تأتي أهمية الزيارة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف آل سعود وزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، ولقاءاته ومباحثاته مع القيادة الرشيدة وكبار المسؤولين في مملكة البحرين في وقت تتصاعد فيه حدة التهديدات الأمنية المشتركة التي تواجه كلا من المملكتين، وتفرض عليهما التكاتف معا في مواجهتها.
ونظرا لما يقع على عاتق المملكتين من مسؤوليات كبيرة للدفاع عن استقرار شعبيهما في مواجهة أحد أهم مصادر التهديد في العالم المعاصر، وهو الإرهاب، وبالنظر لما يقوم به البلدان من أدوار سواء لحماية أمن دول المنطقة ككل أو لدول مجلس التعاون الخليجي بخاصة، فقد اُتفق خلال زيارة الضيف السعودي الكريم على تشكيل لجنة أمنية عليا مشتركة بين البلدين لبحث ومناقشة أي تحديات تتطلب سرعة التعاطي معها ومجابهتها.
واقع الأمر أن زيارة وزير الداخلية السعودي لمملكة البحرين ولقاءاته مع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، فضلا عن مباحثاته الموسعة مع وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، تكشف عن تطور نوعي كبير في مسار العلاقات البحرينية السعودية.
فمن جهة، إن الزيارة تعيد التأكيد على أهمية العلاقات التاريخية والوطيدة التي تربط المملكتين، وتعود بجذورها إلى ماض عريق امتد ليشمل بجانب العلاقات الرسمية والمؤسسية الوشائج العائلية، فضلا عن أطر وروابط العلاقات الشعبية والأهلية الممتدة التي انصهرت في بوتقتها كل معاني المودة والأخوة التي تربط كل من يقطن فوق أرض المملكتين الغاليتين منذ القدم، وهذا ما عبر عنه سمو رئيس الوزراء بقوله: "نحن بلد واحد وشعب واحد، وما يربطنا أكبر من أن تختزله الكلمات".
كما تمثل الزيارة وما أسفر عنها من نتائج ذروة النشاطات والتحركات والاتصالات المتبادلة بين قيادتي ومسؤولي البلدين خلال الفترة الأخيرة، والتي لم تتوقف طوال السنوات السابقة، وتنبئ بالكثير خلال المرحلة المقبلة ليس على صعيد التعاون والتنسيق الأمني فحسب، حيث تعود مسيرة التعاون الأمني إلى عقود طويلة مضت، وإنما على صعيد التعاون المشترك في جميع المجالات والقطاعات، مثلما أكد على ذلك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ال خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الذي أشار إلى "أن علاقة البحرين بشقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية لها طابعها الخاص والمميز في ظل ما يربطهما من علاقات تاريخية وطيدة تشهد على الازدهار الذي تشكله هذه العلاقات عبر مختلف محطاتها من الترابط والتنسيق".
إضافة إلى أن الزيارة ناقشت العديد من الملفات والقضايا المهمة ذات الاهتمام المشترك، سيما في ضوء مستجدات الساحة الإقليمية والتطورات المتسارعة بالمنطقة ككل، فإنها عبرت عن حقيقة المصير المشترك الذي يجمع البلدين، ويفرض عليهما مواصلة الخطى ومتابعة الدرب الذي يستهدف ضمان استمرارية عمليات التنسيق والتشاور والنهوض بأداء الأجهزة المعنية وتبادل وجهات النظر بشأن العديد من التحديات الأمنية المشتركة، خاصة أن الزيارة جاءت ضمن وفد أمني سعودي عالي المستوى، وقد جدد التأكيد على هذا المعنى وزير الداخلية الذي أشار إلى أن الزيارة "تساهم في تعزيز قوة الترابط الأمني، وأن العلاقات الوطيدة والمتميزة بين وزارتي الداخلية في كل من البلدين الشقيقين شهدت تطوراً ملموساً في مختلف مجالات التعاون الأمني".
ومن المهم هنا التأكيد على أن عمق العلاقات التي تربط المملكتين يبرهن عليه العديد من الشواهد، فمواقف المملكة السعودية الشقيقة العروبية والإسلامية الراسخة ليست بحاجة للتذكير بشأنها، وهي تمثل عمقا استراتيجيا لا غنى عنه بالنسبة لمملكة البحرين.
ويدعم ذلك المواقف السياسية المتناغمة التي تتبناها الدولتان إزاء الملفات الإقليمية والدولية، سيما قضايا التعاون الخليجي ـ الخليجي، وما يتعلق ببواعث التوتر ومسببات الفوضى والعنف بالمنطقة، والحرص على التنسيق الدائم إزاء مثل هذه المسائل المحورية، وعدم وجود أي خلافات ذات شأن يمكن ذكرها على مر التاريخ، ناهيك بالطبع عما تمثله المملكة للمواطنين السعوديين باعتبار البحرين بلدهم الثاني، وهو الشعور ذاته الذي يحمله البحرينيون ناحية المملكة السعودية الشقيقة.
كما أن السعودية تعد الشريك التجاري الأول للبحرين، حيث تجاوزت الاستثمارات السعودية في المملكة نحو 15 مليار ريال سعودي، فيما بلغ عدد الشركات الفاعلة التي فيها استثمار سعودي في البحرين نحو 350 شركة، بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة والمسجلة في البحرين نحو 50 شركة.
وتوجد أيضا نحو 896 شركة من الشركات السعودية المساهمة في مملكة البحرين التي تعمل في مجالات السفر، الشحن، التجارة، الهندسة، وغيرها من المجالات، فضلا بالطبع عما تمثله حركة التنقلات اليومية والاتصالات الشعبية المتبادلة، حيث تشير تقارير إلى أن عدد الزوار السعوديين للبحرين تبلغ نحو 5 ملايين زائر سنويا.
ويبذل كلا البلدين الجهد لتذليل أي عقبات يمكن أن تعترض حركة مسار التطور في العلاقات الثنائية على الصعد كافة، وكذلك التوافق البحريني السعودي الواضح بشأن القضايا الأمنية المثارة في دول المنطقة، وتحديدا فيما يتعلق بخطر ظاهرتي التطرف والإرهاب، واستغلال قوى وأطراف خارجية لهما للنيل من استقرار وأمن دول التعاون الخليجي، وخاصة البحرين والسعودية باعتبارهما من أكثر الدول تضررا من هذا الأمر، فإنه يمكن التوصل إلى حقيقة مفادها، أن هناك مخاطر ملحة تفرضها الأوضاع الإقليمية والدولية، وتتطلب مزيدا من العمل المشترك بين البلدين للتعامل معها.
وبدا ذلك واضحا خلال الزيارة التي قام بها الضيف الكريم لمعسكر قوة الأمن الخاصة بمنطقة سافرة، حيث أشاد وزير الداخلية من جانبه بجهود المملكة السعودية في مجال مكافحة الإرهاب ودعم مسيرة التعاون الأمني على المستويين الخليجي والعربي وأهمية المضي قدما نحو مزيد من التعاون وتنسيق الجهود لمواجهة الفكر الإرهابي المتطرف، فيما أثنى وزير الداخلية السعودي بجاهزية وحدات العمليات الخاصة لمكافحة الأعمال الإرهابية ودرجة التنسيق والتفاعل بين القوات المشاركة خلال التمرين الأمني الذي اشتمل على عدد من المواقف والفرضيات التي يتم التعامل معها.
إن تمتين الروابط التي تجمع المملكتين الغاليتين، والمضي قدما بمساراتها المتعددة لا يستهدف فحسب المساهمة في رسم حاضر ومستقبل المنطقة، وإنما الوقوف بحزم أمام أية محاولات بائسة لزعزعة امن واستقرار دول التعاون الخليجي، وإيصال رسالة فحواها أن بدول الخليج رجال نذروا أنفسهم للذود عن حياضها والدفاع عن مقدراتها.