يظهر الناس على وسائل التواصل ومواقع الإنترنت المختلفة اهتماماً ملحوظاً بـ"الأبراج" رغم كل ما قيل وكتب عنها. ومع أن 16% فقط قالوا إنهم يؤمنون بالأبراج من 1077 شخصاً شاركوا في استبيان أعدته "الوطن"، فإن متابعة "الأبراج" يومياً لا تتوقف عند كونها تسلية، إذ تشير تعليقات كثيرة إلى أن الأبراج توفر مجالاً خصباً لمداعبة الرغبة البشرية الأزلية في معرفة المصائر.
تذكر أريج حسن في إحدى هذه التعليقات أن الأبراج شيء مهم في حياتها بل وتصدقها تصديقاً كلياً لدرجة أنه حين يتقدم شاب لخطبتها فإن أول ما تسأل عنه هو برجه لمعرفة مدى مطابقته لبرجها، بل يصل الأمر إلى رفض الخطبة إذا "تضاد" البرجان.
وتقسم أريج إيمانها بالأبراج إلى نوعين، فهي تؤمن بالصفات الشخصية لكل برج لكنها لا تؤمن بالتنبؤات المستقبلية.
أما عبدالرحمن صاحب حساب للأبراج، فقال "لا أفضل استخدام اسم الأبراج بل "علم الفلك"، فهو يعتبر أحد العلوم التي درست. كل صباح أقرأ ما سيحدث اليوم في برجي وأكتب التوقعات في حسابي على تويتر ويتابعني كثيرون"، مضيفاً: "أنا أؤمن بما تكتبه الأبراج من تحليل للشخصيات ومن أحداث مستقبلية. وما دفعني للإيمان بـ"علم الفلك" أن جميع الأحداث التي ينبئ بها برجي تحدث على أرض الواقع".
في حين يصل الأمر بفاطمة أحمد إلى حد البقاء في البيت إن أخبرها برجها أن يومها سيكون سيئاً، معبرة عن اعتقادها بأن كل ما تقوله الأبراج يحدث في الواقع.
فيما قال أحمد عبدالله إنه من المهتمين بالأبراج لمجرد "التسلية"، مضيفاً "لا أؤمن بها ولا أجعلها تسيطر على حياتي بل هي مجرد إضاعة لبعض الوقت في قراءة ما يفكر به الناس، فإيماني أقوى من أن تسيطر عليه أفكار أشخاص يدعون علم الغيب والله وحده هو من يعلم بهذه الأمور".
فما الذي يدفعنا إلى متابعة الأبراج إن كنا لا نؤمن بما تقول؟ وما الذي يدفع بعضنا للإيمان بما تقوله؟ وهل من علاقة للأبراج بعلم الفلك فعلاً؟
هل يتشابه 580 مليوناً من البشر؟
تحدث رئيس جمعية الفلكيين البحرينية د.وهيب الناصر قال إن "لا وجود لأبراج فلكية تتنبأ بالمستقبل وبشخصيات الناس عن طريق تاريخ ولادتهم"، مضيفاً "أن المراجع تشير إلى أن نشأة التنجيم كانت منذ 3 آلاف عام قبل الميلاد، حيث يذكر التاريخ أن معظم الحكومات كانت لا تسمح إلا للمنجمين الرسميين بالتنبؤ، وكان محظوراً على غير الرسميين خوفاً من تنبؤاتهم، لأنهم كانوا قادرين على إثارة البلبلة بين الناس وقلب نظام الحكم أحياناً بتنبؤاتهم. وتعرض العديد من المنجمين للإعدام بسبب خطئهم، وعدم قدرتهم على التنبؤ بأحداث حصلت".
وتابع وهيب الناصر: "للأسف ربط الإعلام القديم والحديث علم الفلك بممارسة التنجيم، لأسباب تجارية أو اجتماعية أو حتى سياسية ونفسية، رغم أن التنجيم ليس علماً ولا فناً وإنما استخفافاً بعقول البسطاء حتى إن كانوا رؤساء"، منبها إلى أن "بعض المنجمين يسعى إلى استخدام مصطلحات علمية أو معادلات فلكية ليضفي شيئا من المصداقية على ما طرحه"، متسائلا: "كيف لعاقل أن يصدق أن موضع حجر في سماء الكواكب مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ أو المشتري وزحل وأورانوس ونيبتون، أو أن موضع النار في السماء (النجوم) تؤثر على مستقبل الأحداث الاجتماعية مثل الزواج والكوارث والحروب والعلاقات العاطفية والتجارة؟!".
وأوضح الناصر أنه "لا يمكن تحليل الشخصيات عبر الأبراج الفلكية إلا إذا تمت دراسة سلوك 7 مليارات من البشر وثبت أن خواص كل 580 مليون شخص متشابهة في كل برج (12 برجاً)! وهذا لا يحدث مطلقاً. المنجمون الكذابون يربطون سلوك 3 زعماء من مواليد برج معين ويعممونها على 580 مليون شخص. فعلمياً يجب أن يكون هناك 580 مليون شخص مثل هتلر ونفس العدد مثل شخصية إينشتاين وغيرها!".
لماذا نقول "هذا ينطبق علي"؟
إذا كانت علاقة الأبراج بعلم الفلك مدعاة، فما الدوافع النفسية لكثير منا إلى متابعة الأبراج وأحياناً إلى تصديقها؟
ذكر الاختصاصي النفسي محمود عبدالعال أن "علم النفس درس السلوك الإنساني من خلال عدد كبير من النظريات. المكون الأول في موضوع الأبراج يشتمل على ارتباط البرج بالشخصية، فينطبق الموصوف على عدد هائل من البشر. وأشار عبدالعال إلى أنه إذا قلنا إنك شخص تمتاز بطيبة فهذا ينطبق على الملايين من البشر ونجد أن كل شخص يقول "هذا ينطبق علي". وهذا ما توصل إليه علم النفس في إيجاد قوانين عامة تحكم سلوك الإنسان بحيث يمكن من خلالها فهم السلوك الإنساني. أما المكون الثاني فهو القائم على التنبؤ بالأحداث المستقبلية كأن نقول مثلا إنك ستقابل شخصية هامة وسيكون لها أثر كبير في حياتك. إن هذا النوع من التنبؤ يخالف العقيدة الإسلامية لأن الله وحده هو عالم الغيب والشهادة ولا يستطيع أي شخص التنبؤ بما سيحدث بعد ثانية".
وعن دوافع اهتمام البعض بموضوع الأبراج، قال عبدالعال "هناك مجموعة من العوامل التي تؤدي بأشخاص إلى الإيمان بمصداقية المواضيع المتعلقة بالأبراج، منها على سبيل المثال نمط الشخصية السائد لدى البعض وخصوصاً الشخصيات التي لديها قابلية للإيحاء.
وأضاف عبدالعال أن أصحاب هذه الشخصية يميلون غالباً إلى قبول الحقائق حول شخصياتهم وما يتم التنبؤ به من خلال حدوث صدفة ما في تفسير شخصياتهم عبر الأبراج فيصدقونها وتصبح في حكم الواقع، لذا ينكبون على متابعة المواقع التي تنشر هذا النوع من تفسير الشخصية والأحداث فتعطيهم نوعاً من الأمل والتفاؤل، مشيراً إلى أنه غالباً ما تكون هذه الشخصيات من النوع الساذج أو من ذوي ثقافة متدنية نسبياً. والبعض الآخر يلجأ إليها كنوع من الرغبة في التعرف على مدى التوافق بينهم وبين أشخاص آخرين. إذ يهتم كل شاب وفتاة بمعرفة حقيقة وطباع شريك حياته، مستدركا: أما الأشخاص الذين يأخذون هذه التنبؤات والسمات على محمل التصديق فقد نجدهم يعانون من ضعف الوازع الديني، أو الإحساس بالوحدة النفسية، أو تدني مستوى مفهوم الذات لديهم أو من الشخصيات التي تؤمن في أن حل مشكلاتها يكون من خلال الخرافات والتنجيم والكهنة أو اللجوء لمن يدعون الغيب أو غيره، ومنهم من يؤمن بذلك لمعاناته الشخصية من مشكلة ما وخصوصاً مع شريك حياته".
"عباد النجوم"
إذا كان الاختصاصي النفسي يعتبر ضعف الوازع الديني عاملاً لاهتمام الناس بالأبراج، فما هو هذا الوازع، وكيف السبيل إلى تنميته؟
تحدث الشيخ محمد حمزة قال إن "بعض العلماء والمفسرين للقرآن الكريم اعتبروا أن البروج أو الأبراج هي مواقع لنجوم بارزة وظاهرة في السماء، كما في قوله تعالى: "ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزينَّاها للناظرين". والعرب في الجاهلية عدوا المعرفة لمواقع النجوم ومنازلها من أجلّ العلوم؛ إذ كانوا يستدلون بها على الطرقات والأوقات، والخصب والجدب؛ أي وفرة الماء من عدمه ومعرفة مواسم الأمطار.
واعتبر الشيخ حمزة أن القرآن الكريم أشار إلى الحكمة الإلهية من خلق النجوم في السماء. ولقد بالغ أقوام في التعلق بالنجوم إلى درجة أنهم يعتقدون أن نجماً بعينه هو المسؤول عن سعادتهم في الحياة الدنيا وشقائهم، فهو الذي يدبر أمورهم من دون الله، فهؤلاء يطلق عليها "عباد النجوم"، تعالى الله عما يقولون. ومنهم من يتكهن للناس عن مستقبل أيامهم وما فيها من سعادة وشقاء، ولربما أظهر شيئاً من تفاصيل الحياة ليغري من أمامه، وهذا يُطلق عليه منجم أو عراف أو كاهن، وصنيعهم هذا نوع من ادعاء علم الغيب.
وأكد الشيخ حمزة أن الأمر لا يقوم على أساس علمي، ودليل ذلك أن الله تعالى قد بيَّن في كتابه الكريم أنه المتفرد سبحانه بعلم الغيب فقال سبحانه: "قل لايعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله".
وأضاف الشيخ حمزة "الشريعة الإسلامية جاءت لترتقي بعقل الإنسان من التخلف إلى التقدم، ومن الأوهام إلى الحقائق، ومن الهدم إلى البناء والعطاء، ولذلك قطعت الطريق على كل من تسول له نفسه اللعَّب بعقول الناس، فحرمت الكذب وجعلته من أبشع الخصال والسلوكيات، و المنجم والعراف لا يكذب فقط وإنما يمتهن الكذب والدَّجل على الناس، بل يبيع الكذب مغلفاً بكلمات منمقة وعبارات خداعة سرعان ما تنفذ إلى ضعاف العقول لتكون أسيرة هذه الكلمات والعبارات. وهكذا تدمن العقول الضعيفة مثل هذه السخافات في غفلة وجهالة، ويتوارثها الناس جيلاً بعد جيل، فإذا ما تربى المجتمع على مثل هذه الخرافات والضلالات، فأخبروني بالله عليكم كيف تُبنى الأوطان وتعمر الديار إذا ماخربت العقول وهدمت الأفكار؟!".