كريم رضي
سيبقى لسلمان الحايكي رحمه الله دين في أعناقنا نحن بالذات شعراء جيله والجيل الذي تلاه والممتدين على مدى عقدين من القرن الماضي، منذ بداية السبعينيات حتى بداية التسعينيات.
لم لم نلتفت بما يكفي لسلمان الحايكي؟ هل أنه أخذته الصحافة الرياضية وبعض من انشغال بكتابات أيديولوجية سياسية إلا أنه ظل يغازل الشعر والشعراء مداعباً حينا ومشاغباً حيناً آخر! أكاد أقول واثقاً لفرط ما لمست بأصابعي جذور هذه المشاغبات التي يبديها أدباء تجاه زملائهم أنها في الأصل محاولة للقول نحن هنا فلا تتجاهلونا.
ويبقى أننا لم نلتقط الإشارة كبرياء أو غفلة. سيبقى هذا الدين الذي نشعر به تلقائياً كلما غيب الموت زميلاً كان هو أصلاً في غيبة كبرى أو صغرى عن مساحة اكتراثنا بسببه أو بسببنا، لنلتفت في لحظة مباغتة فنجده قد ترك نثار كتاباته وارتكب رحيلاً لا رجعة فيه.
وكأن المتنبي العظيم يهجو قسوتنا: "إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا/ ألا تفارقهم فالراحلون هم". وعلى أنني لا تخونني الذاكرة في تذكر إلحاحي غير مرة عليه كلما احتدم قلم سلمان مهاجماً بطيشه الذي لا يعرف مصانعة، "لم لا نراك يا سلمان، هذه أسرتك؟" لكن بالطبع وكما هي العادة دائماً يكون طريق الموت إلى الناس أسرع من طرقهم لبعضهم، لينبهنا نحن الأحياء إلى أن ثمة دعوة معلقة كبريد قديم على باب بيت مهجور لصديق منسي.
هل أقول شكراً - بمرارة - لهذا الرحيل الذي يجعلنا نقول نحن مدينون لك بالتفاتة أيها الزميل المشاكس، فلعل وفاءنا لسلمان يكون باقتناص قبسة صغيرة من هذا الزمن العجول لسلمان ولغيره ممن أسرع بهم الغياب فنأخذ بشيء من جوارحهم* ونضعه في كتاب أو إضبارة خاصة بشعراء لم تمهلهم الحياة ولم يهملهم الموت ليقولوا لنا كم يودون أن يكونوا معنا ولنقول لهم كم كنا نحبكم ولو لم يتح لنا الوفت أن نعبر عن ذلك بعكس ما يتبادر إلى أذهانكم.
وليت هذا الموت الذي يرتكب صحبته لنا بهذه المجانية أن ينبهنا مجدداً إلى نصيحة الأقدمين "الحياة قصيرة وما تسوى زعل" ويكون لكل من جعل منا جداراً عازلاً من "زعل ما يسوى" بينه وبين رفقة العمر ورفقة الكار فرصة لأن يحمل معوله مسرعاً في صباح الغد ليثقب هذا الجدار قبل أن يقول لنا الموت مقهقها لقد فات الوقت.
* الجوارح: نص شعري لسلمان الحايكي