د.عبدالقادر المرزوقي:
لماذا نكتب؟ هل الكتابة ترف فكري أو كما يقال للفضفضة ولفت النظـر إلى من يكتب. لا أعتقد ذلك. حينما نضع الكتابة الحقة على مقياس الإبداع الأدبي، نجد أن الكتابة فعل ثقافي، فهي محور ارتكاز، ترتحل الأفكار إلى فضائها لتحاورها وتكشف عـن أنساقها ورؤاهـا الإبداعية.
الكـتابة علامة عابرة للأفكار في كل الحضارات القديمة والحديثة، وقد أسهمت في خلق فضاء مفـتوح على كل المقاربات والاحتمالات لتنتج نصاً موازياً، وقد تنـاول مفهوم الكتابة الكثير من نقاد العصـر الحديث، فرولان بارت في "لذة النص" يشـرك المتلقي ليس كقارئ فحسب بل يعده متلقياً يتفـاعل مع متعة النص فكرياً وثقـافياً مما يحيل القـراءة إلـى متعة ذهـنية تتجاوز القـراءة السلبية.
ويرى بارت أن الكتابة لا يمكن لها أن تكون مؤثرة دون فعل القـراءة، فهما وجهـان لفعل واحد تتساوقان في إطار واحد، وهـو مـا يؤكده في كتابه "همس اللغة" مميزاً بين صنفين من النصوص: نصوص القراءة، وهي نصوص يستهلكها القارئ مرة واحدة، ولا يعود إليها لأنها ذات مقصد مباشر. في مقابل نصوص الكتابة: وهي النصوص التي يمكن للقارئ أن يعود إليها أكثر من مرة ليعيد كتابتها مع كل عودة جديدة، لأنها ذات طبيعة رمزية.
ومن هـنا نجد أن الحراك الثقافي في الساحة المحلية يكتنـز بالكتابة، ولكنها تفتقـد في بعضها إلى التوجيه والنقـد العلمي القائم علـى استكناه ما يحمله النص من رؤى ومتعة ذهنية من شأنها إضفاء وعي تنويري يهدف إلى الرقي بالسلوك المعرفي. لذا فإن غياب النقد الإبداعي يخلق فوضى لغوية وتـيهاً فكرياً على مسارح المشهد الثقافي.