكاً وراعياً مطيعاً للآلهة في مدينة "شروباك" "Šuruppak" "تل فارة" حالياً، لذا فقد أفشى إليه أحد الآلهة سر الطوفان وبنى السفينة وأنقذ نفسه ومن معه، ثم استقر فيما بعد في المكان الذي تشرق منه الشمس أي "دلمون"، وقد ذكرت أسطورة الطوفان السومرية المشهورة ، في الأسطر الأخيرة ما نصه "وركع زيوسدرا أمام آنو"Anu" "إله السماء" وإينليل "Enlil" "إله الهواء"، اللذين منحاه الحياة مثل الآلهة، اللذين رفعاه إلى الحياة الأزلية مثل الآلهة، وآنذاك أسكنا الملك زيوسدرا، الذي أنقذ بذرة الإنسان من (؟) الدمار، في بلد على البحر، في الشرق في دلمون".ويؤكد المحاضر بأن قصة الطوفان وبطلها "زيوسدرا"، أوتونابشتم "نوح الطوفان"، تذكر أجزاء منها "دلمون" وتشير بأن الآلهة أسكنت "أوتونابشتم" "نوح الطوفان" ومن معه في مدينة دلمون الواقعة في الشرق عند الموضع الذي تشرق منه الشمس "دلمون"، ويضيف "وفي الأسطورة الشهيرة المعروفة باسم "ملحمة جلجامش"، نجد في اللوح الحادي عشر خبر الطوفان والحوار الذي دار بين من حاز على الخلود بعد أن منحته الآلهة ذلك، وهو"أوتونابشتم" "نوح الطوفان".وأوضح أن تواتر الإشارات تؤكدة أن رجل الطوفان قد استقر به الحال ليتخذ من دلمون سكناً له، والجديد في الأمر أن رسو السفينة كان في موضع ما تعددت الآراء حوله، بيد إنني أرجح أن موضع رسو السفينة كان دلمون، في أسطر من اللوح الحادي عشر نقرأ عن اللحظات الأخيرة لرسو السفينة على لسان رجل الطوفان، "سجدت وجلست أبكي، فانهمرت الدموع على وجهي، وتطلعت إلى حدود سواحل "البحر"، فرأيت جزيرة وهي تعلو مائة وأربعة وأربعين ذراعا".وقال البروفسور قصي منصور التركي "أن النص يشير صراحة إلى أن الأرض التي رست عليها السفينة جزيرة، والتي هي ترجمة للكلمة الأكدية "ناگو" "nagû" والتي تعني جزيرة ومن معانيها أيضاً شاطئ، وهذا يدل على أن السفينة لم ترس على قمة جبل كما هوشائع. وإذا علمنا أن جزيرة البحرين حالياً ترتفع 134متراً عن مستوى سطح البحر كحد أقصى، فإن مقدار 144 ذراعاً "الذراع الواحد يساوي 49.5 سم من أطوالنا الحالية" يبلغ71.28 متر، وهذا الارتفاع يقترب كثيراً عن الحد الوسط "67 متراً" لارتفاع جزيرة البحرين، مع الأخذ بنظر الاعتبار التغيرات التي تطرأ على سطح الأرض خلال آلاف السنين".وبين أن ما يعزز فرضيتنا هذه أنه ومن خلال تتبع أسطر الملحمة في اللوح الحادي عشر والخاص بخبر الطوفان، نجد أن المكان الذي استقر به رجل الطوفان وصف في نص الأسطر "وسيعيش أوتونبشتم بعيداً عند فم الأنهار، ثم أخذوني بعيداً وأسكنوني عند فم الأنهار"، ويفسر المحاضر كلمة فم الأنهار تعني صيغة الجمع للأنهار التي كانت تصب في الخليج العربي منفردة وهي كل من نهر الفرات ودجلة في بلاد الرافدين ونهر الكارون في بلاد عيلام.وتابع بقوله "يبدو أن الثعبان الذي ذكر في ملحمة "جلجامش" على أنه أكل نبتة الحياة "الخلود" كان مقدساً في جزيرة البحرين، حيث عثر على الكثير من مدافن الأفاعي في معابد "البحرين" وضعت في ثلاث من الأوعية العريضة العديمة القاعدة وصل عددها إلى الأربعين، وربما كانت تذبح في مناسبات عائلية خاصة أو كعطايا وقرابين تقدم من قبل المتعبدين".وفي ختام الندوة فتح باب النقاش والأسئلة والحوار وقد أجاب البروفسور قصي منصور التركي على كل الأسئلة والاستفسار من خلال الأدلة العلمية والتاريخية.