أشاد خبراء سياسيون وأكاديميون بحكمة القيادة الرشيدة في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تهدف إلى حفظ استقرار مملكة البحرين، والتصدي التام لكل محاولة اختراق أمن المملكة والنيل من مكتسباتها.
جاء ذلك في تصريحات خاصة لوكالة أبناء البحرين (بنا) لعدد من الخبراء السياسيين والأكاديميين، على خلفية قرار مملكة البحرين بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر، بسبب إصرار دولة قطر على المضي في زعزعة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين والتدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين.
ومن جانبه أشار السفير حمد العامر، المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون، أن مجلس التعاون الخليجي يمثل ركيزة مهمة من ركائز الأمن، وهو الحصن الحصين لاستقلال واستقرار دول المجلس، وقد أثبت ذلك بصورة عملية من خلال المشاركة الفعالة في عملية تحرير الكويت وحماية أمن المنشآت البحرينية إبان أزمة عام 2011، إلى جانب الحفاظ على كيانات الدول الخليجية، أما أزمات الربيع العربي وما انتهى به إلى إسقاط العديد من الأنظمة.
وأوضح العامر إلى أن الموقف الراهن ليس مؤثراً على منظومة دول مجلس التعاون الخليجي فحسب؛ وإنما سيكون له تأثيراته الكبيرة على الإقليم والعالم، وهو ما بدا واضحا من خلال ردود الفعل من العواصم الكبرى، مضيفاً أن أمام قطر مسؤولية كبيرة، إذ أن الموضوع لا يعود إلى اليوم، حيث وقعت قطر في السادس عشر من نوفمبر عام 2014 اتفاق الرياض، الذي جاء بعد أزمة سابقة بينها وبين دول المجلس، والتزمت فيه بعد إيواء أو دعم الجماعات الإرهابية، وعدم دعم الجهات التي تتخالف مع دول المجلس، وكذلك تقديم الدعم والمساهمة في استقرار جمهورية مصر العربي وحفظ أمنها واستقرارها وإيقاف كل الأنشطة الإعلامية ضدها، منوهاً أنه ومنذ توقيع هذه الاتفاقية إلى الآن لم تلتزم بها قطر، إضافة إلى عدد من السلوكيات التي كان لها تأثيراتها السلبية على أمن واستقرار دول مجلس التعاون، وكل هذا مجتمعاً أدى إلى النتيجة التي حصلت اليوم.
واستدرك السفير العامر قائلاً إنه ورغم كل ما تقوم به السياسة القطرية تجاه دول المجلس والدول العربية الشقيقة، فإن الروابط الاجتماعية والأخوية والتاريخية بين قطر والبحرين ودول المجلس، كلها عوامل تؤكد أن شعوب الخليج يجمعها أكثر مما يفرقها، وأن مصيرها واحد، ولا بد من الالتزام بالمسار الخليجي الموحد لأنه الحصن الحصين الذي يحمي أمن واستقرار دول المنظومة الخليجي.
وأضاف العامر أن مسؤولية قطر اليوم هي التأكيد والالتزام على التعاون مع دول المنظومة الخليجية من أجل حماية أمنها واستقلالها وتحقيق تطلعات شعبها، وهذا لا يتم إلا بتوافق واتفاق جميع دول المجلس، مشيراً إلى أن المستفيد من هذا الخلاف الخليجي هو النظام الإيراني، الذي استطاع توسيع نفوذه في العديد من الدول العربية واستغلال حاجات المواطن العربي أبشع استغلال، إلى جانب قيامه بدعم الإرهاب والعنف وتهريب الأسلحة والمتفجرات إلى مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وتدريب الخلايا الإرهابية لتكون معاول هدم في أوطانها، لذلك فإن المطلوب اليوم الوقوف معاً كدول مجلس التعاون والضغط على إيران بالالتزام التام بحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وأوضح العامر أن ما قامت به قطر لا يصب في مصلحة دول المجلس، خصوصاً أن المنطقة والعالم يمر بمرحلة حرجة وخطيرة للغاية، مرجعاً سبب الخلاف الحالي إلى استمرار عدم الثقة، وهي الحلقة المفقودة في العلاقات بين دول المجلس، لاسيما أن الدول تعتمد في حل خلافاتها على المجاملات ولا تناقش الواقع بتفاصيله وبما يحتاجه من تدقيق.
وطالب السفير حمد العامر بمراجعة دقيقة لأسباب الخلاف بين دول المجلس وقطر، وهي بلا شك حالة لها تراكماتها منذ سنوات ولم يتم التطرق لها بسبب المجاملات، لذلك لا بد من جلسة مصارحة بمستوى شفافية عالٍ وواضح لتأكيد اتفاق 16 نوفمبر 2014 ومناقشة ما جد بعد ذلك، لافتاً إلى ضرورة تفعيل المحكمة الخليجية، التي تم إقرارها منذ تأسيس المجلس، حيث تعنى بمراقبة سلوك الدول الأعضاء والتزامها بالسياسة العامة والخطوط العريضة في السياسة الدولية والإقليمية والسياسة الاقتصادية، ومنبهاً إلى أن تفعيل هذه المحكمة قد يساهم مستقبلاً في إعادة الثقة وتعديل المسارات بدل الدخول في خلافات كما حدث سابقاً ويحدث الآن.
وعن المصلحة القطرية في كسر الصف الخليجي وبناء تحالفات والتعاون مع دول ومنظمات إرهابية، أكد السفير حمد العامر أن لا مصلحة لقطر ولا لدول المجلس في عدم الالتزام بالنظام الأساسي، وهذه التصرفات لا يمكنها أن تحقق أية مصلحة لقطر، حتى وإن ظن البعض أن بها مصالح لهم.
من جانبه أكد الأكاديمي والخبير السياسي، د. محمد أبو عامود، أن قرار مملكة البحرين بقطع علاقاتها مع دولة قطر يتسق مع ضرورات الأمن الوطني البحريني وذلك بعد محاولات كثيرة ومتلاحقة ومستمرة في إقناع الجانب القطري أن السياسات التي يتبعها فيها تهديد واضح وصريح لأمن البحرين ولدول المجلس والدول العربية بشكل عام، مضيفاً أن القرار جاء بعد محصلة جهود متواصلة وحرص شديد للحفاظ على العلاقات الأخوية التي تجمع بين دول مجلس التعاون، ولكن الجانب القطري له حسابات وتوجهات أخرى ولم يستجب لكل المساعي والجهود والفرص التي أتيحت ليراجع سياساته بما يتماشى مع متطلبات الأمن الخليجي، وكونه أحد أعضاء المنظومة الخليجية، ولكن سياساته كانت دائماً مثار تساؤلات وتحلق بعيداً عن السرب الخليجي، كما كان واضحاً في أكثر من موقف.
وعن مصالح قطر في الخروج من الإجماع الخليجي أوضح أبو عامود أن المثير للجدل والانتباهأنه وبكل المقاييس لا تحقق أن توجهات قطر أي مصالح لها، وبالعكس تشكل هضماً من رصيدها وليس له مبررات موضوعية، فلا مصالح متحققة لقطر فيما يجري، وهو ما يثير الانتباه ويجب دراسته بشكل متعمق، لافتاً إلى أن هناك أطرافاً أخرى عالمية وإقليمية لديها أهداف تحققها من خلال سياسة قطر وعلى حساب المصالح العربية والقطرية.
وأضاف أبو عامود إلى أن هناك أطرافاً إقليمية تدفع نحو هذه السياسات لتحقق مصالحها الخاصة، فيما هناك بعض الأوهام والخيالات لدى قطر في أن تكون الدولة الأقوى في المنظومة الخليجية والأكثر تأثيراً، ولتكون بديلاً عن الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.
وعن ردود الفعل؛ خصوصاً من دول خارج المنظومة الخليجية، وإعلان بعضها قطع علاقاتها مع قطر أشار أبو عامود إلى أن هناك العديد من الدول التي تضررت بفضل سياسات قطر العدوانية، وبالتالي فمن الطبيعي أن تتخذ بعض الدول قرارات حاسمة بقطع علاقاتها مع قطر، مستشهداً بذلك على التدخلات القطرية المستمرة في الشؤون الداخلية المصرية، بل وتورط قطر في دعم جماعات وتنظيمات إرهابية داخل الحدود المصرية، مشيراً إلى أن هناك تنسيقاً مصرياً خليجياً على قطع العلاقات مع دول قطر.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة العلوم والتكنولوجيا، د.نظمي أبو لبدة، فأشار إلى أن القرار الخليجي بقطع العلاقات مع دولة قطر لم يكن مفاجئاً، حيث انتهجت الدوحة سياسات تختلف كثيراً، بل وتضر، مصالح دول مجلس التعاون الخليجي وتتعمد الخروج عن الاجماع الخليجي في أكثر من مناسبة، إلى جانب تدخلها المباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية وتأجيج الصراعات والفتن، وهو ما نرى آثاره اليوم بشكل واضح في مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها.
وعن التدخلات القطرية في الشؤون البحرينية، أوضح أبو لبدة إلى أن البحرين من أكثر الدول المتضررة من السياسات القطرية، وهذا الأمر ليس حديثاً وإنما يمتد إلى سنوات خلت؛ حيث تعمدت قطر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في قضية جزر حوار بشكل أحادي ودون التوافق مع مملكة البحرين وهو ما يخالف الأعراف الدولية في هذا الشأن.
إضافة إلى ما قامت به قطر من سياسات مضرة للأمن الوطني البحريني والسلامة والوطنية، سواء على مستوى الدولة أو الافراد، حيث عمدت إلى منح جنسيتها لمواطنين وعائلات بحرينية، بهدف التأثير على التركيبية السكانية للمملكة، ورغم مطالبة البحرين لقطر بوقف هذا السلوك العدائي إلى أنها استمرت في ضرب عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف والعلاقات بين الإخوة.
وأضاف أبو لبدة أن هناك أيضاً ما كشفت عنه العمليات الاستخباراتية البحرينية بوجود علاقات سرية ودعم سري قطري للجماعات المعارضة في البحرين، والتي تنتهج سياسات وأعمال إرهابية تضر بالأمن الوطني البحريني، كما لا نستطيع إغفال الدور الذي يلعبه الإعلام القطري ضد البحرين، وهو إعلام مارس دوراً غير ودي على الإطلاق ومثيراً للريبة والشكوك والفتنة الطائفية داخل المجتمع البحريني. فهذه السلوكيات لا تنم حسن جوار وأخوة، بل سببت أضراراً جسيمة للبحرين، بل وتجاوزت البحرين لتصل إلى دول الخليج الأخرى من خلال دعم مجموعات إرهابية في السعودية، وهو ما يؤثر عليها ويزعزع استقرارها.
وعن احتمال وجود مصلحة قطرية فيما تقوم به من تجاوزات، أشار أبو لبدة إلى أن قطر دولة متمردة وتريد أن تلعب دوراً يفوق حجمها وإمكاناتها، حيث تقوم بتوظيف المال الذي تستحوذ عليه من النفط والغاز للعب دور يفوق حجمها الجيوسياسي، وتدفع لتبدو كلاعب مستقل له سياساته المستقلة، ولكن في الحقيقة وبتحليل نتائج سياسيات تجدها تخدم أعداء الأمة وتضر بمصالحها ومصالح دول المنظومة الخليجية.