أقام مركز عيسى الثقافي اللقاء الخامس عشر من منتدى البحرين للكتاب، حيث قدم الناقد الكويتي د. عبدالله الجسمي قراءته التحليلية النقدية لكتاب "الهوية: مطلب الكرامة وسياسات الضغينة"، للفيلسوف الأمريكي د. فرانسيس فوكوياما، بإدارة عبدالقادر عقيل.

وقال د. الجسمي بأن فصول الكتاب تبدأ بالإشارة إلى مفهوم "الكرامة" قديما عندما كان أمرا يخص النخب من النبلاء والمحاربين دون العامة من أفراد الشعوب، إلا أن ذلك تغير في العصر الحديث ليدخل ضمن مفهوم المساواة وتكافؤ الفرص في الحقوق والواجبات، خصوصا مع تحول أوروبا إلى الديموقراطية، مضيفا بأن فوكوياما يرى بأن "الهوية" نشأت كمفهوم متطور مع أطروحات مارتن لوثر الذي ميز الهوية ببعد ديني حول فكرة الذات الداخلية وعلاقتها بالعالم الخارجي، والتي طورها لاحقا جان جاك روسو الذي أعطاها صبغة علمانية.

وأوضح بأن فوكوياما يرى بأن عناصر الهوية تكاملت مع بدايات القرن 19 مع التطورات التي شهدها المجتمع الأوروبي وظهور القوميات، خصوصا في ارتباط الهوية بشكل ملحوظ بالدين.

وقال بأن المؤلف يشير إلى أن ما يجري في العالم الغربي من تحديات في الهوية هو نتيجة للأوضاع الاقتصادية التي خلقت تفاوتا حادا بين الفئات والطبقات الاجتماعية بسبب المهاجرين، خصوصا انحسار الطبقة الوسطى الأوروبية (طبقة البيض) التي تعد أكثر طبقة إنتاجا والتي تجسد بذلك الهوية الوطنية، وذلك في ظل تراجع أدوار الاحزاب اليمينية واليسارية في انشغالاتهم عن حفظ حقوق الطبقة الوسطى العاملة والاهتمام بحقوق الاقليات والمهاجرين وطموحات إدارة الدولة.

وبين الجسمي بأن فوكوياما ذكر بأن المجتمعات الغربية شهدت تحولا من هوية واحدة إلى هويات متعددة، واتاحت الفرص للأقليات بنشر خطابها القومي، وتوجه حكومات الدول الأوروبية إلى تطبيق مفهوم التعددية الثقافية، والذي أدى إلى انعزال الأقليات ورفض الاندماج في مجتمع واحد، بعكس اليابان والصين وغيرها من الدول التي تعبر عن هوية وطنية واحدة، محذرا من أن بروز الهويات الجزئية والخطاب القومي في أوروبا قد يهدد خطاب الحرية والعقلانية الذي امتازت به أوروبا، مما قد يؤثر في أسس التعايش والحوار بين فئات المجتمع.

وقال بأن الكتاب حدد مجموعة عناصر تؤدي إلى تماسك الهوية الوطنية أهمها وجود حكومة قوية تمثل الهوية الوطنية العامة التي تعبر عن الوحدة وتنفي الهويات الجزئية، بالإضافة إلى تعزيز التطور الاقتصادي الذي يعزز بدوره الثقة بين افراد المجتمع وخلق الفرص عبر تأسيس شبكة اجتماعية متماسكة تفعل الحرية وثقافة الديموقراطية، والذي يتأتي من وجود إصلاح سياسي يركز على تشكيل هوية واحدة في ظل سياسات لقبول الهجرات.

وبين بأن من أبرز الحلول لتجاوز أزمة الهوية في المجتمعات الغربية هو التعامل مع الأقليات بأساليب الاحتضان والاستيعاب والاندماج المجتمعي، والتركيز على التعليم العام الذي ينشر القيم المدنية للدولة الوطنية بعيدا عن التعليم القومي والديني، واتاحة الفرصة لهم للتوظيف في الخدمة الوطنية والحكومية دون تمييز.

ووجه المحاضر عدد من الملاحظات النقدية على الكتاب، حيث رأي بأن المؤلف يعتبر مفكر يميني وقلل من مسؤولية الاحزاب اليمينية في الأزمة، وتجاهل دور الرأسمالية واقتصاد السوق الذي يزكي هجرة الشركات الغربية ويعزز الثقافة الاستهلاكية المعززة للمادية وانحسار القيم الانسانية والحضارية للشعوب.

كما ذكر بأن فوكوياما لم يتطرق إلى خطورة تراجع الفكر الأيديولوجي الذي يوحد الأفراد ويؤطر جهودهم، الأمر الذي يدفعهم الى العودة إلى جذورهم الأصلية التي تنعكس على رفضهم للاختلافات، كما بين بأن فوكوياما لم يوفق في طرحه حول العلاقة بين الهوية والدين واستشهاده بالإسلام وبروز الإسلام الديني.