د.عبدالقادر المرزوقي

إن رواية الكتابة التي ميزها رولان بارت عن رواية الحكي هي التي ينفق الروائي جهداً عظيماً في وضع هندسة بنائها، وصناعة قوانين السرد، فتتطلب قراءتها جهداً كبيراً من القارىء، إذ تجبره على المشاركة في لملمة شعث أحداثها، والإسهام في إنتاج دلالتها، فتصبح قراءتها على هذا النحو نوعاً من الكتابة الموازية، يقوم بها القارىء نفسه، فهو لا يتابع في هذا النمط من السرد الأحداث اليسيرة مسترخياً ناعم البال، وإنما عليه أن يعمل عقله لفك شفرات النص وتفسير علاقاته المتشابكة لخلق المعنى والوصول إلى الدلالة المقصودة.

وهذا ما يدعونا إلى تفكيك تنميط الصورة في ذهن المتلقي والخروج عن الصورة النمطية المستقرة في كيان الفرد من خلال التراكمات المعرفية التي تشكلت بفعل الموروثات والأحكام المتلبسة لظنون الـرؤية المسبقة، ولعل هذا يقود إلى آلية تتقاطع مع آلية التفكيك حيث إنها تمثل متكأً لفهم الخطاب السردي، فآلية التأويل مهمة يمارسها المتلقي لكشف رموز الخطاب السردي، ولا يتأتى ذلك من خلال النظر إلى النص من الخارج، بل هي نتاج من تلامس وعي القارئ المتلقي والنص الأدبي، وهذا جوهر نظرية التلقي والتأويل الحديثة خاصة عـند فولفانغ إيزر.

وبالرغم مـن دور السياق الداخلي للخطاب السردي، إلا أن للسياق الخارجي أيضا دور في تأويل وتوليد الدلالات وتحررها من قيود لغة الحكي، لتنفتح على فضاء حر يتضافر فيه الدال والمدلول.

فالسرد فضاء مفتوح لا حدود له، فضاء يحتمل مختلف الخطابات، "وإن متاهات السرد في إبداع الرواية إنما هو بحث في الخطاب ذاته في عالم له خصوصياته الأدبية".