محمد عبدالملك

في القصة بخلاف الشعر ظل البناء التقليدي أساسياً جداً وإلى أبعد الحدود ولم يثبت عكس ذلك حتى الآن، كما وأني لا أستطيع أن أقول إن وصفي بالمحافظة فيه التجني فقد يكون الوصف صائباً خاصة وانني شديد الحذر من الجديد.

يجب أن أقول إن الكاتب إذا ما اعتقد بأنه يستطيع أن يراقب نفسه بنفسه ويحدد مكانه موقعه من المحافظة والتجديد يقع في خطأ قائل، النقاد لهم رأي، والقراء، والأحكام والقرارات ليست ملكا للكاتب لأن القصة ليست ملكاً له وحده، لذلك ما أملكه هو أن أقتنع أو لا أقتنع وأمضي كما أريد لكن يجب أن تكون نوافذي مفتوحة لأننا دأبنا على تسمية كل جديد بالمغامر وعلينا أن نعرف أن هناك مغامرة مشروعة بدونها لا يكون جديداً وأن هناك مغامرة من أجل المغامرة وهي لا تضيف، كما ولا يجب أن نعتقد أن من يبدي رأيه "يتجني". ولا تتوافق الآراء في الأدب وهي تختلف في الغالب، المهم أن نكتب وأن يكون ما نكتبه صالحاً لأن يقرأ فيه المتعة والفائدة.

بطبيعة الحال هناك قناعة تامة لدى أن هذا الخط من الكتابة والقصة هو الأكثر أهمية، وأن القصة يجب أن تكون بهذه الطريقة وليست بغيرها، وإن كنت لا أقول أن غير هذا لا يكون قصة.. أقصد ما يكتبه الآخرون، ولكن هناك قناعة تكونت في الأدب الكلاسيكي وقراءات في الأدب الجديد.. الخلاصة التي انتهيت اليها هي أن القصة القصيرة قد بلغت ذروتها وامتلكت أدواتها التقليدية في فترة زمنية محددة في العالم في القرن الماضي والقرن العشرين.

(2)

ما دامت القصة الجديدة لم تشكل بعد فان ترك القديم كلية فعل غير مدرك لطبيعة العلاقات المتداخلة بين القديم والجديد، العلاقات الجدلية، نقول من القديم يخرج الجديد، ومن لا شيء يخرج لا شيء، هناك تخل عن أصول وأسس القصة بشكل عام في الكتابات الجديدة وهذا يخلق ارتباكاً وأحياناً يبارز الكاتب القصة بلا أدوات، أفعال دونكيشوتية خيالية يذهب مجهودها بالمجان.

(3)

الكثير من الكتاب الشباب العرب يعتنون بالشكل أكثر من المضمون.. الوقت، وقت انتشار هذه المغامرة الأدبية سيء أيضاً ومثير للريبة.. وقت مرضي، انحسار سياسي عربي رهيب.. تراجع بعد المد القومي العظيم.. حياة استهلاكية، ترف، نكبات، هزائم سياسية وعسكرية، وتصور أن كل ذلك في غياب الوعي، وعي تاريخي بكل ما يحدث، إذن فقراري في اختيار الشكل والنمط لم يحدث بشكل عفوي.. العفوية لها لحظات واحدة فقط هي لحظات الإبداع، وحتى هذه العقوبة مشروطة بالوعي.

(4)

الكتابة فعل وتأثير. لا أريد أن أكتب لزملائي الكتاب فقط، لذلك التركيز على المضمون عندي كبير، ولذلك لم أكترث للمغامرة في الشكل كثيراً، ولم تكن هذه المغامرات بؤر إبهار ودهشة لي. تبدو لي هذه المغامرة كالألعاب النارية، والزمن أفاض في اقتناعي، بدأت الحواجز تكبر بين القصة والقاريء، هناك خطأ ما.



مجلة كلمات خريف 1983