لم يكن للحديث في العدد الفائت أن ينتهي على عجالة، فمدير الإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي عبدالقدوس عبدالرزاق العبيدلي، عودنا دائماً على طرحه الشيّق وأساليبه الجاذبة في الحديث، لا سيما في ظل ما يتمتع به من خبرات ثرية في مجالات متعددة تشهد عليها سيرة ذاتية حافلة وإنجازات ضخمة، فضلاً عن أن المجالات التي باتت تضطلع بها أجهزة الأمن الخليجية عديدة، والابتكار الذي باتت الإمارات له عنواناً يأخذنا بسحره إلى ما لا نهاية، ما يدفعنا إلى سبر أغوار تلك المجالات والإطلاع شيئاً فشيئاً على التجارب الرائدة ورجالاتها الأشاوس، وخير من يحدثنا في هذا من بينهم ويمثلهم على أكمل وجه ضيفنا الكريم.. فمن "دبي" واحتنا السياحية الجاذبة، كان هذا اللقاء المتجدد.
العنصر النسائي الأمني
تحظى المرأة الخليجية باهتمام ودعم حكوميين، لا سيما في السنوات الأخيرة، وكلمة حق يجب أن تقال؛ فقد أثبتت المرأة الخليجية كفاءتها وجدارتها وقدرتها على العمل في ميادين عديدة، حتى أنها باتت مؤخراً تنافس الرجال حتى فيما اعتاد المجتمع أن يدرجه ضمن عنوان "مهنة الرجال"، ولهذا كان أول ما ركزت عليه "ضفاف الخليج" في الجزء الثاني من لقائها مع العبيدلي، مشاهدة الخليجي للعنصر النسائي في مواجهته الأولى لدولة خليجية ثانية، في الهجرة والجوازات، وكان من الجدير الوقوف على تقييم العبيدلي لهذه التجربة التي أتاحت للمرأة الخليجية الانخراط في جهاز الشرطة، إذ أوضح أن "العنصر النسائي في دول مجلس التعاون الخليجي، أخذ دوره بشكل كامل، وأصبحت المرأة في مستوى أخيها الرجل في الإسهام في الحياة العامة، وخاصة بعد الطفرة التعليمية التي سادت دول المجلس منذ سبعينيات القرن الماضي".
وأردف أنه "وعلى مستوى وزارات الداخلية، أصبح للمرأة دور مهم في ترسيخ الأمن، وخاصة في نقاط التفتيش النسائية في المطارات وغيرها، وتساهم المرأة في جميع العمليات الأمنية وخاصة في الخط الإداري والتقني، لا سيما أن دول المجلس تحتاج لأيدي جميع أبنائها من الرجال والنساء".
ونظراً للتنوع البشري الذي تزخر به إمارة دبي، سألنا العبيدلي بخصوص معادلة ضبط الأمن التي تم تطبيقها هناك لتؤدي إلى هذا المستوى الفاعل والبناء من ضبط الأمن، ولم يقصر العبيدلي تلك الميزة على دبي، أو أن يتجاوز ما تتمتع به دول الخليج العربية من مؤشرات أمنية إيجابية ومن انفتاح وترحاب للآخرين، ولهذا قال إن "دول مجلس التعاون الخليجي بمجملها -وليس دبي فقط- تستقبل على أراضيها جاليات كبيرة، ومن ثقافات متعددة، منذ عشرات السنين، ويتعايش الناس في ظل الأمن والاستقرار والمسؤولية الاجتماعية التي يستشعرها الجميع، ولا يجد المواطن في دول المجلس أي غضاضة في التعامل مع الآخر"، مشيراً إلى أن شعب الخليج العربي يتقبل الآخر "بالفطرة ويتعايش معه، ويحترم ثقافته، وتم تحويل هذا التنوع البشري من مصدر للقلق الأمني إلى مصدر للتكامل والاستفادة من الثقافات المتعددة، وتتمثل المعادلة التي طبقتها دولة الإمارات العربية المتحدة في (العدالة الاجتماعية وسيادة القانون)، فالكل أمام القانون سواسية، وقد أثبتت لنا الأيام والتجربة أنه كلما طبقنا مفهوم العدالة الاجتماعية حققنا الأمن بمفهومه الواسع". وعن إمكانية انخراط الشباب الخليجي في أجهزة الأمن في الدول الخليجية الأخرى، ذكر العبيدلي أن "المواطن الخليجي رجل أمن بالفطرة"، مؤكداً أن "ليس هناك ما يمنع ذلك، فنحن في دول الخليج العربي لدينا منظومة أمنية واحدة ومتعاونة منذ عشرات السنين، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة عمل معنا في أجهزة الأمن مواطنون من جميع دول المجلس، إلا أنه يبدو أن المواطن الخليجي قد فضل العمل في بلده وبالقرب من عائلته، خاصة أن دول المجلس قد عالجت مسألة البطالة ووفرت سبل العيش الكريم لجميع مواطنيها".
وأما بشأن دور وزارات الداخلية الخليجية في مجال التوعية الأمنية لشعوبها، مع تداول مفهوم الوعي على نحو واسع النطاق بين عموم الشعب، قال العبيدلي إن "التوعية الأمنية مسألة في غاية الأهمية كجزء من تحصين المجتمع ضد الأفكار الدخيلة والهدامة، ولذلك لا تخلو وزارة من وزارات الداخلية في دول الخليج العربي من وحدة إدارية للتوعية الأمنية، حتى أنها وصلت إلى بث برامج تلفزيونية وإذاعية دورياً في إطار هذه التوعية".
وأردف العبيدلي "دعنا نتفق على أن من حق المواطن الخليجي أن يطلع على كل ما يجري في وطنه، وما يتصل بأمنه واستقراره، ومن هذا المنطلق ينبغي على جميع وزارات الداخلية في دول الخليج العربي أن تسعى إلى توعية الشعوب بالمخاطر الأمنية المحدقة، خاصة أن دولنا من الدول المستهدفة أمنياً سواء على مستوى الجريمة البسيطة أو على مستوى الجريمة المنظمة".
شرطة دبي.. ريادة وسعادة
وقبل الختام، وقفنا عند الإنجازات المتحققة لشرطة دبي بابتكاراتها ورياداتها اللافتة، وحاولنا تسليط الضوء على نحو أدق في مجال المسؤولية المجتمعية، فأشار العبيدلي إلى أن "شرطة دبي أدركت مبكراً دورها ومسؤولياتها في المجال المجتمعي، فأنشأت وحدة إدارية هي الإدارة العامة لإسعاد المجتمع والإدارة العامة لحقوق الإنسان، وبنت علاقتها مع المجتمع من خلال ترسيخ ثقافة أن رجل الأمن هو في خدمة المجتمع"، مبرزاً الجهود الإماراتية الأمنية على أوسع نطاق، ولا يقتصر الأمر على شرطة دبي، واستشهد العبيدلي في هذا السياق بما حققته شرطة أبوظبي من إنجازات جديرة بالذكر والاهتمام، ولعلها لا تقل أهمية وجهداً عمّا هي عليه شرطة دبي، فشرطة أبوظبي حسب قوله كانت قد "أنشأت إدارة الشرطة المجتمعية، ولها أنشطة كبيرة تتمحور حول تدعيم العلاقة مع المجتمع، ويحظى هذا الجانب باهتمام شخصي من الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان - نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ومن جميع القيادات الأمنية في دولة الإمارات، وتستطلع شرطة دبي المجتمع سنوياً من خلال معايير خاصة بالمسؤولية المجتمعية، وتحرز درجات رضا عالمية المستوى عن دورها في المسؤولية المجتمعية".
ولأننا جميعاً ندرك أن دبي واحدة من أهم مراكز التجارة العالمية في المنطقة، والوجهة الخليجية الصاعدة سياحياً وترفيهياً، ما يجعل السفر إلى دبي من قبل كثيرين في الخليج العربي وخارجه متعة وسعادة بالغتين، قررنا الوقوف في محطتنا الأخيرة على السعادة الإماراتية المنبثقة من دبي، والابتسامة العريضة التي رسمتها شرطة دبي بأسلوبها المبتكر، إذ طالعتنا وسائل الإعلام في وقت سابق بخبر أكبر ابتسامة عالمياً تزين واجهة مبنى شرطة دبي، فضلاً عن حصول شرطة دبي على لقب "سفير السعادة". ونظراً لما شكلته تلك التجربة الرائدة من لفت كبير لأنظار الخليجيين وطمعاً في الاستفادة من تلك التجربة خليجياً، اختتمنا لقاءنا مع العبيدلي بسؤاله "كيف حققتم ذلك؟" إذ لا شك أن "السعادة" أم الغايات البشرية، فأجاب بابتسامة عريضة إن "السعادة في دولة الإمارات العربية المتحدة مصطلح أطلقه - نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وطالب جميع الجهات الحكومية بتحقيق السعادة للمتعاملين والموظفين والمجتمع، ولذلك فقد أصبحت السعادة غاية نسعى جميعاً لتحقيقها للجميع". وأردف اللواء العبيدلي "لقد ارتبط مفهوم السعادة بالتميز الحكومي والرضا عن الخدمات الحكومية"، مشيراً إلى أن "دبي كانت أول من أطلق برنامجاً للتميز الحكومي في العالم عام 1997، وكانت معايير هذا البرنامج تستدعي قياس معدلات الرضا لثلاث شرائح مهمة في المجتمع، وهي شريحة طالبي الخدمة وشريحة أفراد المجتمع وشريحة الموظفين، ونحن في القيادة العامة لشرطة دبي أطلقنا مركزاً لاستطلاع الرأي العام في عام 2000 لقياس معدلات الرضا عن جميع عمليات الشرطة بشكل عام ورضا الموظفين بشكل خاص". ووصولاً إلى النتيجة المتحققة من تلك الرؤى التي عملت دبي على تكريس كافة الجهود في سبيلها، وهي جهود جبارة، أفاد العبيدلي أن دبي "قد تمكنت من رفع معدلات السعادة وإشاعة روح التفاؤل والإيجابية لدى الموظفين ولدى المتعاملين، حتى أصبحت هذه المفاهيم ثقافة راسخة لدى الجميع، على اعتبار أن الإبداع والإنجاز لا يصدران عن مجتمع محبط، فهناك علاقة وطيدة بين سعادة المجتمع وبين تقدمه ورقيه وتطوره.
وألقينا مراسينا..
بعد أن استلهمنا من دبي رؤية عميقة، ومن شرطتها إخلاصاً وتفانياً وبذلاً بوأتها المراكز العليا على أصعدة مختلفة وعلى مستويات عالمية، مع الدكتور عبدالقدوس العبيدلي يمضي الوقت سريعاً، وتعيش حالة من الإنبهار لما يتحقق من إنجازات في وقت زمني قصير، تدعمه الإرادة والإبتكار والإنجاز، والرغبة الجادة على العطاء. فبينما كنا في كافة لقاءاتنا السابقة ننشد الأمان على ضفة ما بإلقاء المراسي بعد رحلة طويلة في قلب الخليج العربي على إحدى ضفافه، وجدنا الأمان في قلب الخليج العربي الأرض، والوطن، والشعب. فالأمن ورجاله من الشعب وإلى الشعب، ومن الوطن في خدمة الوطن، ولطالما كان الخليجيون يتابعون النشاط الإماراتي بإعجاب وغبطة كبيرين، وإن كان من كلمة تكافئ حجم العطاء الإماراتي وازدهاره وتقدمه فهي واحدة مقتضبة لطالما عملت على ترديدها وما زلت "نجاح مستحق.. فهنيئاً للإمارات وأهلها".