تواصلت فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر "الآثار الإسلامية من منظور عالمي" الذي تنظمه هيئة البحرين للثقافة والآثار تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وتضمنت أنشطة اليوم الثاني من المؤتمر محاضرات حول الآثار الإسلامية في فلسطين، وإيران وآسيا الوسطى، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا ومصر. وقدمها عدد من المحاضرين العالميين المختصين في مجال الآثار.
وتطرقت محاضرة "الآثار الإسلامية في فلسطين" والتي قدمها د.حامد سالم إلى بداية دراسات الآثار الإسلامية في فلسطين مع مطلع ثلاثينات القرن العشرين.
فيما انصب الاهتمام في العقود اللاحقة على دراسة العمارة والفن الإسلامي في المواقع الرئيسية، إلا أن دراسة المواقع الإسلامية في فلسطين تراجعت على حساب أعمال الحفريات في المواقع التوراتية.
وبين أنه بدأت مؤخراً أعمال تنقيب جديدة في خربة المفجر بغية الحصول على إجابات جديدة وتفصيل أفضل لهيكل ووظيفة الأجزاء المختلفة من القصر، فضلاً عن أعمال تنقيب داخل الخط الأخضر في مواقع إسلامية رئيسة مثل الرملة وطبريا وبيسان، ولم تقتصر عملية جمع المعلومات على المواقع الرئيسة فحسب بل شملت أيضاً القرى والمزارع في جميع أنحاء فلسطين مع التركيز في هذه المشاريع الحديثة على المواقع المملوكية والعثمانية، وبذلك أصبحت هناك قاعدة بيانات ضخمة توفر الأدلة الأثرية اللازمة لدراسة مفصلة عن فلسطين الإسلامية.
يذكر أن د.حامد سالم يعمل أستاذاً مشاركاً في علم الآثار في جامعة بيرزيت. وقد نال الدكتوراه من جامعة لايدن في هولندا. وتشمل اهتماماته الآثار وعلم الآثار العرقية والفخاريات وأعمال التنقيب والمسوحات الميدانية التي تتعلق بفلسطين، واكتسب خبرته في العمل الميداني من خلال عمله في موقع تل جنين والموقع الأموي والعثماني تل تعنك، كما شغل منصب مدير مشروع التنقيب والتحقيقات في منطقة بيرزيت حيث عمل على موقع خربة بيرزيت الذي يعود إلى العهد المملوكي. له مؤلفات منشورة عن الفخار التقليدي الفلسطيني والأواني العثمانية الرمادية، والمشهد الثقافي والنظام الاستيطاني في العهد المملوكي والعهد العثماني المبكر.
كذلك تطرق المحاضر د.جون سيمبسون إلى الآثار الإسلامية في إيران وآسيا الوسطى. حيث تناول المتغيرات التي طرأت على هذه المنطقة. خصوصاً حول ميناء سيراف لإظهار دور إيران كلاعب في حركة التجارة في المحيط الهندي وتشمل رؤى جديدة تقوم على التحليلات العلمية الحديثة التي أجريت على مقتنيات المتحف البريطاني والتي اكتُشفت أثناء أعمال التنقيب واسعة النطاق التي نفّذت في الموقع أثناء ستينيات وسبعينيات القرن العشرين وكذلك تناول التنقيبات الحديثة التي أشرف عليها في مدينة مرو الرئيسية في تغيير الفهم لهذه المدينة التي كانت يوماً ما محطة مهمة على طريق الحرير تقع على طرف صحراء "الرمال السوداء" الكبرى في آسيا الوسطى.
يذكر أن د.جون سيمبسون هو عالم آثار وأمين أول في المتحف البريطاني حيث يشرف على مجموعات المقتنيات من شبه الجزيرة العربية وإيران وآسيا الوسطى في قسم الشرق الأوسط. نال درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة أكسفورد. وشارك في أعمال تنقيب آثارية في ميرف القديمة بتركمانستان بالإضافة إلى العديد من المشاريع الأخرى. له العديد من المنشورات العلمية والكتب التي تتناول تاريخ أفغانستان وإيران والعراق القديم.
وتناولت أوراق محاضرات اليوم الثاني كذلك على محاضرة بعنوان الآثار الإسلامية في شمال أفريقيا والتي قدمتها د.كوريساند فينويك. حيث تطرقت إلى الإسلام المبكر في منطقة شمال أفريقيا، عبر عدد من المدن القديمة مثل: وفاس ومراكش أو القصور والمدن والمساجد والرباطات والأسوار التي بنيت في عهد الحكام المسلمين الأوائل.
وأضافت أن هناك أعمال تنقيب محدودة قد جرت في المدن الكبرى والمعالم الرئيسة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا. لكن العقود الثلاثة الماضية شهدت ازدياداً كبيراً في عدد المشاريع وكمية البيانات المتاحة وتوجهاً متزايداً نحو مراجعة وتنقيح الأسئلة والنماذج القديمة حول فترة الحكم الإسلامي.
وجاء في المحاضرة الحديث عن أقدم أعمال التنقيب التي تمت والتي كانت في قلعة بني حماد في تسعينات القرن العشرين وصولاً إلى الوقت الحاضر مع تسليط الضوء على التطورات المستجدة.
يذكر أن د.كوريساند فينويك تعمل محاضراً في علم آثار حوض البحر الأبيض المتوسط في كلية لندن الجامعية، وهي حاصلة على الدكتوراه من جامعة ستانفورد. وهي تعمل حالياً مديراً للمشروع الأثري التونسي البريطاني في بولا ريجيا ومتخصصاً في القرون الوسطى لمشاريع مناطق الصحراء الكبرى في ليبيا والمغرب.
وفي محاضرة حول الآثار الإسلامية في جنوب آسيا قدم كل من د.مهرداد وناتالي شوكوخي معلومات حول المواقع الأثرية الإسلامية في جنوب آسيا، خصوصاً تلك المباني المغولية. وبينا بأن المواقع الإسلامية في الهند لم تنقب بشكل جدي. لكن منذ فترة الانتداب البريطاني تم التعرف على بعض الآثار وترميم جزء من المعالم.
وبعد الانقسام في الهند واصل جهاز المسح الأثري الحفاظ على المواقع الأثرية في بيدار وبيجابور ودولتا باد وجولبارجا الواقعة في إقليم هضبة الدكن وغورو باندوا وجوانبور وساسارام وأحمد أباد.
أما في باكستان فتم تنفيذ بعض أعمال التنقيب في المواقع الإسلامية المبكرة بينها: بانبهور، موقع ميناء دايبول القديم، وفي برامان أباد، موقع المنصورة التي كانت مقر الحاكم العربي لإقليم السند، وكلاهما يعودان إلى القرنين الأول والثاني للهجرة.
أما في بنغلاديش، فلاتزال المواقع التاريخية التي تم ترميمها قبل التقسيم محفوظة، غير أن شحّ الأموال والموارد حال دون إجراء تنفيذ أعمال تنقيب أو ترميم جديدة.
يذكر أن د.مهرداد شوكوهي هو مهندس معماري متخصص في الحفاظ على البيئات الحضرية التاريخية. حاصل على الدكتوراه من كلية أدنبره للفنون عن عمارة العصور الوسطى المبكرة في إيران وأفغانستان.
وركزت دراساته على المواقع الإسلامية في الهند التي تعود إلى فترة ما قبل الفتح، ويقوم بالتعاون مع زوجته ناتالي شوكوهي بمسح مواقع مغمورة تعود إلى ما بين القرن الثاني عشر إلى السادس عشر، بالإضافة إلى عمل دراسات حضرية في نيبال، وله كتبات منشورة عن النقوش والعمارة والآثار والتخطيط الحضري في العصور الوسطى. أسهم في وضع مقرر مادة التصميم الحضري في كلية الهندسة المعمارية بجامعة غرينتش.
أما د.ناتالي د.شوكوهي فهي مؤرخة معمارية متخصصة في المواقع غير المُبلغ عنها أو التي لم تُدرس إلا الشيء اليسير في الهند ونيبال، نشرت لها العديد من المقالات والكتب العلمية التي تهدف إلى توثيق البيئة الحضرية التاريخية المهددة بالزوال للأجيال القادمة.
وقدمت محاضرة بعنوان "الآثار الإسلامية في جنوب شرق آسيا"، وذلك من قبل د.ألكسندر واين. حيث تطرق إلى التحديات التي تواجه منطقة جنوب شرق آسيا في الحفاظ على الآثار، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الرطوبة في المنطقة لا يساعد في حفظ المواد العضوية مثل الخشب الذي كان مادة البناء الأولى قبل دخول مواد البناء العصرية إلى المنطقة.
ولفت إلى أن منطقة جنوب شرق آسيا تحتفظ بالفعل بمجموعة مدهشة ومتنوعة من القطع الأثرية الإسلامية المبكرة. حيث ركز على شواهد القبور الإسلامية المبكرة في المنطقة باعتبارها الآثار الأكثر وفرة وربما الأكبر قيمة في المنطقة.
وتناولت المحاضرة بشكل أساسي البحوث التي أجريت مؤخراً في بروناي وكيلانتان (ماليزيا) على مجموعة من شواهد القبور يتراوح تاريخها من القرن الثالث عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر، وتخلصت دراستهم هذه الآثار وغيرها بشكل أشمل يمكن أن يساعد في إعادة تشكيل فهمنا عن كيف انتشر الإسلام في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا وكيف تشكّلت بعض الممالك الإسلامية في المنطقة.
يذكر أن د.ألكسندر واين حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة أكسفورد، وهو خبير في تاريخ الإسلام في جنوب شرق آسيا، وركزت أطروحة الدكتوراه على الدور المحتمل الذي لعبه مسلمو الصين في اعتناق سكان إقليم نوسانتارا (أرخبيل جنوب شرق آسيا) الإسلام بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر. وهو يعمل حالياً زميل باحث في المعهد الدولي للدراسات الإسلامية المتقدمة في ماليزيا.
وكانت محاضرة د.آليسون غاسكوين هي آخر محاضرات اليوم الثاني لمؤتمر الآثار الإسلامية من منظور عالمي، وعنوانها "الآثار الإسلامية في مصر". وناقشت خلالها التنقيب في التلال الأثرية التي تعود إلى الفسطاط العاصمة الإسلامية الأولى، ومقتنيات متحف القاهرة للفن الإسلامي.
كما تحدثت عن مسوحات المواقع الأثرية والأنية في مجال الآثار المصرية الإسلامية ومنها أسوان وساحل البحر الأبيض المتوسط ونادي النيل والصحراء وساحل البحر الأحمر، كما ألقت الضوء على الفترة ما بين الفتح العربي لمصر إلى العصر العثماني.
يذكر أن د.آليسون غاسكوين هي أستاذ مشارك في علم الآثار في كلية العلوم الإنسانية بجامعة ساوثهامبتون. شغلت قبل ذلك عدة مناصب بعد نيلها الدكتوراه في جامعة كامبريدج، وتتركز أبحاثها على التغيير الاجتماعي والثقافي الذي حدث في العالم الإسلامي في بدايته وأدارت مشاريع في مصر وأفغانستان، وهي تعمل حالياً على المناظر الطبيعية والمواقع الحضرية في منطقة بحيرة المنزلة شمال شرق دلتا النيل.
وتختتم الخميس أعمال مؤتمر الآثار الإسلامية من منظور عالمي، عبر ست محاضرات تناقش الآثار الإسلامية في الأناضول وشبه الجزيرة الإيبيرية وأثيوبيا والقرن الأفريقي والسودان وساحل شرق أفريقيا وغرب أفريقيا.