أكد رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات"، د.عبد الله بن أحمد آل خليفة، أن التهديدات البيئية، والمعوقات التنموية التي تواجه الدول الجزرية الصغيرة، تعتبر مسألة مصيرية، وتمثل تحديا حقيقيا أمام الضمير الإنساني العالمي.جاء ذلك خلال استضافة "مركز قبرص للشؤون الأوروبية والدولية" بالتعاون مع كلية "السياسة والحوكمة التابعة لجامعة نيقوسيا" (وهي أكبر جامعة في قبرص) د.عبد الله بن أحمد آل خليفة، للحديث أمام ندوة نخبوية، تحت عنوان "الخيارات الاستراتيجية للدول الجزرية الصغيرة: البحرين نموذجاً"، وأدارها البروفيسور أندريسثيوبانوس، رئيس المركز وعميد الكلية، بحضور لفيف من المسئولين، وكبار الأكاديميين والباحثين والمختصين، ووسائل الإعلام.وقال المتحدث د.عبد الله بن أحمد آل خليفة: إن الدول الجزرية التي تقف شاهدة على تفاعلات البيئة والجغرافيا باتت في السنوات الأخيرة تحتل مكانة أكبر على الساحة الدولية، وفي خطط التنمية الأممية، حيث تواجه تحديين رئيسيين، أولهما: تهديدات ناتجة عن خطر الغرق في ظل الارتفاع المضطرد لمستوى سطح البحر بسبب تغير المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري، وثانيهما: تراجع مؤشرات النمو الاقتصادي وازدياد معدلات الفقر والبطالة، حيث تتقاسم معظم هذه الدول معوقات مماثلة للتنمية المستدامة، مثل الحجم الصغير، ومحدودية الموارد، والنمو السكاني، والاعتماد المفرط على التجارة الدولية.وأشار د.عبد الله بن أحمد آل خليفة إلى أنه في يونيو 1992 اعترف مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو بالبرازيل بمشاركة 179 بلداً، بالدول الجزرية الصغيرة النامية لأول مرة، باعتبارها تمثل حالة خاصة بالنسبة إلى كل من البيئة والتنمية كونها سريعة التأثر للغاية بالتغيرات المناخية. والآن، أي بعد ربع قرن من هذا الاعتراف، مازالت الدول الجزرية الصغيرة، والمنظمات الدولية المعنية، تدق ناقوس الخطر بخصوص التداعيات السلبية الناتجة عن تلك التغيرات.وأوضح د.عبد الله بن أحمد آل خليفة أن معظم الدول الجزرية النامية، بحسب نتائج الدراسات والاستقصاءات، تجد صعوبات جمة في تحقيق معدلات تنموية سواء بشرية أو اقتصادية، وتواجه برامج التنمية لديها مشكلات عدة تتعلق بأوضاع داخلية وخارجية وبيئية، تعيق استغلال وإدارة مواردها بطريقة مثلي، وبالتالي صعوبة تحقيق خطط التنمية وصولا إلى حياة أفضل. كما أن أهم القطاعات التي تسهم في الناتج المحلي الإجمالي لمعظم تلك الدول، وهي الزراعة والسياحة والصيد معرضة لانخفاض مساهماتها، خاصة إذا علمنا أن هذه الدول تستقبل نحو 6% فقط من المبالغ التمويلية المتوقعة، رغم أنها لا تسهم سوى بـ 1% من انبعاثات الغازات.واعتبر المتحدث د.عبدالله بن أحمد آل خليفة أن الاتفاقيات والجهود الدولية لم تثمر نتائج ذات مغزى قادرة على تفادي الأخطار الناجمة عن تغير المناخ نتيجة عدم وجود آليات عملية تلزم دول العالم لاسيما الصناعية الكبرى باتخاذ الإجراءات الاحترازية والتصحيحية المنشودة، مؤكدا أن الوقت حان من أجل صياغة نظام دولي قانوني فعال، لمواجهة الآثار المناخية العابرة للحدود.وطالب د.عبد الله بن أحمد آل خليفة تحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS) بتكثيف التعاون فيما بين أعضائه، وكذلك مع الدول والمجموعات الدولية الكبرى ليس على مستوى مواجهة ظاهرة التغير المناخي فحسب، بل العمل أيضا على بناء الشراكات والقدرات لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال إيجاد نموذج تنموي يراعي خصوصية الدول الجزرية، ويطرح التوصيات البناءة والأفكار الخلاقة،للتغلب على التحديات التي تواجهها.وتطرق د.عبد الله بن أحمد آل خليفة إلى الحديث عن مملكة البحرين كنموذج للدول الجزرية، فمساحتها ومواردها الطبيعية محدودة، وكثافتها السكانية عالية، وتشير نتائج تقارير البلاغ الوطني للمملكة المقدمة إلى الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، إلى أن هناك مخاطر ناتجة عن ارتفاع مستوى سطح البحر حول جزر البحرين، وقد يؤثر هذا الأمر على البنية التحتية، وقطاعات الإنتاجالمختلفة، ويزيد من تآكل السواحل، وتناقص التنوع البيولوجي، هذا فضلا عن تحديات اقتصادية وأمنية إقليمية.وأكد د.عبد الله بن أحمد آل خليفة أن مملكة البحرين رغم هذه التحديات، تقدم مثالاً ملهماً في التقدم والإصلاح والتنمية للدول الجزرية الناهضة والناشئة، فقد صنعت المملكة ربيعها الخاص بعد أن طرح حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد مشروعه الإصلاحي منذ تولي جلالته مقاليد الحكم عام 1999، وأهم ما يميزه أنه مشروع شامل لكافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كما يتسم بالتجديد والتطور والتدرج بما يتناسب مع تطلعات شعب البحرين، ويتوافق مع التنوع الذي تحتضنه المملكة،باعتباره عنصر قوة وليس مصدر شقاق.وبين رئيس مجلس أمناء مركز "دراسات" أن مملكة البحرين حققت نقلة نوعية في مجال التنمية البشرية وضعتها طبقا للمؤشرات الدولية في مصاف دول العالم المتقدم ذات التنمية البشرية العالية، ولديها مجتمع مدني يتمتع بحيوية وفعالية جراء أجواءالانفتاح والحرية، كما يلعب دورًا مؤثرًا في التنميةالمستدامة، والتطور الديمقراطي، وحقوق الإنسان كشريك رئيسي وحقيقي.واستعرض د. عبدالله بن أحمد آل خليفة دور وجهود المجلس الأعلى للبيئة برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة الممثل الشخصي لجلالة الملك المفدى، في تعزيز أهداف المجتمع الدولي على الصعيد البيئي، وبناء القدرات وزيادة الوعي من خلال التعاون مع المنظمات الدولية ذات الاختصاص، منوها إلى أن مملكة البحرين كانت من أوائل الدول التي وافقت ووقعت على الاتفاقية العالمية حول المناخ للحد من انبعاثات الكربون المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري، مبيناً أن ما حققته مملكة البحرين من إنجازات في مجال حماية البيئة ونجاح استراتيجية المجلس الأعلى للبيئة، جاء بفضل توجيهات سامية من لدن عاهل البلاد المفدى بتكريس الجهود للنمو بالقطاع البيئي، ووفقا لرؤيةالبحرين الاقتصادية 2030 والتي تضمنت ركائز عديدة في التنمية البيئية المستدامة، وتماشيا مع جهود الحكومة في المجال البيئي.وعلى صعيد السياسة الخارجية، ذكر رئيس مجلس أمناء مركز "دراسات" أن مملكة البحرين تتبني سياسة تقوم على مبادئ ثابتة وفاعلة، تتمثل في عدم التدخل في شئون الدول الأخرى، واحترام سيادتها، والتعاون القائم على الاحترام المتبادل، ومساعدة ودعم المساعى الرامية لنشر السلام والرخاء في منطقتها والعالم. وقد فرضت تطورات الأحداث أن تنخرط المملكة في قضايا إقليمية ودولية انتصارا لتلك المبادئ، مشيرا في هذا الصدد إلى مشاركة البحرين في جهود مكافحة الإرهاب وتنظيماته المختلفة والدول الراعية له، إلى جانب المساهمة في حماية وترسيخ مقومات الأمن والاستقرار في المنطقة في ظل محاولات إيران فرض نفوذها ومشروعها التوسعي في منطقة الشرق الأوسط.وأكد د.عبد الله بن أحمد آل خليفة، أن خطر إيران لا يكمن فقط في منعها من امتلاك السلاح النووي. وإنما يتعلق الأمر أيضاً بأن طهران الراعي الأول والأساسي لصناعة وتمويل وإدارة الإرهاب، وزعزعة أسس الاستقرار لدول المنطقة، إلى جانب نشاطها المحموم في تطوير الصواريخ البالستية، وتهديدها للملاحة الدولية وامدادات الطاقة، مشيرا إلى أنه خلال الفترة الماضية، تورطت إيران في عمليات واسعة النطاق لتهريب الأسلحة، والتدريب العسكري، والدعم اللوجستي لمناطق عديدة مضطربة، كسوريا واليمن ولبنان. واستمر هذا التورط باستهداف معظم دول مجلس التعاون الخليجي، علاوة على دول غربية أخرى.وفي ختام الندوة، طرح د. عبد الله بن أحمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء مركز "دراسات" رؤية مملكة البحرين للاستقرار والرخاء في المنطقة،من خلال العمل على بناء نظام أمني متوازن وفاعل، يتكامل فيه الأمن والتنمية، ويستند إلى مبادئ الإصلاح، والتنمية المستدامة، ومحاربة التطرف والإرهاب بمختلف أشكاله، وتعزيز الشراكات الإستراتيجية والعلاقات الأمنية مع الدول الشقيقة والصديقة، والقائمة على المصالح المشتركة في إطار "شراكة الاعتدال" و"الرخاء والسلام للجميع".