أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن موقف مملكة البحرين لم ولن يتغير تجاه القضية الفلسطينية مهما تغيرت الظروف، مؤكداً دعم فلسطين لمواقف البحرين في مواجهة المخططات التي تستهدف أمنها واستقرارها.

جاء ذلك، في حوار مطول مع مجلة "ميادين" التي تصدر من مكتب سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة الإعلامي ومركز المعلومات في عددها الأخير، حيث تحدث عباس عن عدة نقاط مهمة من أبرزها نتائج زيارته لمملكة البحرين ومؤتمر السفراء الفلسطينيين في الدول العربية الذي عقد مؤخراً في البحرين.

كما تحدث عن القضية الفلسطينية والتطورات الدولية تجاهها والعدوان الإسرائيلي الأخير، بالإضافة إلى الخلاف والانقسام الحاصل بين حركتي "فتح" و"حماس" وآفاق المصالحة. وغيرها من المحاور التي تطرق إليها هذا الحوار، وجاء نص الحوار:

-تكررت زياراتكم للبحرين والالتقاء بكبار المسؤولين لتعزيز العلاقات المشتركة الفلسطينية-البحرينية القائمة، كيف وجدتم نتائج هذه الزيارة الأخيرة؟

- العلاقات الفلسطينية-البحرينية هي علاقات أخوية وتاريخية متينة تربط الشعبين الشقيقين، وتجسدت هذه العلاقات من خلال المواقف الثابتة والداعمة لحقوق شعبنا التي تبنتها مملكة البحرين على الدوام، وفي مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وتقديم الدعم بأشكاله كافة.

الزيارة الأخيرة للبحرين تأتي في إطار هذه العلاقات الأخوية المتينة، وتمثل تجسيداً حقيقياً لمعاني الأخوة الصادقة التي تربطنا مع أخينا صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وقد بحثنا كذلك الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية على الأصعدة كافة، ووجدنا اهتماماً كبيراً من قبل عاهل البلاد المفدى بكل التطورات المتعلقة بقضيتنا، والحرص على توفير كل الإمكانيات السياسية والدبلوماسية والعلاقات الدولية التي تتميز بها البحرين لصالح حقوقنا المشروعة.

نحن حريصون على إجراء مزيد من التشاور والتنسيق مع القيادة البحرينية، ونحن من جانبنا نقف إلى جانب أخينا جلالة الملك حمد آل خليفة وحكومته وشعبه الشقيق، داعمين مواقف البحرين في مواجهة المخططات التي تستهدف أمنها واستقرارها.

- هل ثمة أجندة معينة تم مناقشتها في ظل هذه الزيارة، سواء على المحور السياسي أو الأمني أو الاقتصادي أو التنسيقي أو غيره؟

- كما ذكرت، هذه الزيارة تندرج في سياق تنسيق المواقف والخطوات مع أشقائنا العرب، وخصوصا في ظل المستجدات والمتغيرات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى التصعيد الإسرائيلي الخطير المتمثل في النشاطات الاستيطانية وعدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وأود أن أذكر هنا بأننا نتشاور مع جلالة الملك في القضايا كافة التي تهم بلدينا الشقيقين، وبخاصة في مجال مكافحة الإرهاب.

- افتتحتم خلال زيارتكم مؤتمر السفراء الفلسطينيين في الدول العربية والإسلامية الذي استضافته البحرين، ما النتائج المرجوة من المؤتمر في ظل الظروف الراهنة بالمنطقة؟

إن استضافة مملكة البحرين لمؤتمر سفراء فلسطين يأتي في إطار دعم البحرين لمساعينا الدبلوماسية، وكما تعلمون، حققنا انتصارات عدة على الصعيد الدبلوماسي، على غرار نجاحنا في استصدار قرار من مجلس الأمن يدين الاستيطان، وكذلك نجاحنا في استصدار قرار اليونسكو الخاص بمدينة القدس المحتلة، بالإضافة إلى سعينا لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

جميع هذه الإنجازات بحاجة إلى جبهة إسناد تعمل على تفعيل هذه القرارات، وتدعم حقنا في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهذا ما سنبلغه لسفرائنا في الدول العربية والإسلامية، بأن يكونوا سفراء لحمل رسالة شعبهم وهمومه، من خلال شرح أهمية الحراك الدبلوماسي الفلسطيني وبحث سبل دعمه.

كما بحثنا خلال المؤتمر مع سفرائنا في كيفية العمل على حشد الدعم اللازم لتعزيز صمود أبناء شعبنا وثباتهم على أراضيهم، لأن جوهر الصراع مع الاحتلال هو الأرض، هم يستخدمون كافة الوسائل لاقتلاعنا من أرضنا ونحن متشبثون بها، وهذا الصمود بحاجة إلى مقومات تضمن استمراره.

- كيف تقيمون موقف المنامة تجاه القضية الفلسطينية ووقوفها مع مختلف التطورات الحاصلة؟

موقف مملكة البحرين ثابت تجاه القضية الفلسطينية لا يتغير مهما تغيرت الظروف، هذا ما لمسناه عبر عقود من الزمن، ويتمثل بتقديم الدعم الكامل على الأصعدة كافة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وهو شيء ليس بغريب على الشعب البحريني وقيادته الحكيمة ممثلة بجلالة الملك المفدى.

- ماذا تقولون لمواطنيكم الأشقاء الفلسطينيين المتواجدين في بلدهم الثاني البحرين؟

نقول لهم إنكم تقيمون في بلدكم الثاني البحرين، وفي ضيافة شعبه الطيب المضياف الكريم، وأنتم تمثلون قضايا شعبكم وهمومه، لذلك عليكم نقل تقدير ومحبة الشعب الفلسطيني للبحرين وشعبها، وتعبرون عن مساندتنا ودعمنا الكبير للمملكة وقيادتها في شتى الظروف وفي المجالات كافة.

- كيف تلقيتم قرار الجانب الإسرائيلي من توسيع الاستيطان ومصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر على بناء مستوطنة جديدة قرب نابلس المحتلة؟

بداية أود التأكيد أن الاستيطان في كافة الأراضي المحتلة عام 67 غير شرعي، وهذا ما يقوله العالم أجمع، وهذا ما قاله القرار الدولي 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والكثير من القرارات الدولية قالت وأكدت أن الاستيطان غير شرعي وغير قانوني، لأنه يدمر كل الفرص الممكنة لصنع السلام وفق مبدأ حل الدولتين المدعوم دولياً.

وبالتالي لا نعتبر أن الاستيطان أمر واقع، ويجب أن يزال، والقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2334 والذي جاء بعد 36 عاماً ينص صراحة على ضرورة وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية كافة، واعتباره غير شرعي ومخالف لكل القوانين الدولية، وهذا الموقف الذي أكدت عليه القمة العربية التي عقدت مؤخراً في الأردن، والتي جددت التأكيد على الموقف العربي الداعم لوقف الاستيطان باعتباره عاملاً رئيساً في تخريب كل الجهود الدولية الرامية إلى إنقاذ المسيرة السياسية.

- ما هي تحركاتكم الدبلوماسية على الصعيد الدولي للحيلولة دون تمادي الجانب الإسرائيلي في خرق القرارات الدولية وزيادة عدوانه وحماقاته على حقوق الشعب الفلسطيني؟

الدبلوماسية الفلسطينية استطاعت ورغم كل الظروف الإقليمية والدولية الصعبة، تحقيق انتصارات مهمة للقضية الفلسطينية، حيث استطاعت من خلالها تدويل القضية الفلسطينية، وكسب تأييد الرأي العام العالمي، وحصلت فلسطين على اعتراف 138 دولة، وأصبحت جزءاً أصيلاً من النظام الدولي من خلال عضويتها المراقبة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وانضمامها لعشرات الاتفاقيات والمنظمات الدولية، وهي تتحرك وباستمرار للحفاظ على الحقوق الفلسطينية من خلال التحرك على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية، وأهمها التوجه لمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يتعلق بعدم شرعية الاستيطان، والذي لاقى تأييداً دولياً منقطع النظير، وكذلك التحرك على المستوى الدولي لفضح الممارسات البشعة التي يقوم بها الاحتلال ضد شعبنا، وحشد الضغط الدولي لوقف هذه الجرائم بحق شعبنا، وتقديم مرتكبيها إلى القضاء الدولي من أجل حماية أرضنا وشعبنا وحقوقنا الوطنية.

- ما الخيارات المتواجدة لديكم في ظل هذه التطورات الحاصلة؟

صحيح أن الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم دقيقة وصعبة للغاية، بسبب انتشار الإرهاب الأعمى الذي أعلنا وبصراحة أننا نقف بوجهه ونحارب ضده بكل إمكانياتنا مع باقي دول العالم، ولكن تبقى القضية الفلسطينية لها الخصوصية والأهمية على باقي القضايا، فهي مفتاح السلام والاستقرار للمنطقة والعالم، لذلك خياراتنا أن نواصل معركتنا الدبلوماسية والسياسية للحفاظ على حقوقنا المشروعة التي أقرتها القوانين والمواثيق الدولية.

ونحن نسعى من خلال علاقاتنا الثنائية مع الدول، أو من خلال المحافل الدولية لحشد أكبر دعم دولي ممكن ضاغط باتجاه حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وفق قرارات الشرعية الدولية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل بأمن واستقرار، باعتباره الحل الأمثل لكل الأزمات التي تواجهها المنطقة والعالم بأسره، ومن ناحية أخرى نعمل على بناء مؤسسات دولتنا واقتصادنا، ونعزز صمود شعبنا للبقاء على أرضه ومواصلة السعي لنيل حريتنا واستقلالنا.

-كيف تقيمون موقف الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب؟ وما هي رسالتكم للإدارة الأمريكية؟

منذ تشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بدأت الاتصالات بيننا وبين الجانب الأمريكي حول عملية السلام والعراقيل التي تواجهها، وما هي وجهة النظر الفلسطينية تجاهها، وقد زارنا مبعوثون ومسؤولون أمريكيون كبار في رام الله وتحدثنا في الإمكانيات المطروحة للحلول حول القضية الفلسطينية، ورؤيتنا للحل، وبعدها تواصلت اللقاءات بيننا وبين الجانب الأمريكي.

كما تلقينا دعوة رسمية من الرئيس ترامب للقائه في الثالث من شهر مايو في البيت الأبيض، وسنلبي هذه الدعوة لإيصال وجهة النظر الفلسطينية الداعية لإنهاء الاحتلال، وحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والذي إذا تمكنا من حلها ستنعم المنطقة بالأمن والاستقرار.

- في ظل الغطرسة الإسرائيلية والخروقات الحاصلة، هل تجد أن خيار "حل الدولتين" مقبولاً لدى الاحتلال، أم أنه ضرب من الخيال لدى الإسرائيليين إن جاز التعبير؟

إن ما تقوم به إسرائيل على الأرض هو واقع الدولة الواحدة بنظامين، والإجراءات الإسرائيلية على الأرض، وإصرارها على مواصلة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية يشير وبوضوح إلى أنها تعمل على دفن حل الدولتين المدعوم دوليا، وتقضي على كل الآمال المعقودة عليه لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتحاول أن تلغيه لصالح مشاريع مرفوضة لن نسمح كفلسطينيين بأن تمر.

لذلك نحن نؤكد كقيادة فلسطينية بأننا مع حل الدولتين على الأراضي المحتلة عام 1967، وأن الاستيطان في كافة الأراضي المحتلة عام 67 غير شرعي، وهذا ما يقوله العالم أجمع، وفق القرار الدولي 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والكثير من القرارات الدولية، والتوجه لمفاوضات جادة وحقيقية تنهي الاحتلال، وتعمل على تكريس حل الدولتين على الأرض، وذلك لمصلحة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والعالم اجمع.

-ماذا يلوح في الأفق عن إنهاء الانقسام بين فتح وحماس، والتصورات حول المسائل العالقة والمبادرات لإنهائها؟، حدثنا عن آخر المستجدات لإعادة قطاع غزة إلى الشرعية الفلسطينية؟

منذ قيام حركة حماس بارتكاب جريمة "الانقلاب الأسود" في قطاع غزة عام 2007، ونحن نعمل على إنهائه لتوحيد الصف الفلسطيني، وقمنا بتشكيل حكومة وفاق وطني بالتوافق مع حركة حماس، والتي لم تسمح لهذه الحكومة بإدارة قطاع غزة، بل قامت بتشكيل ما يسمى وفق قولها لجنة إدارية لقطاع غزة، وهو ما يعني شرعنة الانقسام، وهو ما لن نسمح به أبداً.

وسنقوم باتخاذ خطوات لمعالجة هذا الوضع الخطير جداً على قضيتنا الوطنية، والذي بات يحتاج إلى خطوات حاسمة لمواجهته، ورغم ذلك نكرر القول، إننا جادون ومصممون على إنهاء الانقسام الأسود في تاريخ شعبنا، من الذهاب للانتخابات العامة، ليكون الشعب الفلسطيني الحكم من خلال صندوق الاقتراع، وبالتالي توحيد شطري الوطن ومواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية.

- سفارتكم في البحرين تضطلع بدور مهم في تعزيز العلاقات الفلسطينية-البحرينية، وخدمة السياسة الخارجية والدبلوماسية الفلسطينية، ماذا تقولون في ذلك؟

فعلاً سفارة دولة فلسطين في البحرين تقوم بدور هام لتعزيز العلاقات بين الشعبين والقيادتين الفلسطينية والبحرينية، بما في ذلك تبادل الزيارات للوفود من الجانبين، حيث تميزت مملكة البحرين بعدد الوفود التي زارت فلسطين من أصدقاء فلسطين والقدس وخاصة المؤسسة الخيرية الملكية التي نفذت مشكورة مشاريع عدة في فلسطين.

ولمست العلاقة الطيبة المتميزة التي تربط الجالية الفلسطينية بأهلهم في المملكة، بالإضافة إلى الرعاية والعناية الخاصة التي توليها القيادة للجالية والسفارة الفلسطينية.

وتقديراً لجهود سفير دولة فلسطين في البحرين منحت السفير طه عبدالقادر ميدالية الاستحقاق والتميز الذهبية أثناء زيارتي للبحرين، تقديراً منا لجهوده، وتشجيعه على مواصلة عمله لما في مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.