جعفر الديري:
قال الشاعر والناقد البحريني أ.د علوي الهاشمي، إن عام 1969 كان منطلق تجربته الحياتية والأدبية على المستويين الفردي والجمعي، المحلي والعربي، مشيرا إلى أنه في يناير من ذلك العام غرس بذرة تكوين أسرته العائلية الخاصة، قبل أن يرتبط مع زملائه من الأدباء في نهاية العام نفسه وينخرطون جميعا في تأسيس أسرة الأدباء والكتاب في البحرين.
جاء ذلك خلال محاضرة بعنوان "الخيارات المنهجية بين التجربة والمنجز"، ألقاها الهاشمي مؤخرا بأسرة الأدباء والكتاب، ضمن برنامج "الأسرة" للاحتفال بيوبيلها الذهبي.
التجربة الشعرية
وقال المحاضر: لقد ولدت التجربة الشعرية مبكرة جدا. وفي حضن عدد من أخوات لها ينافسن جميعا على قلبي: الخط، الرسم، التصوير، تلوين الصور الفوتوغرافية، بالإضافة إلى جمع الطوابع والقراءة وكتابة الشعر طبعا. وابتدأ النضج الشعري عندي عام 1965 على مستويات كثيرة أولها الانتفاضة العمالية التي شهدتها البحرين في ذلك العام وأنا في السنة الدراسية الأخيرة (التوجيهي). ثم تخرجي في العام نفسه وسفري إلى بريطانيا للدراسة الجامعية. ثم عودة الصحافة في البحرين بعد توقف عقد من الزمان إثر ضرب الحركة الوطنية عام 1956.
الغربة
وأضاف: كان لحياة الغربة التي عشتها في الغرب لأول مرة دور أساسي في إنضاج تجربتي الشعرية والنفسية والفكرية والجمالية في آن واحد. فقد مكنتني الدراسية باللغة الإنكليزية من الاطلاع لأول مرة كذلك على قسط وافر من الأدب الإنكليزي شعرا ورواية ومسرحا بلغة ذلك الأدب، على الرغم من أن دراستي كانت في مجال التجارة التي أنهيتها أواخر عام 1968. وكان عمري 17 سنة حين صفعتني الغربة برياحها الباردة لتشق قلبي إلى نصفين فتوزعت عاطفتي على جهتين متداخلتين الأولى تغربي عن وطن كنت متعلقا به وبحبه وبجميع تفاصيل الحياة وخاصة الطبيعية فيه. والثانية ابتعادي عن فتاة كنت أعيش معها أول تجربة عاطفية. كان فراقي لها غربة أخرى ازدوجت بغربتي عن الوطن حتى صار قلبي رهين الغربتين معا.
وتابع د.الهاشمي: هكذا وحدت الغربة عاطفتي تجاه الوطن والمرأة، فلم أكن أذكر أحدهما إلا حضر الآخر، فقد صار وجهين عندي لحقيقة واحدة انصهرت في تجربتي الشعرية لتمنحها النضج الأول. وكان من نتاج تلك المرحلة قصائد مثل عروس الخليج، وحنين، وفي الغربة وغيرها وقد نشرتها جميعا في جريدتي الأضواء التي صدرت نهاية عام 1965 كأول جريدة بعد رفع الحظر عن الصحافة في البحرين. وعام 67 جاءت الهزيمة أو النكسة لتضاعف شعوري بالغربة وتضيف لها بعدها الثالث المتعلق بالأمة بعد الوطن والمرأة. فصارت تجربتي الشعرية موزعة قصائدها أو مشتركة بين هذه الأقانيم الثلاثة. وبالقصائد المكتوبة في تجربة النكسة رحت أوسع دائرة النشر نحو الأفق العربي بمجلاته المعروفة مثل "الأديب" و"الآداب" البيروتيتين و"الأقلام" العراقية و"البيان" الكويتية، خاصة بعد عودتي إلى الوطن إثر انتهائي من دراستي في كلية التجارة نهاية عام 1968. ولم أكن وقتها قد التقيت بأي من الأدباء والشعراء من الزملاء إلا على صفحات الجرائد.
الكشكول
وحول دفتره "الكشكول"، قال المحاضر: إن أول خطوة قمت بها فيما يتعلق بتجربتي الشعرية، وهي في بداية الطريق، أني جمعت القصائد التي كتبتها خلال وجودي في لندن، بعد أن كتبتها بخط يدي في دفتر جميل يشبه الكشكول، لا بهدف طبعها في ديوان وقد ذكرت ذلك في مقدمة الكشكول الذي أسميته (في الغربة)، بل بهدف تمريره على زملائي الأدباء والشعراء الذين تعرفت عليهم شخصيا خلال عام 1969 لأعرف رأيهم في مستوى شعري، يذكرونه في صفحات مخصصة في آخر الكشكول لهذا الغرض. وقد استفدت من هذه الآراء كثيرا لما فيها من صدق وصراحة ومحبة ووضوح. وقد كان لعلي خليفة كشكول خاص أسماه (أنين الصواري) كما أتذكر. كما كان لقاسم حداد كشكول يقع في جزئين بعنوان (السيمفونية السمراء) وقد دونت له فيه قصيدة عنوانها (عشقت.. عشقت يا قاسم) تعبيرا عن إعجابي بشعره.
وأضاف: لم أكن أعرف ما الذي جعلنا نحن الثلاثة (علي وقاسم وأنا) وقد يكون هناك آخرون لا أتذكرهم أو لم أسمع بهم نشترك في هذه المبادرة التي قدمنا بها تجاربنا الشعرية المبكرة للقارئ اللصيق بنا من الأصدقاء والزملاء والشعراء المبتدئين مثلنا. وكادت هذه المبادرة المشتركة تمثل ظاهرة في مسار حركتنا الشعرية الحديثة في البحرين. ربما لأننا شعرنا، وكذلك المشاركون معنا في هذه الظاهرة إن وجدوا، بشيء قليل أو كثير من النضج أو الجدة في تجاربنا الشعرية. وربما لمسنا تشجيعا ودفعا لنا من قبل زملائنا من الأدباء والشعراء والحريصين على تطوير لغة الشعر وارتباطها بالواقع والإنسان الكادح والمناضل في البحرين.
لغة جديدة
وواصل الهاشمي: لعل هذه اللغة الجديدة المشتركة بين أكثر الأدباء الشباب وقتها، وليس بيننا نحن الشعراء الثلاثة فقط، هي ما دفعنا تدريجيا إلى التفكير في تأسيس كيان يجمعنا لنقدم للجمهور قصائدنا الشعرية وتجاربنا الأدبية في أمسيات شعرية عارمة، رافعين على رؤوسنا شعار (الكلمة من أجل الإنسان) الذي ظل يرافقنا حتى هذه اللحظة بعد مرور نصف قرن من الزمان. فلم يحل الحول وتدور السنة وتتلاحق الشهور في رزنامة عام الانطلاق 1969، حتى وجدنا أنفسنا نرفع ذلك الشعار في أول أمسية شعرية يقيمها هذا الكيان الوليد في الثالث من يناير 1970.
قال الشاعر والناقد البحريني أ.د علوي الهاشمي، إن عام 1969 كان منطلق تجربته الحياتية والأدبية على المستويين الفردي والجمعي، المحلي والعربي، مشيرا إلى أنه في يناير من ذلك العام غرس بذرة تكوين أسرته العائلية الخاصة، قبل أن يرتبط مع زملائه من الأدباء في نهاية العام نفسه وينخرطون جميعا في تأسيس أسرة الأدباء والكتاب في البحرين.
جاء ذلك خلال محاضرة بعنوان "الخيارات المنهجية بين التجربة والمنجز"، ألقاها الهاشمي مؤخرا بأسرة الأدباء والكتاب، ضمن برنامج "الأسرة" للاحتفال بيوبيلها الذهبي.
التجربة الشعرية
وقال المحاضر: لقد ولدت التجربة الشعرية مبكرة جدا. وفي حضن عدد من أخوات لها ينافسن جميعا على قلبي: الخط، الرسم، التصوير، تلوين الصور الفوتوغرافية، بالإضافة إلى جمع الطوابع والقراءة وكتابة الشعر طبعا. وابتدأ النضج الشعري عندي عام 1965 على مستويات كثيرة أولها الانتفاضة العمالية التي شهدتها البحرين في ذلك العام وأنا في السنة الدراسية الأخيرة (التوجيهي). ثم تخرجي في العام نفسه وسفري إلى بريطانيا للدراسة الجامعية. ثم عودة الصحافة في البحرين بعد توقف عقد من الزمان إثر ضرب الحركة الوطنية عام 1956.
الغربة
وأضاف: كان لحياة الغربة التي عشتها في الغرب لأول مرة دور أساسي في إنضاج تجربتي الشعرية والنفسية والفكرية والجمالية في آن واحد. فقد مكنتني الدراسية باللغة الإنكليزية من الاطلاع لأول مرة كذلك على قسط وافر من الأدب الإنكليزي شعرا ورواية ومسرحا بلغة ذلك الأدب، على الرغم من أن دراستي كانت في مجال التجارة التي أنهيتها أواخر عام 1968. وكان عمري 17 سنة حين صفعتني الغربة برياحها الباردة لتشق قلبي إلى نصفين فتوزعت عاطفتي على جهتين متداخلتين الأولى تغربي عن وطن كنت متعلقا به وبحبه وبجميع تفاصيل الحياة وخاصة الطبيعية فيه. والثانية ابتعادي عن فتاة كنت أعيش معها أول تجربة عاطفية. كان فراقي لها غربة أخرى ازدوجت بغربتي عن الوطن حتى صار قلبي رهين الغربتين معا.
وتابع د.الهاشمي: هكذا وحدت الغربة عاطفتي تجاه الوطن والمرأة، فلم أكن أذكر أحدهما إلا حضر الآخر، فقد صار وجهين عندي لحقيقة واحدة انصهرت في تجربتي الشعرية لتمنحها النضج الأول. وكان من نتاج تلك المرحلة قصائد مثل عروس الخليج، وحنين، وفي الغربة وغيرها وقد نشرتها جميعا في جريدتي الأضواء التي صدرت نهاية عام 1965 كأول جريدة بعد رفع الحظر عن الصحافة في البحرين. وعام 67 جاءت الهزيمة أو النكسة لتضاعف شعوري بالغربة وتضيف لها بعدها الثالث المتعلق بالأمة بعد الوطن والمرأة. فصارت تجربتي الشعرية موزعة قصائدها أو مشتركة بين هذه الأقانيم الثلاثة. وبالقصائد المكتوبة في تجربة النكسة رحت أوسع دائرة النشر نحو الأفق العربي بمجلاته المعروفة مثل "الأديب" و"الآداب" البيروتيتين و"الأقلام" العراقية و"البيان" الكويتية، خاصة بعد عودتي إلى الوطن إثر انتهائي من دراستي في كلية التجارة نهاية عام 1968. ولم أكن وقتها قد التقيت بأي من الأدباء والشعراء من الزملاء إلا على صفحات الجرائد.
الكشكول
وحول دفتره "الكشكول"، قال المحاضر: إن أول خطوة قمت بها فيما يتعلق بتجربتي الشعرية، وهي في بداية الطريق، أني جمعت القصائد التي كتبتها خلال وجودي في لندن، بعد أن كتبتها بخط يدي في دفتر جميل يشبه الكشكول، لا بهدف طبعها في ديوان وقد ذكرت ذلك في مقدمة الكشكول الذي أسميته (في الغربة)، بل بهدف تمريره على زملائي الأدباء والشعراء الذين تعرفت عليهم شخصيا خلال عام 1969 لأعرف رأيهم في مستوى شعري، يذكرونه في صفحات مخصصة في آخر الكشكول لهذا الغرض. وقد استفدت من هذه الآراء كثيرا لما فيها من صدق وصراحة ومحبة ووضوح. وقد كان لعلي خليفة كشكول خاص أسماه (أنين الصواري) كما أتذكر. كما كان لقاسم حداد كشكول يقع في جزئين بعنوان (السيمفونية السمراء) وقد دونت له فيه قصيدة عنوانها (عشقت.. عشقت يا قاسم) تعبيرا عن إعجابي بشعره.
وأضاف: لم أكن أعرف ما الذي جعلنا نحن الثلاثة (علي وقاسم وأنا) وقد يكون هناك آخرون لا أتذكرهم أو لم أسمع بهم نشترك في هذه المبادرة التي قدمنا بها تجاربنا الشعرية المبكرة للقارئ اللصيق بنا من الأصدقاء والزملاء والشعراء المبتدئين مثلنا. وكادت هذه المبادرة المشتركة تمثل ظاهرة في مسار حركتنا الشعرية الحديثة في البحرين. ربما لأننا شعرنا، وكذلك المشاركون معنا في هذه الظاهرة إن وجدوا، بشيء قليل أو كثير من النضج أو الجدة في تجاربنا الشعرية. وربما لمسنا تشجيعا ودفعا لنا من قبل زملائنا من الأدباء والشعراء والحريصين على تطوير لغة الشعر وارتباطها بالواقع والإنسان الكادح والمناضل في البحرين.
لغة جديدة
وواصل الهاشمي: لعل هذه اللغة الجديدة المشتركة بين أكثر الأدباء الشباب وقتها، وليس بيننا نحن الشعراء الثلاثة فقط، هي ما دفعنا تدريجيا إلى التفكير في تأسيس كيان يجمعنا لنقدم للجمهور قصائدنا الشعرية وتجاربنا الأدبية في أمسيات شعرية عارمة، رافعين على رؤوسنا شعار (الكلمة من أجل الإنسان) الذي ظل يرافقنا حتى هذه اللحظة بعد مرور نصف قرن من الزمان. فلم يحل الحول وتدور السنة وتتلاحق الشهور في رزنامة عام الانطلاق 1969، حتى وجدنا أنفسنا نرفع ذلك الشعار في أول أمسية شعرية يقيمها هذا الكيان الوليد في الثالث من يناير 1970.