بدت اجتماعات اللجنة البحرينية ـ الروسية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي التي عُقدت مؤخرا بالعاصمة الروسية موسكو، وترأس فيها وفد مملكة البحرين وزير الصناعة والتجارة والسياحة زايد الزياني، وكأنها تؤكد أهمية تطوير وتوثيق البحرين لعلاقاتها الثنائية بدول الشرق والغرب على السواء ضمن إطار توجهها الرامي لتوسيع شبكة تحالفاتها بدول العالم المختلفة خدمة لمصالحها الحيوية وتطلعات شعبها.

وكانت اجتماعات اللجنة، وهي الثانية في سلسلة اجتماعاتها، قد نجحت في تحقيق عدة إنجازات على صعيد تطوير علاقات البلدين.

فإضافة إلى أنها جسدت حقيقة الاهتمام والحرص على تفعيل آليات العمل والتنسيق البيني، سيما أن اللجنة نتاج للمرسوم رقم 18 لسنة 2017 بالتصديق على اتفاقية لإنشاء كيان يؤطر وينظم مسارات التعاون المشترك، فإن اللجنة قطعت شوطا طويلا في تحقيق التفاهم بشأن السبل المناسبة للدفع بالعلاقات المشتركة إلى آفاق أرحب.

وعبر عن هذا المعنى النتائج التي أسفرت عنها اجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة، حيث تم بحث تأسيس مركز لصادرات الأغذية الروسية وبخاصة من القمح على أن يقام في المملكة، وبما يستهدف تلبية احتياجات دول المنطقة ككل، فضلا عن بحث التعاون والشراكة ما بين القابضة البحرينية "ممتلكات" وصندوق الاستثمار الروسي المباشر، هذا إلى جانب التفاهمات المشتركة في مجال الطيران والنقل الجوي وغيرها بحسب تصريح أخير لسعادة وزير الصناعة والتجارة والسياحة.

ويبدو هذا التطور في العلاقات البحرينية الروسية مهماً، على أكثر من صعيد، فمن جهة، إنه يعد خلاصة لجهد عامين من التحركات الدبلوماسية والاتصالات واللقاءات والعمل المشترك، والتي لم تنقطع طوال الفترة الماضية، وما زال قائما إلى الآن، خاصة بعد تعيين سفير روسي جديد في البحرين في فبراير 2019، وبداية عمله بالعديد من التحركات واللقاءات، استهدفت جميعها تذليل أية عقبات يمكن أن تعترض تطوير مسارات التعاون بين البلدين.

ومن جهة أخرى إنه برهن على أهمية الزيارات التي قام بها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه إلى موسكو والتي رمت إلى تدعيم أواصر العلاقات معها.

ويُنظر لهذا التطور اللافت في العلاقات المشتركة البحرينية الروسية باعتباره ثمرة لجملة من الزيارات السامية التي قام بها حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى لروسيا في غضون السنوات القليلة الماضية، وكان آخرها زيارة جلالته لموسكو في سبتمبر 2016، التي وُصفت وقتها بأنها بمثابة إيذان ببدء مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، وفتح انطلاقة لمسارات التعاون المشترك، سيما أن هذه الزيارة كانت الثالثة لجلالته خلال عامي 2014 و2015 والرابعة منذ توليه جلالته أمانة الحكم قبل نحو عقدين.

وكانت أول زيارة لجلالة الملك المفدى لروسيا عام 2008، ثم زيارة في أكتوبر عام 2014، حيث تم الاحتفال بمرور 25 عاما على تأسيس العلاقات، وزيارة عام 2015، وزيارة رابعة في فبراير 2016، وتلا ذلك العديد من الزيارات المتبادلة الأخرى، التي شملت كبار المسؤولين، منها: زيارة قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في أبريل عام 2014.

وأرست جملة هذه الزيارات والتحركات السامية كثيرا من الدعائم الأساسية للتعاون المشترك، حيث تم الاتفاق على إنشاء شركات أسمدة وبترول، وفتح خطوط طيران مباشر بين البلدين، وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم والتعاون في المجالات المختلفة، استنادا إلى ركيزتين مهمتين، إحداها تتعلق بالرؤى السياسية المتناغمة التي تجمع البلدين إزاء العديد من الملفات ذات الاهتمام، وبخاصة على صعيد المواقف الداعمة المشتركة، لا سيما منها مكافحة الإرهاب.

وواقع الأمر أن التعاون البحريني الروسي يتجاوز الحدود التقليدية للعلاقات السائدة بين الدول، وذلك بالنظر إلى تاريخية وعمق وشمولية العلاقات من جانب، وانفتاح الجانبين على المجتمع الدولي من جانب ثان، فضلا عن حجم التشابه الموجود بين رؤاهما، لا سيما أن البحرين تنظر لموسكو باعتبارها طرفا دوليا مؤثرا في السلم والأمن الإقليمي والدولي سواء بسواء.

في حين ترى روسيا المنامة شريكاً رئيساً يحظى بثقة محيطه الإقليمي وقادرا بحكم سياسته الخارجية القائمة على احترام قيم التعايش والتسامح وعدم التدخل في شؤون الغير على التوسط وحلحلة الكثير من النزاعات والمشكلات.

أما الركيزة الأخرى فتتعلق بالعلاقات الاقتصادية المتنامية والمصالح الحيوية المشتركة التي يمكن أن تجمع البلدين خلال المرحلة المقبلة، فرغم أن الأرقام المتداولة دون الطموح المتوقع، لكن البلدين يسعيان لزيادتها، حيث من المعروف أن البحرين تحتل المركز 122 في التجارة الخارجية مع روسيا، في حين أن الأخيرة تأتي في المركز 61 في التجارة الخارجية مع البحرين.

وارتفع حجم التبادل التجاري من نحو 5 ملايين دولار عام 2007 إلى أكثر من 60 مليون دولار عام 2016، مقارنة مع 15.3 مليون دولار خلال العامين الماضيين، أي بنسبة نمو قدرها 292 % بحسب تصريحات للسفير الروسي السابق بالمملكة، وإلى نحو 130 مليون دولار بحسب تقارير.

ويتوقع أن يزداد بشكل أكبر عام 2018، الأمر الذي وصفه سعادة وزير الصناعة والتجارة بأنه "رقم جديد ومؤشر واضح أن البلدين يسيران في الاتجاه الصحيح".

وبدا هذا التطور الملحوظ في العلاقات التجارية والاقتصادية واضحا بالنظر إلى الفعاليات التي شهدتها الزيارة الأخيرة لوفد البحرين إلى روسيا، حيث عُقدت عدة اجتماعات على هامش الزيارة، منها: زيارة بورصة موسكو والاجتماع برئيس مجلس إدارتها، اجتماع فريق العمل البحريني الروسي للتعاون في مجال صناعة الألمونيوم، وهو الاجتماع السادس، الذي ينظر له بكثير من الاهتمام مع الخطط البحرينية بتشغيل المصهر السادس في شركة ألبا، لتصبح البحرين واحدة من كبريات مراكز الإنتاج في العالم، وهو ما تشترك فيه مع الصناعة الروسية المتخصصة في المجال أيضا.

وكذلك، بحث ودراسة مجالات التعاون الأخرى المتعلقة بالصناعة والطيران والفضاء وتحلية المياه والطاقة (النفط والغاز) والنقل والزراعة والعلوم والتعليم وصناعة الأدوية والإلكترونيات وغيرها من الفرص الاستثمارية ذات الصلة، التي يمكن أن توفرها البحرين وتستفيد بها بالنظر إلى بيئتها الجاذبة للاستثمار، والسعي الروسي لفتح آفاق جديدة لتدفقاتها الاستثمارية إلى الخارج، وبخاصة إلى دول الخليج العربية إيماناً منها بأهمية موقع المملكة الاستراتيجي كبوابة رئيسية لسوق واسعة كسوق دول مجلس التعاون الخليجي.

يذكر أن التعاون البحريني الروسي ورغم أهمية المساعي والجهود الدبلوماسية والرسمية لتأطيره وتنظيمه وتنميته، لكنه لا يقتصر على البعد الحكومي فحسب، وإنما يشمل الجانب الأهلي أيضا، حيث لا يمكن إغفال دور القطاع الخاص الوطني في العمل على الاستفادة من الخبرات المتراكمة التي يملكها الجانب الروسي في العديد من المجالات، ونجاح مجلس الأعمال البحريني-الروسي الذي يتكون بالأساس من الغرف التجارية المشتركة للبلدين في تعزيز التعاون الثنائي وتحقيق الأهداف المشتركة.

وكان مجلس الأعمال البحريني - الروسي عقد اجتماعا بموسكو مطلع أبريل 2019 الجاري أُشير فيه إلى دعم القيادة السياسية في كلا البلدين لمسارات التعاون المشترك، وبما يرتقي بطموحات رجال الأعمال وتطلعات الشعبين الشقيقين، عوامل الجذب الاستثماري التي تتمتع بها المملكة، وتدفع لتوجيه مزيد من التدفقات الاستثمارية الروسية إليها بالنظر لموقعها الاستراتيجي كبوابة للسوق الخليجية، وإمكانية تملّك المستثمرين لـ 100 % من المشروعات، وانخفاض تكلفة ممارسة الأعمال بنسبة تصل إلى 40% مقارنة باقتصادات دول المنطقة.