بوقع الصدمة وتعابير الدهشة من هول التفاصيل وملامح المفاجأة من حقيقة المؤامرة بالوثائق والمستندات والشهادات التاريخية تتكشف لك صفحات كتاب "الزبارة: التأسيس والاحتلال ولعبة النفط" الذي طرحه مؤخراً الكاتب ورئيس تحرير صحيفة "الوطن" يوسف البنخليل ضمن فعاليات الدورة الخامسة والعشرين من مهرجان الأيام الثقافي للكتاب، والذي تفرد صفحاته سطوراً موثقة للظروف والأدوار التاريخية التي لعبتها أسرة آل ثاني المثيرة للجدل من عملها في التجارة داخل الدوحة بعد أن كانوا في المحرق بجزر البحرين إلى أن منحها حكام آل خليفة مهمة تمثيلهم سياسياً وإدارياً ومالياً في شبه جزيرة قطر.

الأكثر وقعاً من الصدمة، ما يكشف عنه الكتاب من تفاصيل الصفقات السرية، والمحاولات المعلنة لتمكين آل ثاني من الحكم قسراً، خاصة التحالفات الدولية التي تمت مع العثمانيين، ثم البريطانيين وذلك وقتما تم فصل حكم شبه جزيرة قطر عن أرخبيل البحرين، وهو ما مثّل تحولاً مختلفاً من نوعه في منطقة الخليج العربي وأصبحت الإمارة إمارتين.

الكتاب، والذي يعد الأول من نوعه بعملية التوثيق التاريخي المجرد والمنصف لحكم آل خليفة لشبه جزيرة قطر، يناقش تأسيس إمارة الزبارة ومن ثم حكم قطر وتوسع الإمارة لتشمل أرخبيل البحرين بعد الفتح التاريخي في العام 1783، ويكشف أيضاً عن جوانب مختلفة وجديدة من تاريخ آل خليفة في شبه جزيرة قطر عندما أسسوا إمارتهم، واستطاعوا تحويل الزبارة إلى عاصمة رئيسة في الخليج العربي، انتعشت فيها التجارة، وأصبحت مركزاً للعلم والأدب والفكر، ومازالت آثار ذلك الإنجاز التاريخي قائمة إلى اليوم، ويركز الكتاب على الظروف والأدوار التاريخية التي لعبتها أسرة آل ثاني المثيرة للجدل من عملها في التجارة داخل الدوحة بعد أن كانوا في المحرق بجزر البحرين إلى أن منحها حكام آل خليفة مهمة تمثيلهم سياسياً وإدارياً ومالياً في شبه جزيرة قطر.

الحقائق الصادمة، التي يطرحها الكاتب البنخليل والمعروف بالأوساط السياسية والأدبية بقوة طرحه وتناوله الموضوعي والمحايد للتحولات الديمقراطية والتغييرات السياسية، لا تستند هنا على الكلام الإنشائي والحديث الخطابي المسترسل بقدر ما تطرح الشهادات التاريخية التي ظلت موثقة من حقب مختلفة، مع شهادات تاريخية من شخصيات مهمة كان لها دور في معاصرة أو معرفة الأحداث التاريخية التي وقعت في شبه جزيرة قطر أو امتدت إلى البحرين، هذا إلى جانب الاستناد على عدد من المصادر التاريخية، وفي مقدمتها وثائق الأرشيف البريطاني، إضافة إلى الكتب والدراسات والأوراق البحثية التي تناولت موضوعه، علاوة على ما يتضمنه من عدداً ضخماً من الوثائق والمراسلات والقرارات التي توثق التآمر الذي شهدته الزبارة لتكون قضية تاريخية مازالت باقية إلى اليوم.

وصفحة بعد أخرى من صفحات الكتاب، الذي نعده واحداً من أهم الكتب الوثائقية والإصدارات التأريخية، تناقش الأقسام الأخيرة من الكتاب التحوّل التاريخي الأهم، وهو غزو آل ثاني للزبارة وقراها، واحتلالها عسكرياً في العام 1937، وقتل العشرات من أبناء القبائل فيها، وتهجير الآلاف من المواطنين قسراً من مناطقهم إلى البحرين. وما أعقب ذلك من الدخول في مرحلة طويلة من المفاوضات والتفاهمات غير الناجحة، إلى أن تطورت القضية بعد عشرات السنين ووصلت إلى محكمة العدل الدولية التي لم تتعامل بمنطق وإنصاف مع قضية الزبارة

ويتناول الكتاب 26 قسماً متنوعاً يتابع التطور التاريخي لإمارة الزبارة انطلاقاً من التعريف بديمغرافيتها، وتحليل الجغرافيا السياسية، إلى كيفية نشأتها، وتطورها السريع، ثم دورها المهم في فتح البحرين وينتقل بعدها إلى رصد استهداف القوى السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وهو الاستهداف الذي كان له دور مهم في مستقبل هذه الإمارة.

إن كتاب " الزبارة: التأسيس والاحتلال ولعبة النفط" يعد بالفعل أحد أهم المراجع التاريخية التي تكشف بالوثائق والمستندات والشهادات التاريخية الموثوقة لسرد سطور ليس فقط من تاريخ الزبارة بل يروى لنا كذلك حقائق مفصلة عن تاريخ المنطقة بأكملها وكيف لعبت التحولات السياسية في رسم ملامح الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، كما يقدم لنا طرحاً موثقاً حول الدور التاريخي لأسرة آل خليفة وكيف استطاعوا أن يدعموا أنهار العلم والأدب والفكر المستنير إلي جانب دورهم في النهضة العمرانية والاقتصادية لمنطقة الخليج العربي بأكملها.