د.عبدالقادر المرزوقي
قراءة في المصطلح النقدي (2)
عود على بدء في محاورة المصطلح النقدي في مشهد نظريات النقد المعاصر، فبالرغم من جفاف المصطلح النقدي بصـورته والتباساته النظرية إلا أنه يؤسس قراءة علمية منهجية يضبط إيقاع التحليل النقدي، وليخلق عملاً إبداعياً موازياً للمنجز الإبداعي الأصل.
فالحركة الإبداعية شعراً وسرداً حركة واسعة ومتشعبة يدخل فيها الغث والسمين، ولا سبيل للكشف عن مضامينها الدلالية إلا بقراءتها نقديا وتفكيك مدلولاتها وسبر الملفوظ منها وغير الملفوظ، وانطلاقاً من مفهوم التناص الذي عرضته في المقال السابق أعود لعرض بعض آراء المنظرين لهذا المصطلح فميخائيل ريفاتير يعرفه بأنه "التلقي عن طريق القارىء للعلاقة بين عمل وأعمال أخرى، التي سبقته أو تلته، هذه الأعمال الأخرى تشكل مناص الأول."
ولعل هذا التعريف يشـير إلى أن التناص يحدث نتيجة القراءة التي قد تمنح القارىء آلية اكتشاف المناص وتحديد موقعه بناء على ما يحمل من كفاءة وقدرة على اكتناه تلك العلاقات التناصية بين نصوص الخطاب الإبداعي، ونحن حينما نعرض هذا المصطلح إنما نهدف إلى تفعيل هذه الآلية النقدية جنباً إلى جنب مع الآليات النقدية الأخرى من ناحية وتأصيلها في المقاربات التحليلية.
فبالنظر إلى المسرح الكتابي الإبداعي محلياً نرى غـياب النقـد الإبداعي المنطلق من المرجعيات النظرية التي ترفد ما ينتج لتحقيق الثراء التحليلي للنص والولوج في كينونة العمل الأدبي، فقديماً كانت المحاكاة والمعارضات الشعرية التي أفرزت نصوصاً تناصية بمفهوم التماهي في صيرورته السابقة، ولعل ما نشاهده في أدبنا المعاصر من جفول الدراسات النقدية ناتج عن انعدام الجلسات الحوارية النقدية التي من المأمول منها استنهاض ملكة النقد البناء القائم على النظريات الحديثة، وعليه أدعو إلى تنشيط حركة النقد في مجتمعنا الأدبي من خلال عقد ورش نقدية تسهم في تأسيس مقاربات نقدية إبداعية.