* مكتب المحامي بندر بن شمال الدوسري

إن التفاوض في إبرام عقود التجارة الدولية له عدة التزامات، وتطرقنا في الأعمدة السابقة إلى الالتزام بالتفاوض بحسن النية ونطاقه وأوضحنا أهميته الجوهرية في إبرام عقود التجارة الدولية، وسوف نتناول في هذا العمود والأعمدة التي تليه التزاماً آخر من هذه الالتزامات وهو الالتزام بالإعلام.

حيث يعد الالتزام بالإعلام في مفاوضات عقود التجارة الدولية بناءً قانونياً جديداً تمليه ضرورات الحياة الحديثة ومتطلباتها، ومن ثم أصبح لا بد من ضرورة توسيع نطاق تطبيقه وبسطه على كافة العقود التجارية الدولية متى توافرت مسوغات وجوده وأسباب نشأته وذلك رغبةً في الحد من حالات اختلال التوازن في المعرفة بين أطراف التفاوض في هذه العقود، فالجانب المعرفي يعد أهم عامل من عوامل تكوين هذه الإرادة وتقييم كافة الآثار القانونية التي يمكن أن تترتب عليها في إطار المعاملات التجارية الدولية، وعليه فإن الالتزام بإعـلام المفاوض الآخـر الراغب بالتعاقد معه عن محل العقد التجاري الدولي والبيانات المتعلقة به هو التزام منفصل أو مستقل عن العقد ينشأ في المرحلة السابقة على إبرامه كي يتيح للمفاوض رضاءً حراً يستطيع من خلاله أن يحدد موقفه، فإما يمضي في إبرام العقد أو يلغي الصفقة برمتها.

يعرف البعض هذا الالتزام بأنه "التزام سابق على التعاقد يتعلق بالتزام أحد المتعاقدين بأن يقدم للمتعاقد الآخر عند تكوين العقد، البيانات اللازمة لإيجاد رضا سليم كامل متنور على علم بكافة تفصيلات هذا العقد، وذلك بسبب ظروف واعتبارات معينة قد ترجع إلى طبيعة هذا العقد أو صفة أحد طرفيه، أو طبيعة محله، أو أي اعتبار آخر يجعل من المستحيل على أحدهما إن يلم ببيانات معينة، أو يحتم عليه منح ثقة مشروعة للطرف الآخر، الذي يلتزم بناء على جميع هذه الاعتبارات بالالتزام بالإدلاء بالبيانات، وعرف أيضاً بأنه "الالتزام الذي بواسطته ينبه أحد أطراف العقد الطرف الآخر على مخاطر التعاقد ومنافعه، فيجعله على بينة من ظروف التعاقد ليكون خياره بالتعاقد قائماً على معرفه تامة بسبب التزامه، وهناك من عرفه بأنه "إخطار أو إعلام أو تحذير أحد المتعاقدين الذي يكون في مركز أقوى من المتعاقد الآخر، بأخطار الطرف الآخر في العقد بكافة البيانات عند إبرامه للعقد، والتي تساهم في تكوين الرضاء الحر المستنير وتمكن المتعاقد الضعيف من الإقدام على العقد عند إبرامه أو التحلل منه إذا شاء، ثم إيجاد نوع من التعاون بين الطرفين لتنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع موجبات حسن النية في التعامل، وحماية الثقة المشروعة في العقد".

وبتحليل هذه التعاريف يتضح لنا من جانب أول أن هذا الالتزام ينشأ وينفذ في مرحلة المفاوضات، ويعد التزاماً جوهرياً خصوصاً في عقود التجارة الدولية، إذ يتمتع أحد أطراف التفاوض في هذه العقود بميزات خاصة، تتمثل في امتلاك ناصية التكنولوجيا والمعرفة والعلم بكافة العناصر الجوهرية فـي التعاقد، وبذلك يقع عليه عبء إعلام الطرف الآخر الراغب في التعاقد معه بكافة المعلومات الجوهرية التي لا يتسنى له معرفتها بسهولة، بحيث يتخذ كل طرف قراره بقبول التعاقد بناءً على ما توفر لديه من معلومات وما يتوقعه من حقوق والتزامات وحتى يتسم التفاوض في هذه العقود بالشفافية، ومن جانب ثانٍ أن المفاوض الآخر لا يصدق عليه وصف الدائن بالالتزام بالمعلومات قبل التعاقد متى أمكنه الوصول إلى المعلومات المتصلة بالعقد بوسائله الخاصة أو كان عالماً بها.

كما أن هذا الالتزام من شأنه تحقيق التكافؤ في المراكز العقدية والمساواة في العلم بين المتعاقدين خاصة بعد التطورات التي أدت إلى ظهور المشروعات العملاقة التي تجاوز عملها الإطار المحلي وإقبال تلك المشروعات على استخدام كل فنون وضروب التكنولوجيا المتطورة في مجال التصنيع والإنتاج من ناحية، وإلى ظهور شبكات ضخمة ومنظمة للتوزيع والتسويق تتسابق في إيجاد وابتداع كل ما هو جديد لجذب المواطن إليه من ناحية أخرى، مما أدى ذلك إلى عدم توازن واضح بين طرفي العلاقة العقدية وبهذا يلتزم المفاوض بالإفصاح والكشف عن المخاطر التي تصاحب العقد التجاري الدولي المراد إبرامه، وعن المخاطر التي قد تعرقل انتفاع المفاوض الآخر للمعرفة الفنية محل العقد، وكذلك أحكام القانون الوطني.