هدى حسين

يعاني كثير من الأشخاص في واقعهم من داء "الرهاب" أو الفوبيا" تجاه أمر ما، يخلق داخلهم حالة مرعبة من التوتر والقلق، وسرعان ما تتحول إلى خوف دائم، يؤثر على نمط حياته اليومية، ومهامه الطبيعية، وتمثل حالات الرهاب 12.3٪ إجمالي الأمراض في العالم.

وتعتبر الدراسات النفسية والاجتماعية أن الشخص الذي يعاني من الرهاب، لديه حاجة ملحة لتجنب أي شيء يحفز على مصدر القلق بالنسبة له. على الرغم من معرفة المريض أن خوفه غير منطقي، لكن لا يمكنه التحكم فيه والسيطرة على شعوره حسب روايات وقصص عديدة. ويميز الأخصائيون بين رهابين: رهاب نفسي ورهاب اجتماعي، وحسب كل نوع تختلف طريقة العلاج من علاج دوائي وآخر غير دوائي.

الرهاب النفسي

تقول الأخصائية النفسية والاجتماعية حياة حمادة إن الرهاب أو الفوبيا هو اضطراب نفسي يؤدي للخوف المتواصل من مواقف أو نشاطات معينة عند حدوثها أو مجرد التفكير فيها أو أجسام معينة أو أشخاص عند رؤيتها أو التفكير فيها، وبينت أنه ينتشر أكثر عند النساء بمعدل مرتين أكثر من الرجال ويبلغ انتشاره بين 3-10% ، ويصيب الأشخاص ما بين 15 و35 سنة ، وبينت أنواعه بالرهاب الاجتماعي، ورهاب الحيوانات، ورهاب المرتفعات، ورهاب الرعد والبرق والمطر، ورهاب التقدم بالسن، ورهاب الأماكن الضيقة، ورهاب الخوف من الإجراءات الطبية مثل الإبر وسحب الدم والعمليات وخوف الأطفال من أصوات معينة أو الظلام.

وأوضحت حمادة أن الأعراض تختلف من نوع إلى آخر من الرهاب، مثل الهلع والخوف والشديد ، القلق والتوتر ، الشعور بضيق التنفس والاختناق ، الارتجاف والربكة ، التعلق ، الدوخة، وبالتالي ممكن تؤدي إلى الإغماء، التقيؤ وتقلب المعدة، عدم النوم أحيانا.

ظاهرة عالمية

الرهاب في المجتمع بين الاعتراف بالمشكلة والخجل منها .. كان محل نقاش في هذا التحقيق الذي نعرض فيه آراء الناس وقصص واقعية للمصابين بالرهاب إضافة إلى رأي المختصين. يشار إلى أن تقرير منظمة الصحة العالمية (2015) بين أن الاضطرابات السلوكية والعقلية، تمثل 12.3٪ إجمالي الأمراض في العالم، وأن 50 ٪ من سكان العالم يعانون من مشاكل نفسية بسب التوتر والخوف والاكتئاب، مؤكدا أن الأمراض النفسية سائدة في البلدان الدكتاتورية، حيث لا تحصل الشعوب على حقوقها الأساسية، كما أن حقوق الإنسان غير منصفة. لكن لا تزال الصراعات والتوترات الاجتماعية هي سبب الأمراض النفسية، بسبب ان افراد المجتمع لا يستطيعون ممارسة مواطنتهم، أو حتى تحقيق أهدافهم في الحياة.. وتاتي امراض الاكتئاب في المرتبة الرابعة في مجمل الامراض العالمية، ومن المتوقع أن تصل إلى المرتبة الثانية بحلول عام 2020 (تقرير منظمة الصحة العالمية، 2015)، وذلك بعد أمراض القلب والأوعية الدموية.. فأكثر من 40٪ من الدول ليس لديها سياسة واضحة للصحة النفسية، وأكثر من 30٪ ليس لديها برامج محددة، و 25٪ تقريبًا ليس لديها تشريعات في هذا المجال.


قصص من الواقع

تقول سارة حسن إنها منذ الصغر تكره الأماكن المزدحمة والضيقة، وكبرت معاها هذه المشكلة وباتت أعراضها تزداد، حيث إنها تشعر بضيق التنفس عند ركوب ا"لأصانصير" أو عند الدخول في أزقة ضيقة.

وتضيف سارة أنها تشعر بالتوتر وعدم الراحة في التجمعات والازدحمات وتزداد دقات قلبها ويزداد تعرقها، حتى باتت تتجنب الخروج من المنزل أو المشاركة في الاحتفالات والفعاليات المختلفة، وتضطر لصعود الدرج رغم معانتها من مشكلة المفاصل .

وتروي فاطمة جعفر أن لديها خوف شديد من الحيوانات الزاحفة، وتقول أكرههم بشدة لدرجة أني أتقيء عند رؤية الزواحف من كثر الخوف والتوتر، لافتة أن ما يخفف معاناتها أنها لا تراها بشكل يومي.

أما محمد صالح فيقول كانت لدي مشكلة الخوف من المرتفعات العالية، لكني استطعت مواجهة نفسي وتغلبت على مخاوفي بمجرد التجربة مرة ومرتين وأكثر لما تعودت على المرتفعات، وأنا اليوم فني كهرباء في إحدى الشركات الكبيرة ولله الحمد أقوم بعملي في الكثير من المرتفعات التي تعرضني إلى الموت ولكني لا أزال صامدا متحديا نفسي دائما .

وتذكر فرح أحمد أن أكثر شيء تخاف منه بشدة هي القطط، فهي تشكل هاجسا مرعبا بالنسبة إليها.. لا أريد رؤيتها أصلا، مجرد رؤيتها تصيبني بالفزع.

وتضيف فرح قائلة: صادفتني الكثير من الزيارات التي أقوم بها مع الأهل لمنازل بعض من الجيران والأهل والأصدقاء يوجد لديهم قطط، والله لا أستطيع دخول منزل به قطة، منبهة أنه من الممكن أن يعتبره البعض نوعا من الدلع، ولكنه شيء ليس بيدي فأنا نفسيا لا أستطيع رؤية القطط أو التعامل معهم.



العلاج النفسي

بينت الأخصائية النفسية والاجتماعية حياة حمادة إن العلاج الأساسي هو التعرض المباشر للوضعيات المخيفة تحت إشراف مختص. أما العلاج الطبيب النفسي نوعان من خلال الأدوية مضادات الاكتئاب والقلق والنفسي من خلال العلاج المعرفي السلوكي ومهم التدريب على التنفس العميق والاسترخاء لأنهم يقللون من الانفعال الشديد والخوف .



الرهاب الاجتماعي

ويقول الأخصاصي في العلاج النفسي غير الدوائي محمد القاضي عن الرهاب الاجتماعي، يشعر الكثير من الناس من وقت إلى آخر بعدم الارتياح في بعض المواقف الاجتماعية المختلفة أو العارضة عليهم ولكنهم لا ينتبهون لهذه المشاعر وسرعان ما تنقضي بيسر خلال دقائق من مواجهة الموقف الاجتماعي، ولكن هناك قلة باقية من الناس يتعطلون بسبب تمركزهم حول هذه المشاعر غير المريحة لدرجة تؤثر على أداءهم الاجتماعي وتواصلهم مع الآخرين، هذه الحالة تسمى بالرهاب الاجتماعي.

ويضيف القاضي أن الرهاب الاجتماعي هو حالة من عدم الارتياح والارتباك والتوتر يتبعها أعراض فسيولوجية حادة تأتي للشخص نتيجة تعرضه لمواقف يتعامل فيه مع الناس المحيطين به بشكل عام "كاجتماع، إلقاء كلمة، انتظار دور في الحوار،......الخ"، أو أشخاص محددين في مواقف معينة مثل رموز السلطة "كالمدير، الشرطي، كبير العائلة،...إلخ".

ويذكر القاضي أنه عند التمعن في مضمون ما يفكر فيه مريض الرهاب الاجتماعي سنجد سيلا من الأفكار المزعجة من قبيل "ستظهر علي علامات الارتباك أمام الناس وسيلحظون توتري، تلاحقني نظرات الناس في حركاتي وسكناتي، سوف يطلب مني المشاركة وإبداء الرأي وسأفقد أفكاري ولن أستطيع الاستمرار في الحديث طويلا، لن أستطيع المرور أمام المدعوين والأهل والأصدقاء في يوم عرسي، سينتقدني المعلم أثناء عرضي للموضوع أمام الزملاء وسيسخرون مني، يدي سترتجف ويحمر وجهي خجلا أمام الجمهور، لا أستطيع التحدث أمام الجنس الآخر ولا يمكن أن أنجح في فتح حوار معها/معه، محتمل أن يطرح علي سؤال لا أعلم إجابته وسأبدو جاهلا داخل الاجتماع.

ويرى القاضي أن مثل هذه الأفكار تفجر لدى الشخص مشاعر يصعب كبحها والسيطرة عليها مثل القلق الشديد والرهبة والخوف بدرجة عالية جدا، ومن ثم تظهر عليه الأعراض الفسيولوجية المتمثلة في خفقان القلب ورجفة اليدين والتعرق وإحمرار الوجه مما يؤكد للشخص أنه سيبدو شخص سخيف وضعيف أمام الآخرين، فتزداد حدة شعوره بالرهبة والخوف والقلق الاجتماعي.



وحسب القاضي يعتبر الرهاب الاجتماعي من الأمراض المنتشرة بين الناس ويبدأ في الظهور في سن مبكرة في مراحل التعليم الأساسي، ومن الضروري التمييز بين الرهاب الاجتماعي كمرض وبين الخجل عند الأطفال حتى لا يختلط الأمر لدى القارئ، حيث أن الخجل أمر طبيعي في الطفولة عند مواجهة الأغراب، ويلجأ مريض الرهاب الاجتماعي إلى تجنب المواقف الاجتماعية المثيرة للقلق تفاديا للإحراج، أو قد يحاول المواجهة وما يلبث قليلا حتى يلحظ إزدياد أعراض القلق فيلجأ مسرعا للهروب من الموقف قبل انفضاح قلقه للناس.

العلاج غير الدوائي

وعلى الرغم من ذلك ينجح الكثير من المصابين بالرهاب الاجتماعي في اجتياز المشكلة بذكاء من خلال التدريب ومواجهة المواقف المثيرة للقلق الإجتماعي مع تحمل التوتر والرهبة، وعنه يقول القاضي: " بالتكرار يصبح الأمر عادة ويألف مخالطة الناس، لكن البعض الآخر قد يركز على المشكلة أكثر من البحث عن حلول ويستسلم للقلق بدلا من إدارته واجتيازه بالأساليب العلاجية الفعالة. وفي هذه الحالة يجب على الشخص البحث عن علاج من خلال الذهاب للمختصين مثل الطبيب النفسي لمتابعة العلاج الدوائي والأخصائي النفسي الإكلينيكي لمتابعة العلاج النفسي غير الدوائي."

ويضيف القاضي: "هناك مفاهيم مغلوطة عند الناس مثل الثقة في النفس هي أساس الرهاب الاجتماعي، ولكن هذا ليس صحيح في المطلق، فكثير من الناس لديهم درجات مرتفعة من الثقة في النفس والتقدير الذاتي ولكنهم أصيبوا بالرهاب الاجتماعي لأسباب أخرى متعددة منها عامل الوراثة مثلا أو موقف صادم أو ضعف التدريب على مواجهة الجمهور".

ويختم قائلا: " الرهاب الاجتماعي من الأمراض التي قد تمنع صاحبها من النجاح والتقدم والترقي ومن ثم تحسين الأوضاع الاجتماعية والمادية والثقافية، وذلك بسبب رفض الكثير من المهام التي تتطلب مواجهة للجمهور لتفادي المشاعر المزعجة، ففي النهاية لا يوجد شخص بارع في مواجهة الجمهور إلا بعد أن تدرب بشكل تلقائي بالممارسة الذاتية أو مقصود من خلال المختصين على هذه المهارة".