تواصل البحرين التحضير لمناقشة تقريرها الطوعي الأول لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030 الذي سيقدم للمنتدى السياسي رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة التابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في يوليو المقبل بنيويورك.
وشهدت المملكة مؤخراً العديد من الاتصالات واللقاءات المكثفة التي أجرتها وفود أممية مع مسؤولين بأجهزة الدولة، للوقوف على آخر الاستعدادات بشأن التقرير الوطني. وتم التأكيد على أن الفريق الوطني المختص بإعداد التقرير أنهى إعداد مسودته الأولى، ويعكف حالياً على رصد ومتابعة ملاحظات ومرئيات الجهات ذات العلاقة.
وتبدو أهمية التحضيرات التي تجري على قدم وساق ويشارك فيها عدد من الجهات والأجهزة، الرسمية منها والأهلية، من عدة اعتبارات، حسب تقرير بثته وكالة أنباء البحرين (بنا)، منها تأكيد نجاح جهود المملكة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتعريف بسياسات الحكومة وإبراز إنجازاتها التنموية التي تعلي من قيمة المورد البشري ومدى الاهتمام به، وبما يؤكد نجاحات خططها وبرامجها لرفع شأن الإنسان البحريني، وتطوير ملكاته وقدراته وفق توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وفى إطار جهود الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
ولأن الاجتماع الوزاري للمنتدى السياسي رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة سيعقد هذا العام تحت شعار "التحول نحو مجتمعات مستدامة وقادرة على الصمود"، فإن تقرير البحرين الطوعي سيركز على النجاح البحريني في تحقيق الأهداف التالية: المياه والطاقة النظيفة والمتجددة، والمدن والمجتمعات وأنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، وعقد الشراكات لتحقيق التنمية المستدامة.
وتبدو البحرين واحدة من أكثر الدول التزاماً بغالبية الأهداف، بالنظر مثلاً لمؤشرات التنمية البشرية المختلفة التي نجحت في تحقيقها على مدار السنوات الماضية، وتثبتها تقارير المنظمات الدولية المختلفة.
إضافة إلى السمعة الدولية التي باتت تكتسبها المملكة جراء ثقلها في مجالات التنمية المستدامة، حيث يشار لجائزة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى لتمكين الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي أعلن عنها العام 2017، وتعتبر الأولى من نوعها على المستوى العالمي لحث الدول والهيئات الحكومية والخاصة والقطاع الأهلي لتمكين الشباب، وبالنظر أيضا لجائزة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة للتنمية المستدامة التي تم تدشينها 2016.
دلالات من الواقع
ويبرز عدد من الدلالات التي تعكس حجم الجهد البحريني المبذول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومدى النجاح المحقق في إطاره، إذ تم إنشاء اللجنة الوطنية للمعلومات عام 2015 برئاسة محمد بن إبراهيم المطوع وزير شؤون مجلس الوزراء وعضوية مختلف الجهات الحكومية، وأوكلت لها متابعة أجندة التنمية الدولية، وربطها ببرنامج عمل الحكومة، ووضع الإجراءات اللازمة لتنظيم تبادل المعلومات حولها، واعتماد الإحصاءات والمؤشرات الرسمية الخاصة بها.
ونجحت اللجنة خلال فترة عملها الماضية في دراسة الأهداف الـ 17 وغاياتها الـ 169 ومؤشراتها الـ 240 المنبثقة من أجندة التنمية المستدامة، ومناظرة هذه الأهداف والغايات مع برنامج عمل الحكومة الحالي 2015 -2018، وهو ما نتج عنه تناظر بين الأهداف في أجندة التنمية المستدامة وبين الإجراءات التنفيذية لمحاور برنامج العمل الوطني الحكومي.
وكانت اللجنة اجتمعت مؤخراً مع وفد من إدارة التنمية المستدامة بإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لدى الأمم المتحدة، وخلص الاجتماع إلى التأكيد أن البحرين نجحت في إدماج نحو 78 % من أجندة التنمية المستدامة 2030 وأهدافها ضمن برنامج عمل الحكومة 2015 -2018 سواء على الصعيد السيادي أو الاقتصادي أو التنمية البشرية أو البنية التحتية والبيئة والتنمية الحضرية وعلى صعيد الأداء الحكومي.
وصبت العديد من الإجراءات التنفيذية التي تبناها برنامج العمل الحكومي في صالح أهداف التنمية المستدامة، سواء لجهة معالجة مشكلات الفقر والقضاء على الجوع وتحقيق مستوى عال من الجودة في تقديم خدمات الصحة والتعليم أو لجهة القضاء على البطالة وغير ذلك.
ويمكن القول إن بعض أهداف الأجندة الدولية للتنمية المستدامة قد لا تنطبق بالضرورة على البحرين، ومنها إدارة الغابات، على سبيل المثال لا الحصر.
ويشار إلى أن البحرين استطاعت بنجاح وضع الترتيبات المؤسسية اللازمة للتوافق مع متطلبات الأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة، وتمكنت من تأكيد خبرات كوادرها الوطنية وأجهزتها في التعامل مع احتياجات عملية التنمية بأبعادها المختلفة: المجتمعية، والبيئية، والاقتصادية، حيث تم وضع الآليات المناسبة للرصد والتقييم، ويجري متابعتها بشكل دوري من قبل الأجهزة المعنية ووفق إطار تنسيقي شامل.
كما يبرز نموذج الشراكة القائمة بين البحرين والأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة بالنظر إلى تحركين، أحدهما يتعلق بورشة العمل المتخصصة التي نظمها مركز الاتصال الوطني مؤخراً بالتعاون مع ممثلي الوفد الأممي الذي زار المملكة مطلع هذا الشهر لبحث آخر استعدادات البلاد قبل تقديم تقريرها الطوعي. والآخر يتعلق بإطار الشراكة الاستراتيجية للفترة 2018 -2022، الذي وقع خلال الأسبوع الماضي بين وزارة الخارجية البحرينية والأمم المتحدة، بهدف توطيد التعاون المشترك، وتقديم المنظمة الدولية الدعم الفني للمساهمة في إعداد التقرير.
وثيقة البحرين وإعلان المنامة
وتجسد تحركات المملكة واستعدادها لإصدار تقريرها حقيقة التزامها ومدى استجابتها للمساعي الدولية الرامية التي تستهدف إرساء أسس راسخة لعالم يخلو من المشكلات، وتنعم الشعوب فيه بحقوق متساوية من الرخاء والازدهار المستدام والإدماج الاجتماعي والمساواة، وبما يضمن الحفاظ على موارد كوكب الأرض برمته والحرص على عدم إهمال أحد قدر الإمكان.
ومن المعروف أن البحرين من أوائل دول العالم التي نجحت في تطبيق كامل الأهداف الإنمائية الـ8 للألفية، التي أقرتها الدول الأعضاء بالأمم المتحدة عام 2000 لتحقيقها على أرض الواقع خلال 15 عاماً، وانتهت في 2015، وتضمنت مكافحة الفقر والجوع والأمراض والأمية والتمييز ضد المرأة وغيرها.
كما كان للمملكة دورها في التعريف بالأجندة التنموية الدولية، ومن ذلك استضافتها في مايو 2015 للدورة الثانية من المنتدى العربي للتنمية المستدامة تحت رعاية سمو رئيس الوزراء، والذي يعقد سنوياً في إحدى الدول العربية بتنظيم من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا "الأسكوا" وجامعة الدول العربية.
وشهد المنتدى المهم إطلاق أول وثيقة عُرفت باسم "وثيقة البحرين" التي ضمت 17 رسالة استهدفت ليس فقط حشد كافة الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لتحقيق الأهداف التنموية الدولية، وإنما التأكيد على ضرورة شمولية هذه الأهداف بحيث تضم جميع البلدان، النامية منها وغير النامية، وتطلب منها التعاون والتكامل لتحقيقها، خاصة أنه لا يمكن لأي من الدول فرادى تحقيقها بمعزل عن الآخرين.
وتجدد البحرين التزامها بدورها التنموي الدولي، حيث تشارك المجتمع الدولي مساعيه وتحركاته لتطبيق ما يمكن اعتباره مرحلة أكثر تطوراً من الأهداف الإنمائية الألفية، وهي أهداف التنمية المستدامة الـ17، التي أقرتها الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في سبتمبر 2015 بهدف تحقيقها بحلول 2030، ومنها اجتثاث الفقر والتصدي لمظاهر التغير المناخي وعقد الشراكات مع القوى المختلفة للمجتمع.
وكانت البحرين شاركت ممثلة بهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية ووزارة الخارجية في المنتدى الإحصائي الخليجي الأول الذي حمل عنوان "تعزيز الشراكات الإحصائية لدعم السياسات الاقتصادية والتنمية المستدامة في دول مجلس التعاون"، الذي عقد بالرياض مارس 2017.
كما استضافت المملكة في أبريل 2017 مؤتمر الشباب الدولي التاسع تحت شعار "لنرد العطاء" واختيرت أهداف التنمية المستدامة 2030 موضوعاً للمؤتمر. وصدر عن المؤتمر "إعلان المنامة" الذي شارك فيه 1000 شاب وشابة من 29 دولة.
من جهة أخرى، شارك أكثر من 280 ممثلاً من ممثلي منظمات المجتمع المدني البحريني في ورشة العمل النقاشية الأولى لمنظمات المجتمع المدني التي استضافتها المملكة أواخر أبريل 2018 بمركز عيسى الثقافي، واستهدفت تسليط الضوء على المحاور الرئيسة التي ترتكز عليها البحرين لإحداث التنمية المستدامة، وكيف يمكن أن تشارك المؤسسات الأهلية بمختلف مسمياتها وأشكالها في تحقيق الأهداف.
إضافة إلى ورشة العمل التي نظمها مؤخراً مركز الاتصال الوطني 10 مايو 2018 بعنوان "دور الإعلام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، وقدمها خبراء من إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة لفريق المركز الذي يعمل على إعداد خطة الاتصال الخاصة بإعداد التقرير الطوعي الأول.
وستكون البحرين ضمن 47 دولة يُنتظر أن تستعرض تقريرها في يوليو 2018، من فوق منبر أممي تقر به دول العالم أجمع، وتقدر مساهماته الدولية. ويوفر ذلك فرصة سانحة للبحرين لبيان حجم إنجازاتها التنموية الكبيرة، والمبادرات المحققة على صعيد التنمية البشرية والمجتمعية والعمرانية.