تأتي احتفالات هذا العام 2019 بذكرى إقرار الميثاق الوطني في استفتاء عام أيده غالبية الشعب البحريني وبنسبة تصويت بلغت أكثر من 98% لتؤكد على معنيين مهمين، أحدهما: إيمان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بقوة هذا الوطن الأبي وقدرة أبنائه الكرام على تحقيق ما يصبون إليه من نهضة حضارية.



ويعتبر هذا الإيمان السامي الذي يدفع الجميع الآن ـ وبعين ترنو للمستقبل ـ إلى المضي قدماً نحو مزيد من التقدم والرخاء والازدهار، وخوض معترك التحديات كافة ومواجهتها والتصدي لها بعون من الله عز وجل ثم بالتفاف وتأييد كل المقيمين فوق أرض هذا الوطن الطيبة.

والمعنى الآخر، أن مشروع الميثاق الوطني بنصوصه وقيمه ـ وكالعهد به دائماً منذ 18 عاماً ـ كان وما زال بمثابة الآلية أو الأداة الرئيسية لتجديد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمملكة، والرافعة الأم التي ينسب إليها كافة التحولات التي شهدتها البلاد طوال الفترة الماضية.



وقد أسهم المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى ورؤية واستراتيجية جلالته بفعل ما أحدثه من نقلات في أن تجتاز البحرين الكثير من الظروف والأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية، ونجحت في تجاوزها بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء .

وينظر مراقبون لمشروع الميثاق الوطني بأن له الفضل في التطورات التي عرفتها البلاد على جميع الأصعدة خلال السنوات الأخيرة، ولا تخفى هنا النقلة السياسية التي شهدتها البحرين عقب إقرار هذه الوثيقة الوطنية الجامعة، والتي كانت بمثابة الركن الركين للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه.



وجاءت رؤية جلالة الملك المفدى السامية في إطلاق حياة ديمقراطية سليمة لتعبر عن التطلعات الشعبية العارمة، خاصة أنها كانت وما زالت لا تقفز على المراحل، وبعيدة عن التجاذبات النافرة، واعتمدت التدرجية ومبدأ الخطوة خطوة، وفي الوقت ذاته راعت أطر التماسك الوطني وحماية اللحمة الاجتماعية، وضمنت كذلك الالتزام والتمسك بخصوصية شعب البحرين الثقافية، وتتوافق مع احتياجاته.

ويتجلى ذلك واضحاً بالنظر إلى مجمل ما حمله المشهد السياسي والحقوقي البحريني في العقدين الأخيرين، والذي لم يقتصر على إرساء الثوابت الوطنية التي لا يمكن الحيد عنها، وإنما شملت أيضا توسيع هامش الخيارات أمام المواطنين، وإطلاق الحريات، وزيادة أطر المشاركة في عملية صنع القرار عبر وسيلتي الاستفتاء والانتخاب التي تواصلت دون توقفات جوهرية ولم تنقطع طوال السنوات الماضية على المستويات كافة، خاصة بلدياً ونيابياً، ناهيك عن التغيرات الإيجابية الشاملة في شكل وجوهر المنظومة القانونية والدستورية للدولة.



ويمكن تلمس بعضاً من ملامح هذا المشهد السياسي الحيوي والحراك الذي كان موضع إشادة وتقدير كبيرين بالنظر إلى دستور البحرين المعدل عام 2002، الذي وضع أهداف ومضامين مبادئ الميثاق الوطني نصب أعينه، وكذلك تعديلات عامي 2012 و2014، التي كانت بمثابة دليل حي على مواكبة التغيرات المتسارعة في البيئة المحيطة، وضرورة حتمية لاستكمال البنيان المؤسسي للبلاد، وحرصاً على إطلاق الطاقات الكامنة للشعب، والتجاوب مع المتطلبات الشعبية العارمة في استحقاقات عمليتي الإصلاح القانوني والبناء الدستوري والتي تتسم بطبيعتها بالاستمرارية والتطور وعدم التوقف.

وبالنظر الى الأمر ذاته على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فقد أحدث مشروع الميثاق الوطني قفزة هائلة في الهياكل الاقتصادية للمملكة بالنظر إلى حجم التنوع الذي شهدته، وتصاعد مؤشرات التنمية البشرية، وارتفاع معدلات النمو، ومن تلك التطورات التي نجح الميثاق الوطني في إرسائها والعمل بها طوال السنوات الماضية: تعزيز مبادرات القطاع الخاص، وتوسيع هامش ملكيته، وتأكيد مبدأ الحرية الاقتصادية، ورفع كفاءة وفاعلية القطاع الحكومي، فضلا عن تنمية القطاعات غير النفطية، لا سيما منها الخدمات المالية والقطاع اللوجيستي والصناعات التحويلية، والتي زادت مساهماتها في الناتج الإجمالي بنسب لافتة خلال الفترة الأخيرة مقارنة بالفترة التي دعا فيها الميثاق عام 2001 إلى عدة مبادئ حاكمة كانت وما زالت نبراساً للعمل الاقتصادي بالمملكة ورؤيتها المستقبلية 2030، سيما على صعيد ضرورة تنويع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي لضمان توفير حياة كريمة لشعب البحرين في المستقبل.



ومن بين هذه القطاعات التي تم إيلاء عناية خاصة بها، والتي يشهد الجميع بحجم التطور فيها في الآونة الراهنة مقارنة بالعقد الأول من هذه الألفية: قطاع السياحة الذي استطاع عام 2018 تحقيق نجاحات قوية بعدد زوار بلغ 10.3 ملايين سائح بارتفاع بلغ 6 % ومعدل إقامة بلغ 3 ليال للسائح وبمجموع عدد ليال سياحية وصل إلى 9.8 ملايين بارتفاع 22.3 % عن عام 2017، وذلك بحسب تصريحات أخيرة لوزير التجارة والصناعة.

وكانت هيئة البحرين للسياحة قد توقعت قبل فترة وصول عدد زوار وسائحي المملكة عبر مكاتبها التمثيلية إلى نحو 10 آلاف سائح خلال الفترة من أكتوبر 2018 إلى إبريل 2019، ويصل عدد هذه المكاتب إلى 8 مكاتب موزعة على عدد من كبريات الدول المصدرة للسياحة للبلاد في المنطقة العربية وأوروبا وآسيا، ونجحت في توفير نحو 28 مليون دينار لخزينة الدولة تمثل إجمالي إنفاق السياح الوافدين عبرها خلال الفترة الماضية، ويتوقع تفعيل وتطوير دور هذه المكاتب وزيادة عددها لتشمل دولا أخرى.



كما زاد عدد الفنادق في البحرين مقارنة بسنوات سابقة، وذلك لاستيعاب حركة نمو السياحة، خاصة العائلية منها، والتي زادت من 200 فندق عام 2015 إلى 218 فندقا بطاقة استيعابية وصلت إلى 21.465 غرفة فندقية، هذا غير أكثر من 28 فندقا وشقة فندقية قيد الإنشاء ونحو 4138 غرفة فندقية جديدة بحسب تصريحات لرئيس هيئة السياحة.

يضاف إلى ذلك: وصول الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.18 مليار دينار بنمو سنوي قدره 1.6 % عام 2018 مقارنة بالفصل الثالث من العام 2017، واستمرار العمل على استقطاب الاستثمارات، وكان آخرها عام 2018، حيث تم جذب 92 شركة بقيمة بلغت 314 مليون دينار (830 مليون دولار أمريكي) وبعدد يزيد عن 4700 فرصة عمل بحسب تقرير لمجلس التنمية الاقتصادية، هذا بجانب زيادة حجم التبادل التجاري للدولة بنسبة 20% سنويا، حيث بلغ 2.2 مليار دينار، وانخفاض العجز في الميزان التجاري بنسبة 8.8% عام 2018 مقارنة بالفصل الثاني من العام نفسه، وانخفاض العجز في الميزانية العامة بنسبة 35 % عام 2018 مقارنة بعام 2017، وإصدار 12 ترخيصا صناعيا باستثمار قدره 21.5 مليون دينار خلال الفصل الثالث من العام 2018، كما تراجع الدين العام بنسبة 2.46 %، وانتعشت الأصول الأجنبية للمملكة بنسبة 26 % في نوفمبر 2018 قياسا على الشهر السابق له بحسب بيانات صادرة عن المصرف المركزي.



ويأتي ذلك متزامنا مع السعي الحثيث والمتواصل والدائم من جانب أجهزة الدولة المختلفة لضمان جودة واستدامة الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والإسكانية المقدمة للمواطن، والعمل دون توقف لبناء مشاريع البنية التحتية، ومن ذلك: ثبات موقع البحرين على سلم تقارير التنمية البشرية الدولية، التي تضع البحرين ضمن الدول ذات التنمية البشرية العالية او المرتفعة، وكذلك جهود استكمال تنفيذ الأمر الملكي السامي بتوفير 40 ألف وحدة سكنية، حيث يستهدف برنامج عمل الحكومة في السنوات الأربع القادمة (2019 ـ 2022) بناء 15 ألف وحدة سكنية.

والمعروف أنه تم إنجاز 25 ألف وحدة بقيمة وصلت إلى 490 مليون دينار خلال السنوات الأربع السابقة (2014 ـ 2018)، وينتظر أن يتم بناء 15 ألف أخرى في الفترة القادمة رغم الزيادة السنوية في الطلبات الإسكانية التي تقدر بـ 3 آلاف وحدة سنويا، وبعد أن وصل حجم توزيعات عام 2018 وحده إلى نحو 10 آلاف وحدة بقيمة 104 ملايين دينار.



لقد كان الميثاق الوطني بالنظر إلى ميزة السبق التي حققها للبحرين في مساري التطور السياسي والاقتصادي، فضلا عن التوافق الشعبي العام الذي اتسمت به القرارات والإجراءات التي تلته، وحتى الآن، بمثابة برهان على عزم وإصرار حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على المضي قدما في مشروعه من أجل التحديث والإصلاح الشامل، وتعبير صادق على بذل كل جهد لتحقيق الوعود التي بشر بها الميثاق على أرض الواقع، الأمر الذي توافق مع احتياجات ومطالب المواطنين وعبر عن تطلعاتهم وأطلق طاقاتهم الكامنة نحو مزيد من العمل والبناء.