أعطت الزيارة التي قام بها الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية إلى جمهورية باكستان الإسلامية الشقيقة قبل يومين، زخماً جديداً للعلاقات التي تربط المنامة بإسلام آباد، والتي توصف باعتبارها نموذجا للعلاقات التي يمكن أن تجمع دولتين لهما ثقلهما في محيطيهما، وبخاصة أنها ترجع إلى عقود مضت، وتمتد لتشمل جميع مجالات العمل والتعاون والتنسيق الرسمي منه والأهلي أيضا.

وكانت الزيارة التي اختتمت الاربعاء، وتضمنت العديد من اللقاءات والمباحثات الموسعة مع كبار المسؤولين أكدت على العلاقات الوثيقة والراسخة التي تربط البلدين، واعتبرت برهاناً إضافياً على عمق المصالح الحيوية بينهما، والحاجة إلى إيجاد آليات ورؤى جديدة لتطويرها وتفعيلها، وبما يضمن تلبية تطلعات البلدين وتحقيق طموحات الشعبين الشقيقين.

وتتسم العلاقات البحرينية الباكستانية بالتاريخية، حيث تعود مع إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1971، وفي فبراير 1974 حيث شارك المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه في مؤتمر القمة الإسلامي في لاهور.

كما تبرز هنا الأهمية الاستثنائية لزيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى لباكستان مطلع مارس 2014، التي جاءت في إطار عدة زيارات محورية لعدد من الدول الآسيوية الكبرى.

وتستند العلاقات الثنائية على عدة ركائز أساسية، منها: المواقف المتناغمة والرؤى المشتركة ناحية الكثير من ملفات الإقليم والعالم، سيما منها ما يتعلق بتحديات انتشار ظاهرة التطرف والإرهاب، وامتداداتها عبر الحدود المشتركة للدول، وحجم تداعياتها التي لم تمس أمن الشعوب واستقرارها فحسب، وإنما تجاوزت ذلك لتشمل التأثير على السلم الإقليمي والعالمي سواء بسواء.

ولعل موقف البحرين الأخير من التفجيرات الإرهابية التي استهدفت قطارا في إقليم بلوشستان وسيارة لفرقة مكافحة الإرهاب في مدينة كويتا الباكستانية في مارس الماضي يؤكد تضامنها مع أصدقائها وأشقائها في حربهم ضد هذه الجريمة النكراء، وذلك لأن المملكة لها قناعتها المطلقة بضرورة العمل جماعيا لمجابهة خطر الإرهاب والتطرف.

المعروف أن البحرين وباكستان يتبنيان النظرة ذاتها إزاء هذا الملف الخطير، ويتشاركان الجهد الأممي للتصدي لتداعياته، خاصة أنهما عضوان رئيسيان في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وذلك منذ أن تم الإعلان عنه عام 2015 تحت راية المملكة العربية السعودية الشقيقة.

وتسعى الدولتان بشكل ثنائي وضمن إطار هذا التحالف الطوعي الذي يضم 41 دولة إسلامية من أجل تكثيف وتنسيق الجهود للحد من جريمة الإرهاب وامتدادات أذرعها انطلاقا من إيمانهما بضرورة رفض كل أنواع العنف والتطرف ومحاربته فكريا وتجفيف منابع تمويله.

وإضافة إلى هذه الرؤى المتناسقة التي تجمع البلدين إزاء أكثر الملفات شدة وخطورة في الآونة الراهنة، فإن ما يجمع البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي يمثل ركيزة قوية لتطوير وتفعيل آليات العمل المشترك، ويبشر مستقبلا بتحقيق خطوات نوعية في مسار علاقاتهما.

ويمكن النظر إلى مؤشري التواصل الدائم بين مسؤولي البلدين، وجهود دعم وتعزيز العلاقات على المستوى الاقتصادي باعتبارهما دلالتين على قوة وعمق المصالح الحيوية، سيما أن حركة التواصل لم تتوقف تقريبا خلال الفترة الماضية وتستهدف دوما تحقيق التشاور والتفاهم، كما أن العمل جار على إزالة أية عقبات تعترض مسارات التعاون الاقتصادي.

يشار إلى جملة من الزيارات المتبادلة التي جمعت مسؤولي البلدين في السنوات الأخيرة، منها: زيارة الفريق أول ركن سمو الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة رئيس الحرس الوطني لجمهورية باكستان في يناير 2017 ومارس 2018 و2019، واستقبال سموه لرئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية بالمملكة في ديسمبر 2017.

يضاف إلى ذلك زيارة وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في فبراير 2017، وهي الزيارة التي عقد على هامشها أعمال الاجتماع الأول للجنة الوزارية المشتركة، ووقعت في إطارها مذكرتا تفاهم للتعاون في مجال الزراعة والثروة البحرية وبين المعهدين الدبلوماسيين بالبلدين، والاتفاق على عقد الاجتماع الثاني للجنة الوزارية المشتركة البحرينية-الباكستانية في المنامة العام الجاري 2019، فضلا عن استقبال حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، لرئيس هيئة الأركان الباكستاني في مارس 2017، وزيارة وزير الخارجية لها في إبريل 2017 وأغسطس 2018، واجتماعه في سبتمبر 2018 بنظيره الباكستاني على هامش اجتماعات الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، واستقباله للسفير الباكستاني بعد انتهاء فترة عمله في يناير 2018، واستقباله للسفير الجديد بعد أن تسلم أوراق اعتماده في سبتمبر 2018.

وعلى صعيد العمل الاقتصادي المشترك، فهناك تحركات حثيثة من جانب الدولتين لزيادة حركة التبادل التجاري بينهما، التي بلغت عام 2016 نحو 104 ملايين دينار بحسب تصريحات لوزير الصناعة، ويدعم ذلك عدة مقومات، منها: قاعدة استثمارية تتجاوز مليار دولار أمريكي في إشارة للمؤسسات المالية البحرينية في باكستان والشركات الباكستانية التي اختارت البحرين لتنطلق وتعمل بها، وما يقدر بأكثر من 400 شراكة بين رجال الأعمال في البلدين.

وكان السفير الباكستاني الجديد لدى المملكة، استهل ولايته بالعديد من اللقاءات مع كبار المسؤولين خاصة في فبراير 2019، واستهدفت هذه اللقاءات في غالبيتها تمتين العلاقات الطيبة التي تربط البلدين، والسبل الكفيلة بتطويرها على الصعد كافة.

وتتمثل الركيزة الثالثة من ركائز العلاقات القوية الراسخة التي تربط البحرين بجمهورية باكستان في فرص الاستفادة المشتركة التي يمكن أن تعود على البلدين نتيجة للموقع الذي يحتلانه في محيطيهما الإقليمي، إذ تسعى البحرين لتنويع علاقاتها ومد شبكة تحالفاتها في إطار الاتجاه نحو الشرق، وبخاصة مع دول وسط وشرق آسيا.

وبحسب تصريحات لوزير التجارة الباكستاني عام 2016، فإن نسبة نمو حركة التبادل التجاري بين البحرين وباكستان تصل إلى 4.7 %، وهناك آمال معقودة على زيادتها لتلبية الطموح المشترك، وذلك لتصل إلى 7 % خلال 3 سنوات، خاصة أن اللجنة المشتركة بين البلدين أنشئت عام 1983، وعقدت 4 اجتماعات كان آخرها في المنامة عام 2001، وينتظر عقد اجتماع جديد عام 2019 لتقوية أواصر العلاقات المشتركة.

كما إن باكستان تعمل على الاستفادة من موقع البحرين الاستراتيجي للدخول لباقي أسواق دول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بسوق استهلاكية كبيرة تضم أكثر من 36 مليون مستهلك وقوة شرائية كبيرة، انطلاقا من الميزات التنافسية التي يتمتع بها اقتصادها، وبخاصة في مجالات الإنتاج الزراعي والحيواني التي باتت تمثل أهمية قصوى بالنسبة لأسواق دول التعاون الخليجي.

وتؤكد اتفاقات ومذكرات التعاون والتفاهم الموقعة بين البلدين حرص واهتمام الجانبين على تعزيز مسارات العمل الثنائي في المجالات كافة، حيث تشير تقارير إلى أنها بلغت نحو 14 مذكرة واتفاق تشمل كافة مجالات التعاون، وأضيف إليها 17 أخرى وقعت على هامش منتدى الأعمال البحريني الباكستاني مع زيارة العاهل المفدى لباكستان في مارس 2014.