جعفر الديري

إن جذور عصر النهضة جميعها، تعود إلى استحضار صورة خيالية للثقافة الكلاسيكية في العصر الحديث. وتضم كل نسخة من نسخ فكرة عصر النهضة الكوكبية أجزاء من هذه الصورة وغيرها من "عصور النهضة" الماضية لتقيم دعواها وحججها الخاصة بها.

ذلك ما يؤكده جويسيبي مازوتا من جامعة ييل في الولايات المتحدة الأمريكية، في تصديره لكتاب "عصور نهضة أخرى"، ضمن سلسلة عالم المعرفة – الكويت، ترجمة: علاء الدين محمود.

يدعي محرروا الكتاب: أنه يقدم "مدخلاً جديداً" لدراسة الأدب العالمي، تحديداً ما عرف بأدب النهضة في مناطق مختلفة من العالم، مقابل أدب عصر النهضة الأوربية المعروف، وبذلك يعيد منظور الكتاب –وفق محرريه- صياغة مفهوم "النهضة" بحيث تصبح النهضة الأوروبية فكرة ملهمة وخلاقة، بدلاً من كونها مجرد حقبة زمنية معينة في التاريخ.

وتركز هذه الدراسة الفريدة والمتميزة على الحركة متعددة الثقافات ومتعددة القوميات التي يتمتع بها مفهوم كالنهضة الأوروبية، حيث تجاوز هذا المفهوم مكان نشأته الأوربية وزمانها، ليصل إلى ثقافات غير أوروبية استخدمت المصطلح نفسه، لكن بمعان أخرى تقترب كثيراً أو قليلاً، بل تبتعد أحياناً عما يعنيه المفهوم الأوروبي الأصلي. وتتقاطع أطروحات المقالات التي تتناول دراسات مفصلة لمفهوم النهضة خارج سياق النهضة الإيطالية الأوروبية التي فصلت تاريخ أوروبا عن عصورها الوسطى من مفاهيم أخرى، كالحداثة والثقافة والتحديث وما بعد الكولونيالية.

ويمثل الكتاب مناطق جيو –ثقافية مختلفة: "النهضة/ات" العربية و"النهضة" البنغالية ونهضة التاميل و"النهضة" الصينية و"نهضة" هارلم و"النهضة" المكسيكية و"نهضة" الماوري و"النهضة" الأوربية كما استقبلت في الولايات المتحدة في أثناء الحرب الباردة و"نهضة" شيكاغو واللا "نهضة" العثمانية و"النهضة" العبرية و"النهضة" الأيرلندية إلى جانب مختلف التخصصات المعرفية "الأدب المقارن ودراسات المناطق والتاريخ واللغة الإنجليزية"، ويدرس الطبيعة المعقدة لاقتباس مفهوم عصر النهضة وتطويعه عبر القرون من خلال قوة الخيال العابر للثقافات، مع الإشارة إلى عملية إعادة النظر المعقدة بـ "عصر النهضة"، إلى جانب تقديم مثال جديد وقوي يحتذى بالنسبة إلى دراسة الأدب والثقافة.

يتكون الكتاب من أحد عشر فصلاً أو مقالاً وخاتمة حررها كل من أستاذة الأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا ديفيز بالولايات المتحدة بريندا دين شيلدجن، الأستاذة المساعدة للغات الحديثة في جامعة ولاية لويزيانا غانغ تشو، وأستاذ مميز في الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة إيموري في الولايات المتحدة الأمريكية ساندر غيلمان.

ويبدو الكتاب شديد الندرة بين تلك الكثرة من الكتب والدراسات التي عالجت مصطلح "النهضة" سواء النهضة الأوربية الشهيرة التي نشأت في إيطاليا إبان القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أو تلك "النهضات الأخرى" التي تفجرت هنا وهناك في العالم غير الأوروبي، كالصين والبنغال شرقاً ونيوزيلاندا جنوباً وأيرلندا والمكسيك، بل والولايات المتحدة غرباً، مروراً بنهضة عربية في الشرق الأوسط في مصر والعراق وأخرى عبرية ليهود "الهاسكلاه" في ألمانيا.