سماهر سيف اليزل

يفتقد عدد من كبار السن بدار يوكو لرعاية الوالدين "عيد لول"، كما يسمونه، بكل ما كان يحمله من بساطة وبهجة، ويعبرون لـ"الوطن" عن اشتياقهم لروح الألفة والمودة التي كانت تسود بين الأهل والجيران.

ويظهر كبار السن حنينهم للتفاصيل القديمة، حين كانت النسوة تجتمع قبل العيد بفترة لتفصيل الملابس، وتنظيف المنازل، وتجهيز الحناء، والسهر ليلة العيد لطبخ "غدا العيد" والالتقاء صبيحة العيد للمعايدة، وانتشار الأطفال في الساحات، معربين عن استيائهم من تغييب التكنولوجيا الحديثة لمتعة التواصل بين الناس.

يقول الحاج راشد خليل إبراهيم البورشيد "كان عيدنا في منطقة الحد يتسم بالبساطة، ورغم بساطته كانت بهجته كبيرة. كنا نستقبله بـ"الليوه" والغناء. ورغم فقر الحال فإن كل العائلات كانت تتجهز لاستقبال العيد وإعداد المؤونة. ويحرص التجار والأغنياء على تقديم المساعدات لكل الأسر المحتاجة مظهرين أجمل صورة للتكافل. كما كان الأطفال يتلقون العيدية من الأقارب والجيران وهي عبارة عن مبالغ بسيطة وكمية من الحلوى يخرجون بعدها للساحات الكبيرة التي كانت تجهز في كل عيد بالمراجيح والألعاب البسيطة التي تثير الفرح في نفوسنا. عيد اليوم فيه مظاهر احتفالية كثيرة وفخمة لكن لذة العيد لم تعد كما هي، ولم يعد الجار يعرف شيئاً عن جاره. واقتصرت المعايدة على الرسائل الإلكترونية. ولم يعد الأطفال يفرحون بالبسيط، ولا يخرجون للشوارع كالسابق".

الجميع حول سفرة واحدة

فيما يقول الحاج علي عبد الله عيسى "في زمننا كان لعيد الأضحى قيمة كبيرة. نترقبه ونتشوق لأيامه لما فيها من فضل كبير. نحرص على الصيام وإخراج الصدقات وتفقد الأهل والجيران وصلة الرحم، ونصالح المتخاصمين، ونودع الحجاج ونستقبلهم بالدموع. يخرج الرجال والفتية الصغار باكراً للصلاة، ثم نتجه لبيت الأسرة حيث يجتمع كل أفرادها للمعايدة. وتفتح كل الأبواب لاستقبال المعيدين وتفرش السفر داخل البيوت وفي المجالس الكبيرة، ويحضر كل منزل نصيبه من الأضحية ويلتف الجميع حول سفرة واحدة. وفي ثاني أيام العيد نحرص على أن نصل للأقارب الأبعد. ورغم أن الحياة سابقاً كانت صعبة كان الجميع يشعرون بالفرح بحضور العيد. وكانت الذبائح تذبح داخل البيوت ويترقبها الأبناء. هذه أمور كثيرة مفقودة لم نعد نراها، فغداء العيد "الذبيحة" تأتي جاهزة من المطعم، كما أن السفرة باتت تقتصر على أهل المنزل فقط. ولا يعرف أبناء اليوم شيئاً عن الذبائح وغاب الوعي بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام في العيد".



هدايا الجيران

وعن خصوصية أجواء النساء في العيد، تقول عائشة يعقوب يوسف: "رحم الله أيام لول، فالعيد كان حلو ومؤنس، نستعد له بتجهيز "الحية بية" التي كنا نصنعها للأبناء من "علب الأناناس" ونسقيها من بداية شهر ذو الحجة أو قبله حتى ليلة العيد، وبعد الإفطار بيوم عرفة نخرج جميعاً نساء وبناتاً وأولاداً لرميها مرددين "عشيتج وغديتج حية بية نهار العيد لا تدعين عليه"، ثم نعود لتجهز كل سيدة أبناءها لصبيحة العيد. وكانت النسوة تجهزن ثياب الأبناء باكراً، ثم تحضرن "القدوع" الذي كان يتكون من الأناناس والخوخ والحلوى والرهش و الزلابية لتقدم لزوار العيد. ولم تكن كل البيوت سابقاً تستطيع أن تذبح فكنا نعد غداء العيد بالدجاج ونجهزه باكراً حتى يكون جاهزاً عند حضور الرجال من الصلاة والمعايدة. وكانت الأسر المقتدرة توزع اللحم على كل بيوت الحي".

وتضيف عائشة "كنت أقطف الحناء وأنشفها وأطحنها قبل فترة من العيد لأحني بها النسوة والبنات. ومع اقتراب العيد تجتمع النساء لتنظيف "الزل" و"الدواشق" (السجاد والفرش). وكانت "السجاجيد" تعلق على جدران البيوت لتنشف وتفرش في ليلة العيد. ومن أجمل المظاهر التي أفتقدها مبادلة الجيران الهدايا في العيد، فهناك من تقدم قنينة العطر وهناك من تأتي بقطعة قماش. فرغم بساطة حالهم كانوا يحرصون على التهادي. وفرحتنا بالحجاج كانت غير، حيث كنا نخرج جميعاً لانتظارهم في "الفرضات". وكانت البيوت التي فيها حاج تزين بثوب النشل الأحمر حتى يعرف أهل الحي أن هذا الحاج عاد. ويتسابق الأطفال للحصول على الهدايا. كل هذه المظاهر مفقودة ولا نرى منها شيئاً اليوم، إذ لم تعد البيوت تمتلئ بالزوار كما في السابق".