أقام مركز عيسى الثقافي اللقاء الرابع عشر من منتدى البحرين للكتاب، حيث ناقشت د. انتصار البناء كتاب "العقل الأخلاقي العربي" للمفكر د. محمد الجابري، وأدار اللقاء زكريا رضي، بحضور نخبة من المثقفين والمفكرين والأدباء والمهتمين.

وقالت د. البناء إن الجابري يطرح سؤالا مهما حول وجود علم أخلاق عربي أو إسلامي، واستدلاله إلى رأي المستشرقين برفض الفكرة، وغياب مصطلح "الضمير" من الثقافة العربية، مشيرة إلى أن الجابري يجيب عن التساؤل حول أن الثقافة العربية استعاضت عن هذا المصطلح بمصطلحات أخرى مثل "العقل" و"القلب" و"النفس".

وأوضحت أنه لم يتشكل نظام قيم أو (علم أخلاق) في كل من الموروثين العربي والإسلامي إلا بعد أن تأثرت الثقافة العربية الإسلامية بنظم القيم الوافدة من الحضارات القريبة، خصوصا الموروث الفارسي أولا ثم الموروث اليوناني، وتطورات الثقافة العربية الإسلامية لتشكل الموروث الصوفي والموروث العربي والموروث الإسلامي.

وذكرت بأن القيم الفارسية "الكسراوية" في الأخلاق، بحسب الجابري، تعبر عن موروث الطاعة، وتتعامل مع القيم كمنهج سياسي للدولة، وطرح أهمية الخطابات الأموية وأخلاق السلطان أو الآداب السلطانية، ودور أدباء ذلك العصر كسالم وعبدالحميد الكاتب وابن المقفع في مشروعهم بنقل القيم الكسراوية إلى الحضارة العربية الإسلامية.

وبينت بأن الموروث اليوناني للأخلاق يرتكز على الفرد وليس الدولة كما هو في الكسراوية، وذلك بالعودة إلى دراسة اليونانيون للطبيعة وعلاقتها بالكثرة والوحدة، خصوصا طرح المدرسة الطبيعية فكرة رد كل الكائنات إلى أصل واحد مثل الماء أو التراب. ثم تطورت إلى أربعة عناصر الماء الهواء التراب والنار، ومنها طبائع البشر من الحرارة والبرودة والليونة واليبوسة، مشيرة إلى أن علم الأخلاق اليوناني دخل عن طريق الطب والسلوك وعلوم النفس والاجتماع.

من جانبها، ذكرت البناء بأن الكتاب استعرض الموروث الصوفي على أنه مبني على أخلاق الفناء، وتحول التصوف من ظاهرة فردية إلى ظاهرة جماعية، تعبر عن شدة التعبد والزهد الدنيوي لطلب الآخرة، وانتهى بالتجرد من العبادة وبلوغ مرحلة الكشف والعرفان، موضحة بأن الجابري يرفض فكرة الأصول العربية للتصوف ويحيلها إلى مصادر فارسية.

وأشارت إلى أن الجابري تحدث في كتابه عن الموروث الأخلاقي العربي على أنه جاء متأخراً بفعل التنافس بين نظام القيم الفارسية واليونانية، وأن القيم العربية مرتكزة على القيمة المركزية "المروءة" والتي ترتبط بالمفهوم الاجتماعي السؤدد، الدال على الزعامة والرئاسة، موضحةً بأن تدوين أخلاق المروءة اكتسب طابعا ارستقراطيا، حيث لاقى رواجه في الممالك العربية ذات الطابع القبلي.

وبينت البناء بأن الموروث الأخلاقي الإسلامي الصرف يستند على الآيات والأحاديث والتأويل، حيث أوضحت أن نظام القيم الإسلامية في الأخلاق ترتكز على مفهوم "العمل الصالح"، مستندة إلى ذكر الجابري حول عدم وجود مشروع أخلاق عربي إسلامي، وأن ما يجري هو عمليات أسلمة ودمج واستخلاص الموروثات الأخرى، وأن التراث العربي الإسلامي يخلو أو يكاد يخلو من دراسات ومؤلفات في أخلاق المروءة وأخلاق العمل الصالح.

ويعتبر كتاب "العقل الأخلاقي العربي" الجزء الرابع من مشروع نقد العقل العربي للمفكر محمد الجابري، حيث أصدر المؤلف كتبه حول تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي والعقل السياسي العربي. ويقع الكتاب في أكثر من 600 صفحة.