تشير آخر استطلاعات الرأي حول مصادر المعلومات الصحية بمملكة البحرين أن الإنترنت هو من أهم مصادر المعلومات الصحية وأكثرها استخداما بين سكان المملكة خلال الأعوام الثلاث الماضية حسب نتائج بحوث إلكترونية لشركة زاركا بالتعاون مع إدارة تعزيز الصحة بوزارة الصحة، رغم أن هذا يعد إشارة جيدة على زيادة الوعي الصحي وتطور آليات ومصادر التوعية الصحية، حيث إن المعلومات الطبية التي تنشر على مواقع الإنترنت قد تكون مفيدة أحياناً في التعرف على طبيعة المرض وأسبابه وطرق علاجه ويمكن الاستفادة منها في تعزيز المسؤولية الذاتية للعناية بالصحة، إلا أنها لا تغني عن زيارة الطبيب في حال حدوث اي مشكلة صحية حقيقية مهما بلغت من الدقة والصواب . وترى منظمة الصحة العالمية أن الإنترنت يعتبر مصدراً يزخر بالمعلومات المفيدة، إلا أنها قد تخلو من المصداقية وربما تكون مشبوهة أو مضللة في كثير من الأحيان، لعدة أسباب منها عدم وجود لوائح وقوانين دولية تنظم هذا الميدان .
ويتداول ملايين من البشر المعلومات الصحية على شبكات التواصل الاجتماعي لحظيا، مما يشكل خطورة كبيرة على الأشخاص الذين يسارعون بتطبيق محتواها دون الرجوع للجهات الصحية الرسمية او للطبيب المعالج، فالكثير من هذه المعلومات تتعلق بالأمراض الصحية الخطيرة كامراض القلب والسرطان والسكري والفشل الكلوي وغالبا ما تكون مضللة ويتم مشاركتها على نطاق واسع بسبب طبيعتها المثيرة والحماسية، هذا مقارنة بالتقارير الصحية الرسمية التي يتم اعدادها بناء على كم كبير من البراهين البحثية والأدلة العلمية وتصدرها الجهات الطبية ذات المصداقية الا انه وللاسف قد يتم تجاهلها او لا تلاقي الانتشار الكافي والسريع لكونها معتدلة ولا تغذي روح الاثارة والمبالغة، ونحن نلحظ يوميا مئات الرسائل المتناقلة بسرعة البرق في مجموعات الواتس اب او في الانستجرام او في تغريداتالتويتر، حول علاجات شعبية ذات نتائج باهرة، وقصص شفاء من داء السكري والفشل الكلوي والسرطان وغيرها من الامراض العضال باستخدام نباتات وخلطات عشبية وأغذية محددة دون غيرها، تقفل بجملة (دعواتكم لنا وانشر لتؤجر) ومثل ذلك تنتشر رسائل أخرى حول خطورة تناول بعض الأدوية وسحبها من الأسواق ثم يتم تكذيبها من السلطات الصحية، وهكذا فان بحر الاشاعة الصحية غني لا يكاد ينضب.
على سبيل المثال نشرت صحيفة الإندبندنت في النصف الأول من 2017 تحليلاً أجرته لأكثر 20 مقالاً تضمن كلمة "سرطان" فى العنوان تم مشاركته على فيس بوك خلال عام 2016، وتبين أن نصف المعلومات الواردة غير صحيحة ويتم تكذيبها من قبل الأطباء والسلطات الصحية أو مباشرة من المصدر الوارد ذكره فى المادة.
و في هذا الصدد أدخل الفيس بوك التدابير التى تتيح الإبلاغ عن الأخبار غير الموثوقة على الموقع، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجد ان ثلاثة من ضمن أفضل خمسة مقالات تضمنت "فيروس الورم الحليمى البشرى" فى العنوان، قد حصلت على أكبر عدد من المشاركات والاعجاب على فيس بوك، كانت غير صحيحة بعد التحقق منها، كما نشر احد مواقع الإنترنت مقالا عن دور "عشبة الهندباء في تقوية جهاز المناعة وعلاج السرطان" والتي تلقت أكثر من 1.4 مليون لايك على فيس بوك ، وتعليق ومشاركة ، رغم أن فاعلية هذه العشبة فى علاج تلك الأمراض مازالت محل دراسة، ولم يتم تأكيدها حتى الآن.
إنه من المثير للقلق هذا العدد الضخم من الأخبار الصحية المفبركة أو غير المؤكدة في أفضل الأحوال التى يتم تداولها على شبكة الإنترنت والتي تهدد بفقدان الثقة في المؤسسات الصحية والعلاجات الطبية المتطورة والامنة والتي استغرق تطورها سنينا من البحث والجهد وملايينا من الدولارات والذي ما من شك انه يؤثر سلبا على صحة الناس ويهدد حياتهم بالخطر ويثني البعض من الاستفادة من علاجات مثبت فاعليتها وسلامتها. ان البعض من هذه الاشاعات غير المتزنة، والتي لا أساس لها من الصحة، يمكن أن يؤدي إلى نشأة مخاوف غير مبررة، لدى عامة الناس حول خطورة بعض العلاجات أو التطعيمات مما يهدد الصحة العامة ويساعد في انتشار اوبئة قد تم القضاء عليها واحتواؤها بفضل التطور في هذا المجال.
إضافة لكل ذلك فقد انتج استخدام المعلومات الصحية في هذه المواقع المختلفة نوعا حديثا من أنواع وسواس المرض يعرف بسايبركوندريا، أي توهم المرض بسبب معلومات الإنترنت .. إن الإنترنت يعد مصدراً خطراً للمصابين بوسواس المرض، حيث إن توافر المعلومات بغزارة (على الشبكة) يمكن أن يمثل مشكلة للمصاب بالمرض لانه يعزز المخاوف التي تنتابه. ورغم أن الكثيرمن الناس يتصفح الإنترنت لتهدئة مخاوفه الصحية، إلا أن العكس يحدث في أغلب الأحيان. فسرعان ما قد يغير البحث على الانترنت مفاهيم الشخص حول عرض شائع كالصداع الناتج عن الإرهاق أو الجفاف ليعتقد أنه ورم في الدماغ وقد استحدث مصطلح سايبركوندريا الناتج عن قلق المرء الذي لا أساس له إزاء حالته الصحية بسبب زيارة المواقع الإلكترونية الطبية، على غرار مرض الهايبوكوندريا (وسواس توهم المرض).
وإن توفر المعلومات المتعلقة بالصحة على الانترنت او في مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تغني عن التواصل بين المريض والطبيب، وأن الأطباء يطرحون الأسئلة ويجرون الفحص البدني ويطلبون فحوصا مخبرية، وهي أدوات تشخيصية مهمة للغاية لن تجد أياً منها في هذه المواقع؛ هذا علاوة على عامل الخبرة والتحليل المنطقي اخذا بكل الاعتبارات العلمية والمهنية والإنسانية والتي لا يمكن لأي برنامج أو موقع ان يتضمنها جميعا في ذات الوقت.