نظم مركز عبدالرحمن كانو الثقافي محاضرة بعنوان "القوس وفن الرماية عند العرب " للأستاذ الدكتور محمد النويري وأدار الحوار الأستاذ الدكتور محمد الخليفي.

واستهل الدكتور النويري الأمسية بالإشارة إلى رحلته الأخيرة إلى كوريا الجنوبية لحضور مؤتمر عن الرماية وتحدث فيها الدكتور النويري عن تاريخ الرماية لدى العرب.

وذكر د.النويري بأن "هيرودوت" المؤرخ اليوناني يتحدث عن مهارة العرب في الرماية وتنافس أباطرة العصر في استقطابهم والاستفادة من مهارتهم فكان الرومان والفرس والأشوريون يتسابقون في الاستفادة من مهارة العرب.

كما ذكر أن كتب التاريخ تحدثنا أن معارك حاسمة حسمها الرماة العرب وأن ملك الأشوريين كان من أحرص الملوك في الاستفادة من رماة العرب الذين كانوا يسمونهم "رماة الحدق" وأضاف أنه من الطرف التاريخية التي أرخها "هيرودوت" أن ملك الأشوريين الذي توفي سنة 681 قبل الميلاد خسر إحدى أكبر معاركه لأن الفئران نفذت إلى أقواس الرماية وقضمتها وعند تسليمها للرماة العرب وجدوها غير صالحة وخسر المعركة.

وأضاف الدكتور النويري بأن كتب التاريخ تذكر أن أول عهد العرب بالرماية كان اتصالهم بالملك سليمان فتقول الرواية بأن الملك سليمان عندما جاءه وفد "الأزدي" وسألوه بأن يمكنهم بشيء من الزاد أعطاهم حصانا ومطرقا وقال لهم ليركب أحدكم الحصان وليصطد شيئا تستفيدون منه وما إن توروا ناركم حتى يأتوكم بشيء تأكلونه وأشار الدكتور النويري إلى عدم اطمئنانه للرواية حيث أن الصيد يكون نابعا من الحاجات اليومية ولا يرتبط بوصاية أحد بالصيد.


ويواصل الدكتور النويري حديثه بتأكيد أنه عند العودة للنصوص العربية القريبة من التراث نلاحظ أجيالا من العرب متمرسين في الرماية وتؤكد ذلك حكايات أدبية عديدة، كما أضاف أن التراث الديني في الحديث النبوي يتضمن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يحث على تعلم الرماية في الحديث المشهور "علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل " و أشار إلى أن كتب السيرة تحدثنا أن حالات كثيرة كان فيها النبي عليه الصلاة والسلام يستبشر بحرص المسلمين على تعلم الرماية ويحثهم عليها وفي إحدى المناسبات كان الرسول عليه الصلاة والسلام مارا فرأى شابين من الشباب العرب يتبارون بالرماية فوقف مشجعا وقال لأحدهم أرموا وأنا معكم فتوقف الآخر عن الرماية فقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام لماذا توقفتم فقالوا كيف نرميهم وأنت معهم فقال لهم أرموا وأنا معكم جميعا فاستأنف الشباب نشاطهم في الرماية، ويضيف الدكتور النويري أن الرماية كانت من العناصر الماثلة في استراتيجيات الحرب كما كان في غزوة أحد حيث جعل الرسول عددا من الرماة فوق موقعة تعرف اليوم "بجبل الرماة " وأوصاهم أن لا يتزحزحوا عن الجبل مهما كان مآل المعركة.

كما وضح الدكتور النويري كيف أن فراق القوس يضاهي فراق الحبيبة وفراق الحبيبة يضاهي فراق القوس وانكسار العلاقة بين الطرفين هو انكسار العلاقة بين الرامي وقوسه، فالقوس تتجلى العلاقة فيها بينها وبين الإنسان بأنها علاقة تناظر بين ذاتين وكأن ذات الإنسان تنعكس على القوس، وقيل إن الإنسان اتخذ القوس على طبائعه، كما ذكر الدكتور النويري رواية من التراث تعود إلى قوس الشماخ بن ضرار الذي اتخذ قوسا وظل فترة من الزمن يرعاها وتفنن في صناعتها إلى أن أصبح نوعا ما أسطورة واضطرته الظروف إلى أن يبيع قوسه على الرغم من تمسكه بها وعدم رغبته في بيعها ولكن المشتري ألح في طلبها وكان الشماخ بحاجة إلى المال وبين التمسك بالقوس والحاجة إلى المال وإلحاح الناس أن يبيعه فرط فيها وأخذ مقابلا لها وندم على ذلك وبكى قوسه ورثاها في قصيدة تعد من روائع الشعر وكانت القصيدة بكاء على نفسه وكيف سمح لنفسه ببيع القوس ليحسب أنه باع جزءاً من رجولته ونخوته وتردد صدى هذه المأساة التي عاشها الشماخ.

وقبل نهاية الأمسية بين الدكتور النويري بأن الرماة العرب اتخذو القوس على طبع الإنسان كما ذكر في كتاب "نهاية الإرب" فالكاتب يذكر أن تركيب القوس أجمع الرماة أنها مبنية على طبائع الإنسان الأربع وهي العظم ونظيره في القوس الخشب، واللحم ونظيره في القوس القرون، والعروق والعصب ونظيرها في القوس العقب، والدم ونظيرها في القوس الغراء. وكما يذكر الدكتور النويري أن ذلك أجاز لدى العرب التحدث عن عناصر القوس بجوارح الإنسان، فقالوا عين القوس وأذنها وأنفها وكبدها ووحشيها وإنسيها، وأضاف بأن القوس تلخص النخوة العربية فكتب الأدب تحدثنا كيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام تهلل وجهه لما دخل عليه علي بن أبي طالب وهو يتقلد قوسا عربية، ويضيف الدكتور النويري أنه كثيرا ما نجد في كتب الأدب العربي ما يشير للقوس العربية كما جاء في كتاب الجاحظ فالصفة العربية ترفع من قيمة القوس فهي ليست أي قوس بل قوس عربية، وبين أنه ليس من السهل اليوم أن نجزم في خصائص القوس العربية وقد انقطعت صلة العرب بالرماية كما انقطعت عند غيرهم من الأمم فالأمر كما وصف الدكتور النويري يحتاج لبحث دقيق، وللحديث عن مهارة الرماة يذكر الدكتور النويري إحدى الروايات التي ذكرت في الأدب والتي تخص الخلاف بين قبيليتي ذبيان وعبس وكان أحد مهرة الرماة والملقب بالأسد الرهيص وقد أثخن في عبس بقدرته على الرماية فأقسم عنتره على جرح عينيه وجعله أعمى وبر بقسمه ليظل الأسد الرهيص يواصل الرمي مستعيضا بسمعه عن بصره، ليتمكن في نهاية الأمر من إصابة خصمه عنتره على الرغم من فقده لبصره.

وفي الختام يذكر الدكتور النويري أن جميع الشعوب قد انقطعوا عن الرماية التقليدية ليعودوا إليها في نهاية المطاف وهناك منظمة عالمية للرماية إلا العرب فقد كانت عودتهم محتشمة كما يصفها فوجدت نواد للرماية في العراق وليبيا وتونس ونواد أخرى للرماية المعاصرة في عدد من الدول الخليجية كالكويت والإمارات العربية المتحدة ولكن الرماية التقليدية انتهت على حد وصفه كما يأمل الدكتور النويري بالمبادرات لبعث هذا النشاط من جديد ورعايته حتى تعود الرماية وحتى يكون العرب حاضرين في الملتقيات العالمية ليضاهي الماضي العريق المستقبل المشرق.