قالالكاتب حسن مدن إن كتابة المذكرات لا تسمى كتابة سيرة، فكتابة المذكرات يمكن أن يقوم بها أي شخص، مُشيرا إلى أن السياسيين أكثر من يلجأ لكتابة المذكرات وصارت تقليدا يمارسه الرئيس الأمريكي حال إنتهاء فترة رئاسته، فالمذكرة تعمل عمل التوثيق والتأريخ ، بينما كتابة السيرة هي جنس أدبي مصنف كما الرواية والشعر والقصة .
وأشار، خلال جلسة حوارية عن السيرة الذاتية نظمتها السبت wawowl المنصة الإلكترونية التابعة لدار مسعى في مجمع سار، إلي أن لكتابة السيرة عدة أشكال ، فمنها ما يكون على شكل كتابة يوميات كمثل "خواطر الصباح" للمفكر و الأديب عبدالله العروي ، و منها ما يكون على شكل مقالة.
وأشار لتجربته الشخصية في كتابة المقالة في الصحافة ، ومنها ما يكون على شكل رسائل كمثل "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان" و مراسلات جبران خليل جبران ومي زيادة ، ومنها ما يكون على شكل رواية كمثل "اعترافات خارجة عن الحياء" للأديب الياباني جونيشيرو تانيزاكي .
وأشاد عريف الجلسة و صاحب دار مسعى محمد النبهان بطريقة حسن مدن في الكتابة ، إذ تمتاز على حد وصفه بأنه "سلسة تمزج الأدب بالفكر" ، معتبرا إياه واحدا من كتبة المقالة المحترفين في البحرين و ألقى ومضات عن كتب مدن الثلاثة "ترميم الذاكرة" و "الكتابة بحبر أسود" و "للأشياء ألوانها" ، معتبرا إياها بانوراما غنية بالأفكار ، ومشيرا إلى أنها تمثل شكلا من أشكال السيرة الذاتية لحسن مدن .
وبدأ مدن الحديث عن السيرة بالتفريق بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية ، فالأولى تكون حين يتحدث المرء عن تجربته هو ، بينما الثانية تكون حين يتحدث المرء عن تجربة غيره ، و أعطى مدن مثال عن السيرة الغيرية في كتاب حسين المحروس "لولوة .. سيرة الحلو و المر" و الذي يتناول سيرة الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة .
وكشف أن كتابة السيرة فقيرة في العالم العربي ، لأن كتابة السيرة تتطلب شفافية و مصداقية في أمور تتعلق بالمرء نفسه وبالأشخاص الذين عاشرهم ، فأن يتكلم المرء عن مشاعره من ألم وإحباط وحب وكره وغير ذلك هو أمر لا نزال غير معتادين عليه، فهذا النوع من الأدب بحاجة لجرأة ، أيضا في الحديث عن الأشخاص الذين عاشرهم يقع في حرج المس بهم ، فتنشأ محظورات.
وأشار إلى كتاب "الخبز الحافي" كسيرة ذاتية روائية لمحمد شكري ، مُعتبرا أنها تطلبت صراحة و جرأة كبيرتين ، فالمؤلف ذكر أمور في سيرته يراها المجتمع "عيب" ، و أشار أيضا إلى "أوراق العمر" كسيرة ذاتية للويس عوض و التي أتسمت بشيء من القسوة ، و أن أخيه رمسيس عوض شن حملة إعلامية مضادة عليه بسببها .
و كشف أنه بسبب المضايقات و عدم الإنفتاح التي تمتاز بها المنطقة العربية يلجأ الكثير من الأدباء إلى الرواية كشكل في كتابة السيرة الذاتية ، بل إن بعض الروائيين يلجؤن لحيلة وضع ملاحظة أول الرواية مفادها "أي تشابه في الأسماء و الأحداث في الرواية مع أسماء و أحداث على أرض الواقع هي محض مصادفة" و هي حيلة كان و المفكر و الأديب غازي القصيبي نفسه لجأ إليها .
و ذكر أهم كتب السيرة الذاتية العربية و منها : "الأيام" لطه حسين ، و "رأيت رام الله" لمريد البرغوثي ، و "مذكرات أميرة عربية" لأميلي رويتي وهي تحكي عن سيرة أميرة في زنجبار أبان الحكم العماني لها .
وكشف أن كتابه "ترميم الذاكرة" لم يكن يهدف منه أن يكون سيرة ذاتية، وحين قدمه للطبع أول مرة قام الناشر بوسم الكتاب بالسيرة الذاتية ، و قال مدن : تأملات و تجليات و وقائع من حياتي الشخصية و تنويعات على الأحداث .. كل ذلك تضمنته في الكتاب ، فكان الكتاب بمثابة إزاحة عبء ثقيل أردت التخلص منه كما أنه كتب على عجل ، فلربما لو أعطيته فرصة أطول لكان مختلف عما هو عليه اليوم .
وأضاف أن ذلك دفعه إلى أن يسم الكتاب في طبعاته التالية بـ"ما يشبه السيرة" ، و علل ذلك بأنه لم يكن هدف الكتاب صراحة أن يكون سيرة ذاتية، و مشيرا إلى كلام أحد النقاد عليه بأن "كتابه لم يغط كل الجوانب، و الكاتب حين يكتب السيرة فهو يكتبها مرة واحدة في حياته" .
وذكر أن المرء حين يقدم على كتابة السيرة يكون عرضة للمساءلة، فالمبالغة والانتحال سهلة الكشف كما أن يكشفه من المعاشرون له في التجربة، و مشيرا إلى أن المرء يمكنه التخصص في جانب معين في السيرة كأن يكتب في السيرة الفنية.
و أنهى مدن الجلسة الحوارية بالثناء على دار مسعى و الحضور، وبعدها كان هناك سحب على جائزة .