هدى حسين

لا يمكن الوصول إلى عمق روحانية شهر رمضان الكريم إلا بصفاء النفس، ولا يتحقق صفاء النفس إلا بالقدرة على الاعتذار والسماح في آن واحد.
شهر رمضان فرصة ذهبية لتحقيق السلام الداخلي وتأصيل قوة التسامح التي لا تتم إلا من قلب المؤمن، فقد قال الله تعالى "وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماء والأرض أعدت للمتقين.. الذي ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمسلم، أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".. فكيف يرى الناس مسجات الصلح التي تنتشر في رمضان، وهل تعتبر مفتاح تغيير في العلاقات، أم أنها مجرد مسجات عابرة؟

تقول مريم محمد عن أهمية الصلح بين المتخاصمين: "هناك رسائل اعتذار نصية ومسجات صلح وسماح عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل الوتس اب، ترسل قبل شهر رمضان بأيام قليلة، للتعبير عن الأسف والندم والرجوع عن الغلط، لبعض الأشخاص بشكل مقصود أو غير مقصود، لذلك أصبحت تلك الرسائل والمسجات مزعجة، بسبب كثرتها والمبالغة في محتواها وإرسالها بهدف وغير هدف".

أما فاطمة عبدالمصطفى، فترى أن تلك الرسائل ترسل في كل عام من بداية شهر رمضان الفضيل، وأصبحت تلك المسجات رتيبة ومضيعة للوقت. في حين رأى ناجي عبدالله أن مسجات الهاتف أصبحت مملة، قائلا: "تمملنا من هالمسجات"، مؤكدا أن تلك المسجات خاصة قبل شهر رمضان المبارك شيء مقرف حقا، فهل يعقل أن بداية كل عام وبداية كل شهر رمضان ترسل مثل هذه المسجات بهدف الصلح وطول العام لا نقوم بالسلام على بعضنا البعض؟.

وتعترف بدرية محمد بأنها تقوم بإرسال مثل هذه الرسائل في بداية شهر رمضان، للتذكير بأنه يجب أن تكون القلوب صافية اتجاه الآخرين، وأن هذا الشهر هو بداية لفرصة التقارب والمحبة. أما محمد جبار فرأى أن تلك الرسائل التي تعبر عن الاعتذار والمحبة ، تصل بداية كل عام من شهر رمضان من أشخاص مقصرين في صلة الرحم ، حيث أنهم طول العام لا يعرفونك ولا يزورونك ولا يوصلون إليك في فرح ولا حزن.

ومن جهته، يقول الشيخ صلاح الجودر: "أعتقد أن تلك مسجات المصالحة عبر الوتس أب وغيره باقتراب شهر رمضان، هذه الرسائل هي بمثابة هدر لوقت الإنسان المسلم الذي يجب أن يصرفه في ما ينفعه ويفيده ، فالمبالغة في هذه الرسائل (سامحونا وابروا ذمتنا ونعتذر) وإشغالهم بها، وكأن هناك خصومة بينه وبين أخيه المسلم، إنما الإنسان المسلم العاقل يتجاوز ولا يذكر الخصومة، لأن ذكر الخصومة بكثرة هي سبب من أسباب لحصول ووقوع مثل هذه المشاكل ، ويقوم بالتذكير بالموقف السلبية التي حدثت سابقا وبالأخطاء التي اقترفها بحق أخيه المسلم الذي قد نسى ما حدث وتجاوزه ، وهذا فعل وأسلوب غير صحيح.

وهناك وسائل أخرى ينتهجها الخطباء والعلماء من خلال الوعظ والإرشاد المدعمة بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية، ولا تكون كإشارة لشخص معين أو مخصوصة لشخص واحد ، وكأنه قد ارتكب خطأ ونذكره بما فعله في الناس أو فلان زعلان من فلان .

وينصح الجودر أن يكون الإنسان محب لأخيه المسلم، ولا أحد يبتعد عن أحد بسبب مشكله ما، الأخ يكون قريب من أخيه ، والجار كذلك قريب من جاره ،وهكذا ، من غير التذكير بأخطاء بعضنا البعض ، وقال الرسول (ص) في حديثه الشريف : (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم)، فكيف تنتظر سنة كاملة حتى تصالح أخيك المسلم؟، فلا يجوز ذلك، حيث إن شهر رمضان الكريم هو فرصة للتصالح والتزاور، فمن تلقى أخاك المسلم سلم عليه ، هذا يزيل الشحنات السلبية بينكما، وكأنما لم يحدث شيء.